بالصور/ بعد حجب العلم: سعيّد يرفع الراية باكيا بمسبح رادس.. والتونسيون يتفاعلون    الكريديف يعلن عن الفائزات بجائزة زبيدة بشير للكتابات النسائية لسنة 2023    جندوبة: السيطرة على حريقين متزامنين    وزير الخارجية في زيارة رسمية إلى العراق    تصويت بغالبية كبرى في الجمعية العامة تأييدا لعضوية فلسطين في الأمم المتحدة    بعد صدور بطاقة جلب ضدها: سنية الدهماني تحتمي بدار المحامي    بطولة الرابطة المحترفة الأولى: قوافل قفصة يفوز على مستقبل سليمان    قليبية : الكشف عن مقترفي سلسلة سرقات دراجات نارية    طقس الليلة    باكالوريا 2024: ترتيب الشعب حسب عدد المترشحين    جلسة عمل وزارية حول ملف ظاهرة الهجرة الوافدة ببلادنا    قوافل قفصة تفوز على مستقبل سليمان...ترتيب مرحلة تفادي النزول للبطولة الوطنية    بالصور/بمشاركة "Kia"و"ubci": تفاصيل النسخة الثامنة عشر لدورة تونس المفتوحة للتنس..    عاجل/ الإحتلال يوسّع عملياته في رفح    عاجل/ القسّام تفجّر نفقا بقوة تابعة للاحتلال في رفح.. والأخير يعلن عن قتلاه    قريبا ..مياه صفاقس المحلاة ستصل الساحل والوطن القبلي وتونس الكبرى    نحو تنظيم مهرجان عالمي للكسكسي بهذه الولاية    في تونس: الإجراءات اللازمة لإيواء شخص مضطرب عقليّا بالمستشفى    تونس ضيف شرف مهرجان إيزيس الدولي لمسرح المرأة بمصر    ماء الصوناد صالح للشرب لكن التونسي تعود على شرب المياه المعلبة... مدير عام الصوناد يوضح    عقوبات سجنية و خطايا مالية : أبرز ما جاء في التنقيحات المقترحة في القانون المتعلق بالأجانب بالبلاد التونسية    السلاطة المشوية وأمّك حورية ضمن أفضل السلطات حول العالم    البنك المركزي التركي يتوقع بلوغ التضخم نسبة %76    الكاف: عروض مسرحية متنوعة وقرابة 600 مشاركا في الملتقى الوطني للمسرح المدرسي    القطاع الغابي في تونس: القيمة الاقتصادية وبيانات الحرائق    رادس: إيقاف شخصين يروجان المخدرات بالوسط المدرسي    اليوم: فتح باب التسجيل عن بعد بالسنة الأولى من التعليم الأساسي    بقيمة 7 ملايين دينار: شركة النقل بصفاقس تتسلم 10 حافلات جديدة    بلطة بوعوان: العثور على طفل ال 17 سنة مشنوقا    عاجل/ غلاء أسعار الأضاحي: مفتي الجمهورية يحسمها    وزير التشغيل والتكوين المهني: الوزارة بصدد إعداد مشروع يهدف إلى التصدي للمكاتب العشوائية للتوظيف بالخارج    وزير السياحة يؤكد أهمية إعادة هيكلة مدارس التكوين في تطوير تنافسية تونس وتحسين الخدمات السياحية    الأمطار الأخيرة أثرها ضعيف على السدود ..رئيس قسم المياه يوضح    الرابطة الأولى: برنامج مواجهات اليوم لمرحلتي التتويج وتفادي النزول    نرمين صفر تتّهم هيفاء وهبي بتقليدها    عاجل/حادثة اعتداء أم على طفليها وإحالتهما على الانعاش: معطيات جديدة وصادمة..    لهذه الأسباب تم سحب لقاح أسترازينيكا.. التفاصيل    دائرة الاتهام ترفض الإفراج عن محمد بوغلاب    بسبب خلاف مع زوجته.. فرنسي يصيب شرطيين بجروح خطيرة    منبر الجمعة .. الفرق بين الفجور والفسق والمعصية    خطبة الجمعة .. لعن الله الراشي والمرتشي والرائش بينهما... الرشوة وأضرارها الاقتصادية والاجتماعية !    اسألوني ..يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    الكشف عن توقيت مباراة أنس جابر و صوفيا كينين…برنامج النّقل التلفزي    إتحاد الفلاحة : '' ندعو إلى عدم توريد الأضاحي و هكذا سيكون سعرها ..''    