الوضع الثقافي بالحوض المنجمي يستحق الدعم السخي    المسرحيون يودعون انور الشعافي    أولا وأخيرا: أم القضايا    بنزرت: إيقاف شبان من بينهم 3 قصّر نفذوا 'براكاج' لحافلة نقل مدرسي    إدارة ترامب تبحث ترحيل مهاجرين إلى ليبيا ورواندا    المهدية: سجن شاب سكب البنزين على والدته وهدّد بحرقها    نابل.. وفاة طالب غرقا    مدنين: انطلاق نشاط شركتين اهليتين ستوفران اكثر من 100 موطن شغل    كاس امم افريقيا تحت 20 عاما: المنتخب ينهزم امام نظيره النيجيري    الجلسة العامة للبنك الوطني الفلاحي: القروض الفلاحية تمثل 2ر7 بالمائة من القروض الممنوحة للحرفاء    الكورتيزول: ماذا تعرف عن هرمون التوتر؟    انتخاب رئيس المجلس الوطني لهيئة الصيادلة رئيسا للاتحاد الافريقي للصيادلة    لماذا يصاب الشباب وغير المدخنين بسرطان الرئة؟    وزير الإقتصاد وكاتب الدولة البافاري للإقتصاد يستعرضان فرص تعزيز التعاون الثنائي    عاجل/ تفاصيل جديدة ومعطيات صادمة في قضية منتحل صفة مدير برئاسة الحكومة..هكذا تحيل على ضحاياه..    الطب الشرعي يكشف جريمة مروعة في مصر    تونس العاصمة وقفة لعدد من أنصار مسار 25 جويلية رفضا لأي تدخل أجنبي في تونس    منتخب أقل من 20 سنة: تونس تواجه نيجيريا في مستهل مشوارها بكأس أمم إفريقيا    إقبال جماهيري كبير على معرض تونس الدولي للكتاب تزامنا مع عيد الشغل    ارتفاع طفيف في رقم معاملات الخطوط التونسية خلال الثلاثي الأول من 2025    بالأرقام/ ودائع حرفاء بنك تونس والامارات تسجل ارتفاعا ب33 بالمائة سنة 2024..(تقرير)    الطبوبي: المفاوضات الاجتماعية حقّ وليست منّة ويجب فتحها في أقرب الآجال    مصدر قضائي يكشف تفاصيل الإطاحة بمرتكب جريمة قتل الشاب عمر بمدينة أكودة    وزير الصحة: لا يوجد نقص في الأدوية... بل هناك اضطراب في التوزيع    الطبوبي: انطلاق المفاوضات الاجتماعية في القطاع الخاص يوم 7 ماي    عاجل/ مجزرة جديدة للكيان الصهيوني في غزة..وهذه حصيلة الشهداء..    البطولة العربية لالعاب القوى للاكابر والكبريات : التونسية اسلام الكثيري تحرز برونزية مسابقة رمي الرمح    نحو توقيع اتفاقية شراكة بين تونس والصين في مجال الترجمة    يوم دراسي حول 'الموسيقى الاندلسية ... ذاكرة ثقافية وابداع' بمنتزه بئر بلحسن بأريانة    عيد الشغل.. مجلس نواب الشعب يؤكد "ما توليه تونس من أهمية للطبقة الشغيلة وللعمل"..    توقيع عدد من الإصدارات الشعرية الجديدة ضمن فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب    تونس العاصمة مسيرة للمطالبة بإطلاق سراح أحمد صواب    عاجل/ المُقاومة اليمنية تستهدف مواقع إسرائيلية وحاملة طائرات أمريكية..    صادم: أسعار الأضاحي تلتهب..رئيس الغرفة الوطنية للقصابين يفجرها ويكشف..    التوقعات الجوية لهذا اليوم..طقس حار..    محمد علي كمون ل"الشروق" : الجمهور على مع العرض الحدث في أواخر شهر جوان    قيس سعيد: ''عدد من باعثي الشركات الأهلية يتمّ تعطيلهم عمدا''    كأس أمم إفريقيا لكرة القدم داخل القاعة للسيدات: المنتخب المغربي يحرز لقب النسخة الاولى بفوزه على نظيره التنزاني 3-2    كأس أمم افريقيا لكرة لقدم تحت 20 عاما: فوز سيراليون وجنوب إفريقيا على مصر وتنزانيا    توجيه تهمة 'إساءة استخدام السلطة' لرئيس كوريا الجنوبية السابق    منذ سنة 1950: شهر مارس 2025 يصنف ثاني شهر الأشد حرارة    ترامب يرد على "السؤال الأصعب" ويعد ب"انتصارات اقتصادية ضخمة"    وفاة أكبر معمرة في العالم عن عمر يناهز 116 عاما    منظمة الأغذية والزراعة تدعو دول شمال غرب إفريقيا إلى تعزيز المراقبة على الجراد الصحراوي    معز زغدان: أضاحي العيد متوفرة والأسعار ستكون مقبولة    يظلُّ «عليًّا» وإن لم ينجُ، فقد كان «حنظلة»...    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    كرة اليد: الافريقي ينهي البطولة في المركز الثالث    Bâtisseurs – دولة و بناوها: فيلم وثائقي يخلّد رموزًا وطنية    مباراة برشلونة ضد الإنتر فى دورى أبطال أوروبا : التوقيت و القناة الناقلة    عاجل/ اندلاع حريق ضخم بجبال القدس وحكومة الاحتلال تستنجد    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    تعرف على المشروب الأول للقضاء على الكرش..    غرة ذي القعدة تُطلق العد التنازلي لعيد الأضحى: 39 يومًا فقط    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أئمة أوروبا..يستنبتون أم يستوردون؟
نشر في الحوار نت يوم 06 - 08 - 2010

