تعتبر وزارة الشؤون الدينية منذ ما بعد الثورة من أبرز وأكثر الوزارات المثيرة للجدل وللسجال والتجاذب السياسي، كما أنها باتت من الوزارات السيادية بحكم دورها في التصدّي للإرهاب ومكافحته ولأفكار التشدّد وإعلاء القيم الدينية الأصيلة التي جاء بها الإسلام ورسّختها مدرسة الزيتونة المعمورة ودافعت عنها مدرسة القيروان الفقهية والتي ظلّت احد أبرز منارات الفكر والاجتهاد في العالم الإسلامي. اليوم تجد وزارة الشؤون الدينية نفسها في مواجهة عدّة ملفات حارقة، تطرّقنا لها في الحوار الذي أجرته «الصباح» مع وزير الشؤون الدينية الجديد أحمد عظوم الذي يؤكّد انه «لا انتماء سياسي لديه وانه يحترم جميع الأحزاب ولكنه على مسافة منها جميعا». لم ينف أحمد عظوم حجم المسؤولية الملقاة على عاتقه في إدارة وزارة بهذا الحجم وبهذه الأهمية في هذه المرحلة الحرجة التي يمرّ بها الدين الإسلامي مع ما علق به من شوائب بفعل حركات التطرّف والتشدّد، وفق تعبيره، فالوزارة التي تشغّل أكثر من 19 ألف إطار مسجديا منهم 1664 مؤدّبا و600 واعظ وتشرف على 5.715 مسجدا وجامعا، مطلوب منها أن تواجه التطرّف بالاجتهاد وباستعادة آلاف الشباب التونسي الذي «انحرف عقائديا» إلى حضن مدرسة الزيتونة والى قيم الوسطية والاعتدال في إطار مجهود وطني متكامل.. وفي الحوار التالي سيكشف وزير الشؤون الدينية عن توجهات وزارته في المرحلة القادمة. هل قامت وزارة الشؤون الدينية باستعدادات خاصّة لشهر رمضان المبارك؟ -للأمانة فإن استعدادات وزارة الشؤون الدينية لشهر رمضان ليست وليدة اللحظة، ولكنها تقاليد دأبت عليها الوزارة، ولكن أنا لي وجهة نظر قد تبدو مختلفة باعتبار أنّي ضدّ العمل المناسباتي، فعلى أهمية شهر رمضان المعظّم أو باقي المناسبات الدنية فأنا أعتقد أن عملنا لا بدّ أن يكون متواصلا على امتداد السنة.. وإذا كنّا في وضعية مكافحة وتصدّي للإرهاب فان هذه المناسبات الدينية يجب أن تكون مناسبات للتوقّي والوقاية، فخلال شهر رمضان وزارة الشؤون الدينية لها حوالي 113.206 نشاط موزعة على كامل تراب الجمهورية فيها مسابقات دينية وأختام قرآنية ومسامرات رمضانية، وقد حرصنا كسلطة إشراف على أن يتوفّر في هذه الأنشطة،الكمّ والكيف، وقد خصصنا كذلك نشاطات موجّهة لمناطق ومدن استهدفت بعمليات إرهابية كبن قردان وسيدي بوزيد والقصرين وغيرها من خلال خمس مسامرات رمضانية تتخلّلها أنشطة دينية متنوّعة. عادة ما تُطرح مع حلول شهر رمضان في السنوات الأخيرة مسألة الاعتكاف داخل المساجد في العشر الأواخر منه،في علاقة بانتشار الفكر المتشدّدة وبالتحديات الأمنية.. فهل هناك إجراءات خاصّة لإبقاء الأمر تحت السيطرة؟ -هو في الحقيقة الأمر يطرح في علاقة بصلاة التهجّد التي تتم في العشر الأواخر من شهر رمضان، والتوجه الموجود منذ السنة الماضية واعتقد أننا سنواصل فيه هو أن يكون ذلك بترخيص من سلطة الإشراف، وأرى أنه لا يجب أن يعمّم على كل الجوامع باعتبار أن روّاد هذه الصلاة أقلّ عدد من بقية الصلوات، ففي كل جهة سيقتصر الأمر على 5 أو 6 جوامع وبترخيص من السلطات. هل هناك اليوم مساجد ما تزال خارج السيطرة؟ -لا يمكن أن نتحدّث عن مساجد خارج السيطرة، وحتى المساجد المبنية دون ترخيص والتي يقدّر عددها ب352 مسجدا، قد تم تسوية وضعية 125 منها وترسيمها و165 مسجدا منها في طور التسوية، وبالنسبة ل62 مسجدا المتبقية فإنها إما مغلقة في انتظار تسوية الوضعية أو تخضع لمتابعة «مجهرية» من الوزارة في انتظار تسوية وضعيتها، وما اعتبره خارج السيطرة هي تلك الفضاءات التي تحوّلت فجأة إلى «مصلّى»، فقد راسلنا مؤخّرا أحد المواطنين ليعلمنا أن مقرّا كان يعود لحزب التجمّع تمت السيطرة عليه وتوظيفه من طرف أشخاص للصلاة..، نحن اليوم نسعى لإيجاد نظام معلوماتي ووضع خريطة رقمية لكل المساجد التابعة للوزارة، وبالتالي نريد أن نقول أن اليوم ليس لدينا مساجد أو جوامع خارج سيطرة الدولة بل قد يكون هناك فضاءات تم توظيفها للصلاة ولا نملك معلومات حولها. وبالنسبة لانفلات الخطاب الديني على المنابر من أئمة تعينهم الوزارة؟ -هذه حالات معزولة قد يأتيها إمام في خطبة ما، رغم أن ذلك الإمام قد لا يكون معتادا على الخطاب المتشدّد، لكن مع ذلك قد يقوم هذا الإمام بتجاوزات كأن يشيد بفكر تكفيري،أو كأن يقوم بتوظيف المنبر للدعاية السياسية وهنا تتخذّ إجراءات سريعة بعد التثبّت بتنحيته، مع الأخذ بعين الاعتبار وضعية الإطار المسجدي إذا كان موظّفا لدى الوزارة وهم عادة الوعاظ وهؤلاء تتم إحالتهم على مجلس التأديب وتتخذ في شانهم كل الإجراءات الإدارية المتعارف عليها. تراهن وزارة الشؤون الدينية على «الكتاتيب» كجدار صدّ أول يساهم في تنشئة دينية متوازنة لأجيال المستقبل.. فكيف تنظرون إلى ملف «الكتاتيب»؟ -لدي رؤية وتفكير في ملف «الكتاتيب» ليس لأنها من الموروث الديني والحضاري التونسي، ولكن لان هذا الموروث أعطى أكله في الواقع وكانت له ايجابياته التي لا يمكن لأحد أن ينكرها، فأجيال بأسرها مرّت عبر «الكتاتيب» أين تعلّمت اللغة والنحو والصرف والأهم من كل ذلك أنه تعلّمنا التدبّر ي القرآن،لأن المؤدّب لم يكن يكتفي بالتلقين بل يحثّ على التفكير والتدبّر. وأنا من المدافعين عن الكتاتيب بمفهومها الايجابي اجتماعيا وحضاريا ودينيا، وكذلك من المدافعين عن بعدها الرسمي من أن تكون تحت إشراف وزارة الشؤون الدينية، والذي يمنع كل زيغ عن أهداف هذه الكتاتيب التي انفتحت اليوم عن العلوم الحديثة وعن المعارف الأخرى كفن الرسم والأناشيد، وكذلك فان الإطار المشرف على هذه الكتاتيب يخضع لتكوين في علم النفس التربوي، ليكون مؤهلا لتكوين 47 ألف طفل يؤمّون هذه الكتاتيب اليوم. اقتراحكم بإرسال بعثات دينية إلى الخارج أثار جدلا.. لماذا؟ -لابدّ أن نؤكّد أن إرسال إطارات مسجدية للخارج معمول به منذ ما قبل الثورة، ولكن هذه البعثات انقطعت من 2011 إلى حدود 2014، ولكن سأقول مجدّدا أنا ضدّ المناسباتية لأن ما يحدث أنه يتم إرسال أئمة أو وعّاظ لتأمين صلاة التراويح لمدة أربعة أو خمسة أيام خلال شهر رمضان، في المقابل الوعاظ والأئمة الذين تتكفّل بنفقاتهم ومصاريفهم جمعيات تنشط بالخارج يمكنهم أن يقضّوا كامل شهر رمضان في مهام بالخارج، وقد تمت دعوتنا مؤخّرا لجلسة استماع أمام لجنة التونسيون بالخارج في ما يتعلّق بهذا الملف أساسا، وخاصّة في علاقته بالتصدّي للإرهاب وللفكر المتشدد، وجدنا انه قد تم إرسال ثلاث بعثات في 2016، وقد كنّا كما كان النواب على وعي ان المهمات الظرفية التي لا تتجاوز أيام لا يمكن أن تكون ذات تأثير ولكن في المقابل الوزارة لا تملك موارد لتغطية مهام بهذا الحجم وقد اقترح عدد من النواب أن تتولّى الجمعيات التكّفّل بمصاريف هذه البعثات ولكن نحن كوزارة لا يمكن أن نجازف بالاعتماد على جمعيات نجهل مصادر تمويلها، وعليه قد اقترحت أن يكون هناك ملحق ديني في البعثات القنصلية والسفارات، ورغم أني قد أكون تسرّعت في المقترح الذي أثار ضجّة ولكن ما قيل هو مجرّد فكرة أو مقترح يخضع للتقييم وللمراجعة ثم إن ما قصدته هو عدم تعميم الفكرة على كل الدول الأوروبية بل المقصود هو الدول التي بها جالية كبيرة العدد كفرنسا وايطاليا والمانيا. عملية إرسال وعاّظ إلى السجون هل ساعدت على نزع أفكار التشدّد من عقول الموقوفين على ذمة قضايا إرهابية؟ -هناك اتفاق بين وزارة الشؤون الدينية ووزارة العدل يتضمّن توجيه وعاظ وواعظات إلى السجون، وما اعلمه أن هؤلاء الوعاظ ذهابهم للسجون لا يقتصر على المساجين الموقوفين على ذمة قضايا إرهابية بل يشمل كل المساجين بما في ذلك مساجين الحق العام وليس هناك تركيز أو تخصيص للمتهمين بقضايا إرهابية في هذا المجال. بوجود أكثر من 1600 موقوف على ذمة قضايا إرهابية، ألا يجب أن نفكّر في حثّهم على مراجعات فكرية مكتوبة كما تم العمل في بلدان أخرى كالمغرب ومصر ولا نكتفي بزيارات متفرقة للوعظ والإرشاد؟ -طبعا نحن مع كل مجهود يهدف إلى حثّ هؤلاء على مراجعة أفكارهم، وهنا تكمن قوّة الواعظ في الوعظ والإقناع والمناصحة، وهذا يتطلّب برنامجا متكاملا يقوم على المحاججة والإقناع وان يكون الواعظ ذا تكوين وذا خبرة واطلاع على العلوم، وله كذلك تكوين نفسي واجتماعي قوّي يؤهله ليكون قادرا على المواجهة وعلى انتزاع الأفكار الهدّامة من أذهان شباب غرّر بهم وتبنوا أفكارا لا تمت للإسلام بصلة. أين وصل العمل بالإستراتيجية الوطنية لمكافحة الإرهاب في خصوص وزارة الشؤون الدينية؟ -وزارة الشؤون الدينية هي احد الشركاء الرئيسيين في هذه الاستراتيجية الوطنية، ولكن اعتقد أن هذا المشروع دخل في «سبات» بالنظر للظروف التي حفت بالوزارة قبل تعيين وزير جديد لها، واليوم أعدنا احياء هذه الاستراتيجية الوطنية ونحن ان كنّا نملك الإمكانيات فان هذه الإمكانيات والاعتمادات لا بدّ ان توظّف في ما يجب أن توظّف من أجله، فلا يكفي تكوين وتدريب الأئمة والوعاّظ ولكن يجب كذلك توفير الوسائل اللوجستية لعمل الإطارات المسجدية كوسائل النقل التي تخوّل لهذا الواعظ مراقبة الفضاءات الدينية، كما يجب العمل على تطوير الخطاب الديني وإخراجه من النمطية. منية العرفاوي جريدة الصباح بتاريخ 24 ماي 2017