بلا كهرباء ولا ماء، ديون متراكمة وتشريعات مفقودة .. مراكز الفنون الدرامية والركحية تستغيث    عاجل/ مفتي الجمهورية يحسم الجدل بخصوص شراء أضحية العيد في ظل ارتفاع الأسعار..    أضحية العيد: مُفتي الجمهورية يحسم الجدل    أبناء قرقنة ...سعداء بهزم الترجي ونحلم بالعودة إلى «الناسيونال»    مدنين.. مشاريع لانتاج الطاقة    ممثلة الافلام الاباحية ستورمي دانيلز تتحدث عن علاقتها بترامب    المغرب: رجل يستيقظ ويخرج من التابوت قبل دفنه    دراسة: المبالغة بتناول الملح يزيد خطر الإصابة بسرطان المعدة    بنزرت.. الاحتفاظ بثلاثة اشخاص وإحالة طفلين بتهمة التدليس    نبات الخزامى فوائده وأضراره    قابس : الملتقى الدولي موسى الجمني للتراث الجبلي يومي 11 و12 ماي بالمركب الشبابي بشنني    تظاهرة ثقافية في جبنيانة تحت عنوان "تراثنا رؤية تتطور...تشريعات تواكب"    سلالة "كوفيد" جديدة "يصعب إيقافها" تثير المخاوف    سليانة: تنظيم الملتقى الجهوي للسينما والصورة والفنون التشكيلية بمشاركة 200 تلميذ وتلميذة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحليل اخباري.. الأزمة الخليجية ومعادلة ترامب
نشر في الصباح نيوز يوم 08 - 06 - 2017

لم تكن بدايات سقوط التوازن في الخليج وليدة اللحظة، فالذي يحدث هناك بين دول مجلس التعاون الخليجي، كانت امتداداته منذ قبل بداية انتفاضات الربيع العربي، وامتد إلى نهاية "صلوحية" ارهاصاته بعد أكثر من 6 سنوات عاشت فيهم العالم العربيزلزالا جيوسياسيا، غذاه عاملان أساسيان وهما "الإسلام السياسي" وطوق شعوب المنطقة إلى الحرية، حتى ولو كانت "مغشوشة" في بعض تجلياتها، وحتى ولو دبغت بالدم في بعضها الآخر.
لقد اثرت نظرية "الديمينو" كثيرا في هذا التمشي الذي أخذت به في التزلزل وتسببت في ظهور قادة جدد على رأس بعض الدول العربية، بفعل رد فعل "عفوي" ممزوج ب"دهاء" مقصود من دول بالخارج، حقن الدين بالسياسة في الجسد، وأخذ، بمقتضيات الديمقراطية ومسارها، ينتج مجتمعات متنافرة فكريا، مشتتة سياسيا، لا هدف لها من هذه الجوقة "الديمقراطية" إلا الوصول للحكم، مهما كلف الثمن.
في هذه الجوقة طفى على السطح، دور لقطر كداعم للحركات الإسلامية وأحزابها وعلى رأسها "الاخوان المسلمين"، وبان على جناحيها جليا دعمها لحركات ارهابية خدمة لمصالحها في المنطقة، وبرزت بالأساس في سوريا وليبيا واليمن.
سوريا وارهاصاتها..
وبنفس المنطق الذي استعمله الامريكان في الثمانينات في أفغانستان، دعي ل"الجهاد" من جديد من نيويورك وبدعم خليجي قطري وسعودي واماراتي ضد دمشق، تلك العاصمة التي قوضت منذ اكثر من 3 عقود راحة السعوديين في الشرق الأوسط، خاصة وأنها حليفة طهران "الشيطان الأكبر" بالنسبة للرياض، الذي دخل قادته منذ سنة 2011 في مغامرة غير محسوبة على الأرض من خلال دعم "المعارضة المسلحة السورية" والتي اتضح فيما بعد أنها مجمع لحركات إسلامية من مختلف مشاربها، كان لها هدف أساسي وهو اسقاط النظام في دمشق، إلا أن ما خطط له من قبل حلف القطري السعودي الاماراتي التركي وبمباركة أوروبية أمريكية، سرعان ما اضحى "معضلة" فرضتها فوضى الدماء، فكان "داعش" الذي خرج من رحم النصرة، وكانت النصرة قد خرجت قبلها من بطن الجيش السوري الحر، وبدأنا مذاك الوقت ننظر الى سوريا كأنه محراب "بعل حمون"، حيث تراق الدماء على مذبح السياسة والفوضى.