نصف قرن من الزمان- تقريبا- كانت كافية لتخرج صلاة المهاجرين المسلمين إلى البلدان الغربية- والذين جاءُوا من بعدهم- من السر إلى العلن، ومن الفوضى إلى النظام، ومن الأقبية إلى المساجد والمنابر.
الإقبال المتزايد على التدين، وعودة الروح إلى جسدها، أخرج الأئمة من الظل إلى الضوء، ومن الظلمة إلى النور؛ ليقيموا الصلاة كل يوم، وكل جمعة، وكل رمضان..
وفجأة وجد هؤلاء الأئمة أنفسهم تحت وطأة جدل لا ينتهي.. معادلة معقدة يتداخل فيها المحلي مع العالمي، والسياسي مع الثقافي، والعلماني مع الديني، يأتي هذا كله متزامنا مع صحوة إسلامية شعبية امتدت حتى تجاوزت طاقة النخب، وازداد بها الطلب على الأئمة حتى فاق العرض.
أطراف متعددة أدلت بدلوها في سجال الأئمة المسلمين في المساجد الأوروبية، رجال السياسة حكاما ومعارضة، رجال الدين الكاثوليك والبروتستانت، وحتى اللادينيون حراس قلعة العلمانية، فضلا عن رؤساء المنظمات الإسلامية، والخبراء في الظاهرة الإسلامية، والدول الأصلية التي جاء منها المهاجرون.
أقاويل كثيرة تعرض عن استيراد الأئمة من البلدان الإسلامية أو استنباتهم في المعاهد والجامعات الغربية، وعن مضمون التكوين، ومدته، ومن يقوم به، وتمويله، وعن مصير المتخرجين.. وتعطى الكلمة للجميع، إلا الأئمة، الذين لم يلتفت إليهم أحد في هذه المكلمة.

الحالة البلجيكية

الحالة البلجيكية عبر عنها رجل الدين الكاثوليكي هانس فوكينغ، رئيس اللجنة الكنسية المشتغلة ب "الإسلام في أوروبا" في ورقة كتبها في يناير 2007.
يقول فوكينغ "إن الأئمة في بلدان الهجرة الأوروبية يطالبون بأداء وظائف متعددة، فالجالية المسلمة تنتظر منهم التدخل في الميادين الدينية والثقافية والتربوية والسياسية والاجتماعية، كما تنتظر منهم دعما في عملية الاندماج، وتقارن بينهم وبين ممثلي الديانات المتجذرة في أوروبا منذ قرون، كما أن هؤلاء الأئمة يصبحون جسورا للتقاليد الإثنية والثقافية، مغربية وكردية وباكستانية وتركية وغيرها. وأخيرا، وعلى الصعيد الاجتماعي، يقومون بوظيفة التوجيه، وتقديم النصائح الفردية والجماعية حول طريقة العيش الإسلامية في سياق أوروبي خاضع للعلمانية والتعددية".

ويرى هانس فوكينغ أن النقص الكبير في عدد الأئمة المكونين في بلجيكا وأوروبا يطرح عدة مشاكل، فالأئمة المستوردون -بحسبه- لهم تعليم تقليدي؛ إذ حفظوا القرآن الكريم والحديث الشريف وبعض متون الفقه، ومعظمهم أتى من البوادي والقرى، ومستواهم الثقافي والبيداغوجي ضعيف جدا!.

وتابع: "بمجرد وصولهم تطرح مشاكل كبيرة بسبب التباين الكبير بين التكوين المتبع والمستوى اللازم ليكون الإمام فعالا ومؤثرا في الجالية المسلمة بأوروبا، فما أوسع الفرق بين البيئة القروية التي جاء منها، وكان جل أهلها أميين وكبارا في السن، وبيئة جديدة تماما أغلب أهلها مثقفون ثقافة حديثة، وشبان في مقتبل العمر، وفي قلب التقدم الصناعي والتكنولوجي والإعلامي."

وأكد "أن هؤلاء الأئمة الوافدين لا يعرفون من لغات بلدان المهجر إلا النزر اليسير، أو هم لا يعرفون منها شيئا على الإطلاق، فضلا عن جهلهم بالثقافة والتاريخ والتحولات الجديدة للمجتمعات الغربية".

ويخلص فوكينغ إلى أنه بالنظر إلى حجم المسلمين في أوروبا، وتعددهم المذهبي والثقافي التقليدي في مواجهة تحدي الحداثة والهجرة، إضافة إلى النقص الحاد على المستوى التنظيمي والتمثيلي، وعلى مستوى الاعتراف القانوني بهم، وما تبذله السلطات الحاكمة في التعامل مع المسلمين بالمساواة مع أصحاب الأديان الأخرى، مع الأخذ في الاعتبار ما تقوم به الحكومات الأصلية للمهاجرين من تدخل في الشأن الديني إلى جانب المنظمات الإسلامية العالمية، فلا بد من فتح شعبة للتكوين الديني للأئمة والخطباء والمدرسين والمرشدين في المساجد والمستشفيات والسجون والجيش.

للاطلاع على الورقة البلجيكية انقر على هذا الرابط

الحالة السويسرية

أجرت السلطات السويسرية دراسة حول الأئمة فوجئت فيها بحجم الإجماع الحاصل لدى المسلمين وغير المسلمين حول ضرورة تكوين الأئمة في سويسرا، وقال أولريخ رودولف الأستاذ بمعهد الدراسات الشرقية بمدينة زيوريخ "إن 80 بالمائة من الأشخاص المستجوبين يؤيدون تعليما إسلاميا أصيلا متوافقا مع السياق السويسري، على أيدي أئمة متخرجين هنا وليس بالخارج".
وشملت الدراسة السابقة-التي نفذها الصندوق الوطني السويسري للبحث العلمي- المجموعات الدينية والأحزاب السياسية والمدارس العليا والخبراء القانونيين، وأفضت إلى أنه لا يوجد أي عقبة قانونية أمام إدخال التكوين المخصص للأئمة، "فكما هو الحال بالنسبة للواعظ المسيحي، على الإمام أن يكون خطيبا وبيداغوجيا في الوقت نفسه" وفق رودولف.
وكذلك فوجئ ستيفان لاتيون- أبرز الخبراء السويسريين في الظاهرة الإسلامية ببلاده، وعضو مجموعة البحث حول الإسلام بسويسرا- هو الآخر بهذه النتائج "خاصة إجماع المسلمين السويسريين على الحاجة إلى مسئولين دينيين أكثر تسلحا بالتكوين للإجابة عن القضايا العملية للحياة اليومية بسويسرا".
لكن لاتيون لا يخفي اعتراضه على تدخل الدولة السويسرية في تكوين الأئمة، فهذا أول عامل سيبعد الأئمة عن التكوين، أو سيجعل منه أرقاما جديدة تضاف إلى طابور العاطلين عن العمل.

فالأئمة- حسب لاتيون- تختارهم قواعدهم، ولا يفرض الأئمة على المصلين إلا في الأنظمة المستبدة على حد قوله؛ وعليه فإن المطلوب هو مجرد برنامج تكميلي لتخريج "أطر اجتماعية"، فكلمة "إمام" تشوش على النقاش وتجعله عقيما.
ومن أهم القضايا التي يرى لاتيون أن الأئمة بحاجة ماسة إليها، معرفة العلمانية والقوانين العملية لها، ومنتهى أمله أن تصل سويسرا إلى الاعتراف القانوني والدستوري بالدين الإسلامي كما سبقت إلى ذلك النمسا، حيث يعتبر الإسلام فيها دين الدولة إلى جانب المسيحية، حيث يتخرج الأئمة من أكاديمية البيداغوجيا الإسلامية، ويصبحون موظفين. بل إن النمسا دأبت على تنظيم مؤتمرات منتظمة للأئمة والمرشدات بأوروبا، بدءا بمؤتمر "أئمة أوروبا" الذي عقد في مدينة غراتس النمساوية الجنوبية عام 2003، ثم مؤتمر "الأئمة والمرشدات" عام 2007 في فيينا، وأخيرا مؤتمر "الأئمة والمرشدات الدينيات للأقليات الإسلامية في أوروبا" في 14 مايو 2010.

وكان مأمولا أن يبدأ مشروع التكوين في ربيع 2010، في جامعة فريبورغ، لكن الاستفتاء على منع الصوامع، والجدل الحاد حول منع البرقع، أوقف كل شيء.
ويلقى لاتيون باللائمة أيضا على المسلمين الذين يحتاجون إلى المبادرة والدخول إلى الساحة بعزم كبير، مشيرا إلى طارق رمضان عندما قال: إن المسلمين بالغرب في حاجة إلى شيء من الشجاعة

الحالة الفرنسية

أما في فرنسا، فالأمر أكثر إثارة من الدول الغربية الأخرى، لتقدم الإسلام في مراتب الأديان كمًّا وكيفًا.
تكلف فرانك فريغوزي أبرز المختصين في الإسلام الفرنسي، بإنجاز دراسة عن واقع الأئمة وتكوينهم، فأظهرت الدراسة أن معاهد التكوين الحالية بفرنسا ثلاثة ظهرت بين يناير 1992 ويوليو 1993، هي: المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية في شاطو- شينيون، وله فرع في سانت ديني، والثاني هو معهد العقيدة أو الإلهيات بمسجد باريس، والثالث هو الجامعة الإسلامية بفرنسا في مانت لاجولي، وتحولت إلى معهد للدراسات الإسلامية بباريس.
ثم انضاف إلى هذه المعاهد الثلاثة في سنة 2006، معهد ابن سينا بمدينة ليل، ومركز الشاطبي بمدينة ليون، إلى جانب المعهد العالمي للفكر الإسلامي فرع فرنسا، والمعهد المتوسطي للدراسات الإسلامية بمارسيليا. وتقوم هذه المعاهد بتدريس علوم القرآن الكريم والحديث والفقه الإسلامي.
ويرى فريغوزي أن عدة عوامل تؤثر في مسار تكوين الأئمة:
أولها- الظروف الداخلية المرتبطة بتمثيل الإسلام في أوروبا والتنافس بين عدة تيارات ومذاهب.
ثانيا- الظروف الخارجية المتمثلة في السياسات الدولية وانعكاساتها على الإسلام (أفغانستان والعراق وفلسطين وإيران والصومال...).
ثالثا- العلمانية وخيانتها على أرض الواقع، فالدولة وأصحاب القرار السياسي في حيرة من أمرهم، بين مبدأ الحرية الليبرالي، وتدخل السلطات العمومية في مجال تنظيم الأديان.
قلق السياسيين عبر عنه وزير الداخلية السابق بيير شيفينمان عندما قال "إسلام فرنسا لا يزال في حاجة إلى البناء، وقضية تكوين الأئمة لا تزال في مهدها، ولم تجد لها حلا جذريا. مع مرور الوقت وصلت إلى خلاصة مفادها أن إنشاء معهد للتكوين في ستراسبورغ كان هو الحل الأمثل للحصول على تكوين عالٍ يستجيب للمعايير الجمهورية، وتبعا لذلك تكون الدولة هي صاحبة التمويل".
وكشفت دراسة قام بها معهد الدراسات العليا والأمن الداخلي لصالح وزارة الداخلية في شهر مايو 2002، شارك فيها معربون ومختصون في الإسلامية، أن الغالب على خطب الجمعة بمساجد فرنسا- فضلا عن عدم توحدها- هو رفض القضايا المتطرفة المتزمتة، والتركيز على القضايا الأخلاقية والروحية والفقهية.

ويظل النقاش العام حول تكوين الأئمة منشغلا- إلى درجة القلق- بإبعاد هؤلاء الأئمة عن أي توظيف سياسي متشدد للإسلام، يدل على هذا حالات الطرد في حق بعض الأئمة المتشددين مثل عبد القادر بوزيان إمام فينيسيو، والتركي مدحت غولر من الدائرة 11 بباريس، والإقامة الجبرية في حق العراقي ياشار علي في ميند، وإغلاق قاعات الصلاة بمدن كلامار، وشاطني مالابري في إبريل 2004. وهذه الحالات كان لها ضغط قوي على سعي الوزير دومينيك دوفيليبان لإعادة فتح النقاش حول تكوين الأئمة بموافقة من المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية أو عدم موافقته.

ذريعة العلمانية

لاحظ فريغوزي أن الاستدعاء المتكرر للعلمانية المحايدة ليس سوى ذريعة لإخفاء الرفض والتوقف عن الإنجاز، وهذا منذ الحكومة الاشتراكية بقيادة ليونيل جوسبان سنة 2000.
كما لاحظ وجود تحفظ لدى فئة من النخبة الدينية الكاثوليكية؛ لأن فتح المجال أمام تنظيم معترف به من قبل الدولة للإسلام معناه الرفع من قيمته على حساب الكاثوليكية. وعلى العكس من ذلك، كان رؤساء الفدرالية البروتستانتية، خاصة جاك ستيوارت وجاك تارتيي ثم جان أرنولد دوكليرمونت، دائما إلى جانب المشروع، ولهم حساباتهم كالاعتراف بهم، والتعدد الديني، وكسر الاحتكار الكاثوليكي..
ونصح فريغوزي المسلمين ب "ألا يكتفوا بالتوجس من المحاولات الحكومية من أن تؤدي إلى تشويه الإسلام وتحريفه؛ فذلك توجس لا جدوى منه، إذا لم تصاحبه محاولات دءوبة منهم لتقديم المقترحات والبدائل، والتحرر من الشرنقة القبلية والتأثير الأجنبي".

للاطلاع على ورقة فريغوزي انقر على هذا الرابط

الحالة الألمانية

اندلعت معركة حامية بين ألمانيا وتركيا حول الأئمة؛ إذ تقدر الجالية التركية في ألمانيا بحوالي 3 ملايين تركي، وهو ما يناهز ثلثي المسلمين بها، وقد بدأت هجرة الأتراك منذ 1960.
وصدر في ألمانيا كتاب جديد يتناول هذه القضية للكاتب رءوف سيلان، مختص في الشؤون الدينية، ومنحدر من مهاجرين أكراد ببلاد الأناضول، ويحمل الكتاب عنوان "خطباء الإسلام: الأئمة من هم؟ وماذا يريدون؟" صدر سنة 2010.
يرى المؤلف أن الأئمة المتطرفين لا يمثلون سوى 1 بالمئة من المجموع، ومعظمهم محافظون تقليديون، أو كما يقول عثمانيون متسترون وراء مهمة الإمامة، وهم موظفون لدى الدولة التركية يقومون بمهمة في الخارج وهي التي تؤدي رواتبهم. وأنهم منتشرون في مساجد تسيرها أهم منظمة إسلامية بألمانيا "الاتحاد التركي الإسلامي للشؤون الدينية" المعروف اختصارًا ب "ديتيب"، وتعرف في ألمانيا بأنه "يد أنقرة". أنشأتها السلطات التركية عام 1980 لمواجهة التغريب في أوساط المهاجرين الأتراك، وربطهم بالتقاليد. ولها 900 فرع. وتأتي الخطب من وزارة الشؤون الدينية، ولا تتناول الحياة اليومية للأتراك في ألمانيا، وهذا ما لا يعجب بعض الأئمة حسب سيلان.
هؤلاء الأئمة لا يتقنون الألمانية، ولا يعرفون الحياة الألمانية أو المجتمع الألماني، وهم عاجزون عن توجيه الأجيال الجديدة. وأكدت الدراسات الحديثة صعوبة الاندماج التركي في الحياة الألمانية، باستثناء بعض الحالات النادرة مثل اللاعب الألماني ذي الأصل التركي مسعود أوزيل الذي شارك في بطولة كأس العالم الأخيرة بجنوب أفريقيا.
دبلوماسيا هناك خلاف بين أنقرة وبرلين، فأردوغان اعتبر الاندماج جريمة، فردت عليه المستشارة أنجيلا ميركل بأن الاندماج ليس هو الذوبان، وأن ألمانيا لا تريد تحويل الأتراك إلى ألمانيين، ولكن على المهاجرين أن يساهموا في الحياة العامة بألمانيا.
لذلك تخطط ألمانيا لإخراج أفواج جديدة من الأئمة في ألمانيا، وتريد خلال هذه السنة إنشاء كراسي للدين الإسلامي بالجامعات الألمانية.
السؤال الصعب هو: أي مساجد ستستقبل هؤلاء الأئمة بعد تخرجهم؟ فمعظم المتدينين لا يشتكون من "ديتيب"، ولكنهم ولوا وجوههم نحو أئمة منفتحين.. فالتغيير ينبغي أن يأتي من القاعدة، لكن كيف؟ هذا هو مجال التدافع. وفي الوقت الحالي على برلين أن ترفع شعار "السلم مع الأئمة العثمانيين" إذا أرادت ذلك.

الحرية العلمانية!

تتحدث معظم التقارير الرسمية والإعلامية الأوروبية عن الوضع الاعتباري للأئمة في قلب العلمانية مقارنة مع البلدان الإسلامية، فهناك فرق بين مسئولية الإمام في الدول الإسلامية، خاصة المغرب العربي، حيث له دور ثانوي، وفي أوروبا حيث سيكون له دور رئيسي؛ فالأنظمة السياسية في البلدان العربية والإسلامية تضع الإمام في حجمه الخاص، ولا يمكنه التصرف بحرية ومبادرة، بل يخضع لمراقبة لصيقة من السلطات الدينية والأمنية، بينما حجمه خارج العالم الإسلامي أوسع، ووظيفته أكبر، والمراقبة عليه أقل وأخف. وهذا الهامش الكبير من أهم جوانب القوة في النظام العلماني، حيث تنفصل الدولة عن الدين، ولا تتدخل في شؤونه، كما لا يتدخل هو الآخر في شؤونها؛ لذلك فإن فقه العلمانية من أهم المعارف التي ينبغي أن يتسلح بها الإمام في مهمته، ويعرف الحدود التي يجب ألا يتجاوزها، والحقوق التي ينبغي ألا يفرط فيها.
يقول طارق أوبرو، إمام مسجد الهدى بمدينة بوردو، ومؤلف كتاب "المهنة إمام" الصادر في 2009 "لقد وجدت أنه من الأفضل لي الاستفادة من الحرية التي يمنحها لي المجتمع الغربي في التفكير والتدبر وإنتاج الأفكار. وأظن أن هذا هو أنبل عمل ديني. وفي هذا المجال، لا يوجد ازدحام كبير، وأنا أحب المساحات الواسعة. اكتشفت الحرية هنا والكرامة هنا والتدين هنا، وأنا مدين للمجتمع الفرنسي"ص 183.

مواقف الأئمة

طارق أوبرو، ذو الجنسية الفرنسية والأصل المغربي، معروف برفضه لاستيراد الأئمة، ورغبته في أن يكون هؤلاء الموجهون من جنسية غربية وثقافة غربية، يقول في كتابه السالف الذكر "جميع المسئولين في اتحاد المنظمات الإسلامية بفرنسا يعرفون معارضتي الجذرية لذلك النوع من الخطاب الصادر عن مثقفين وعلماء يأتون من الخارج، فنصبح في هذه الحالة بمثابة (الطابور الخامس) بالغرب.. هؤلاء الخطباء يأتون لينسفوا جهدنا في الاندماج السلمي بالغرب، ويأتون ليفرضوا علينا إسلامهم العربي التبسيطي، والمصاب بالعقد في بعض الأحيان، كعقدة التعالي والأستاذية على مسلمي أوروبا. ومع الأسف يقابلون بالتصفيقات، وهذا ليس ذنبهم، إنه ذنب الذين يستدعونهم".
ويرى أوبرو أن "المجلس الأوروبي للإفتاء غريب ثقافيا عن الحضارة الغربية، فهو عربي خالص على جميع الأصعدة، ولكي يقدم بضاعة دينية في بيئة ثقافية خاصة- غربية كما هو الحال هنا- لا بد من "ذاتية فقهية ضرورية"، وهو مفهوم يعني أن الفقيه المفتي ينبغي أن يكون متشبعا بالسياق الذي يعيش فيه ذهنيا وثقافيا وجماليا وفلسفيا. فعلى المجلس أن يكون غربيا خالصا، مكونا من علماء مسلمين غربيين لهم مقاربات خاصة بتجليات الإسلام في أوروبا"ص 181.

أما بخصوص مضامين التكوين بالمعاهد الإسلامية الأوروبية، فيلاحظ أبرو "أنها لا تتجاوب مع المجتمع الغربي، بالإضافة إلى توجهات مذهبية جاهزة يريد البعض ترويجها هنا بالغرب وذلك ما أرفضه". مضيفا أنه سبق له أن "اقترح في البداية أن يدرجوا التصوف في تلك البرامج، الأمر الذي قوبل بالرفض، مع أن هذا التصوف هو الجانب الذي يحتاجه الغربيون، لتلبية أشواقهم وآمالهم.. دون الحديث عن العلوم الإنسانية والفلسفة الغربية"ص 181.
ويتأسف إمام مسجد الهدى على تهميش الأئمة في القضايا التي تخصهم، في حين يتكلم عنهم آخرون، فيقول "الإسلام يمثل حاليا بالدرجة الأولى من فاعلين مسلمين لائيكيين، ومسئولي الجمعيات والمنظمات الإسلامية، أو من مثقفين ومفكرين يتحدثون باسم الإسلام. أما الأئمة فخارج اللعبة، ونحن بحاجة إلى هيئة جامعة للأئمة تكون ذات معرفة وعلم في الدين والواقع مثل الجويني وابن رشد في زمانهم"ص 185.

المغرب والأئمة بالغرب

إذا كانت تركيا قد استبقت فجمعت الأئمة والمأمومين في "ديتيب" منذ مدة، فإن المغرب- على الرغم من قربه الجغرافي- قد تأخر كثيرا في الاهتمام بالأئمة والمساجد، فلم ينهض إلى ذلك إلا في السنتين الماضيتين، عندما أنشأ المجلس العلمي للجالية المقيمة بالخارج، وألحقه بالمجلس العلمي الأعلى، ليكون ضمن الهياكل الجديدة التي وضعتها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية لإصلاح الحقل الديني بالمغرب. وأدرك المغرب أن أبناءه بالغرب معرضون لتيارات قوية مختلفة كالتشيع والتشدد السلفي والإرهاب، والتسيس.
وينص القانون المنظم للمجلس على عدة مهام، منها "الإشراف على عمل المساجد التي يسيرها مغاربة مقيمون في أوربا، وتنسيق نشاطاتها، وإصدار توجيهات وتوصيات تهدف إلى عقلنة الدور المنوط بها في تأطير الحياة الدينية للجالية المغربية المقيمة في أوربا". كما ينص "على تنظيم دورات تدريبية لفائدة الأئمة المغاربة في مختلف شُعب الفقه، في إطار وحدة المذهب المالكي".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.