كانت سوريا في ذلك الوقت قد أضحت منطقة لكل من له مأرب وطفى على السطح صراع قديم عمره أكثر من 1400 عاما: فذلك الذي يحلم بخلافة من عمق التاريخ، والآخر يرزح تحت منامات المقامات ويحرسها، وذاك الذي اختار نهجا للتحرر في مكان قصي وآخر اختار حتى التحالف مع "الشيطان" ليحافظ على نفوذه على الأرض.
بين الديمقراطيين والجمهوريين
كانت سوريا التعبير المميز بتكتيكات الديمقراطيين الأمريكيين في احداث زعزعة في جيوسياسة غير مستقرة منذ الحرب العالمية الأولى، وأضحت الكلمة التي تختصر الوضع في سوريا هي "الإرهاب الإسلامي"، الذي انتشر كالنار في الهشيم، واضحت هذه الكلمة تؤرق عواصم الغرب وعلى وقع ضرباتها، أخذت السياسات تتغير والانتخابات تخاض على أساسها وعلى ضوء نتائجها الدامية، وب"فضله" أخذ "الشعبويون" يخططون ويصمون آذان البعض من مخاطر انتشاره، وعليه بنيت استراتيجيات الاتصال الانتخابي، وعليه برز اليمين المتطرف في أوروبا بقوة، وبقوة تأثيره خرجت بريطانيا من الاتحاد الأوروبي "بريكسيت"، وبه طفا الملياردير ورجل الأعمال وممثل تلفيزيون الواقع دونالد ترامب على الساحة السياسية الأمريكية.
وبه كذلك تذرعت السعودية عند إعلانها الحربها على اليمن، وعليه دخلت تركيا الحرب مباشرة في سوريا، وبه وجدت مصر ذريعة للتأثير المباشر في المشهد الليبي، بعد القيام بإسقاط نظام الاخوان في القاهرة من قبل المؤسسة العسكرية، وبه كذلك شدد الحصار على قطاع غزة زمن خلاله وجد الرئيس عبد الفتاح السيسي طريقه لقصر الاتحادية.
وعلى تأثير هذه الكلمة، أضحى القادم الجديد على رأس الإدارة الأمريكية، يبحث عن معاجم جديدة لخطابه ليطفو بها على تاريخ الرؤساء الأمريكيين ال44 الآخرين، وليكون بالفعل رئيسا خارجا عن سياق التاريخ، ومحددا جديدا للجغرافيا في السياسة الدولية، رئيس يبحث عن عودة الولايات المتحدة لتزعم المشهد الدولي بهراوة شرطي، وبمغامرة المضارب في البورصة، وبقوة "الكوبوي"، وهي المصطلحات التي بحث سابقه باراك أوباما على طمسها وأخذ يبحث عن ميلاد لحظة جديدة من التاريخ الأمريكي محدداتها الكبرى العمل المشترك مع حلفاء أمريكا، والتدخل غير الظاهر في ملفات المنطقة، وهو تكتيك الديمقراطيين في سياستهم الخارجية تكتيك "القوة الناعمة"، ولكنه لم يقدر على تحقيق "حلمه".
بين ترامب والسعودية
بدأ ترامب عهدته بقوة، وقام بإمضاء مراسيم تقليص الهجرة، وبعث برسائل بأنه لن يتوانى على أن يطلب مع "حلفاء أمريكا" الدفع مقابل خدمات أمريكا، بدأ عهدته بعقل رجل اعمال، جعله يشير في 29 أفريل الماضي، وبلفظ الكلمة "بصراحة السعودية لم تعاملنا معاملة عادلة لأننا نخسر قدرا هائلا من المال للدفاع عنها".
كان هذا التصريح من الرئيس الأمريكي الجديد بداية لترتيبات جديدة في المنطقة، والحال أن السياسية الدولية بالنسبة له عبارة عن مقاولات وجدول أعمال فقط، يقوم بها للتغلب على الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها أمريكا منذ سنة 2007 عندما طفت فقاقيع الأزمة المالية العالمية على سطح مياه المؤسسات المالية الأمريكية وأصابتها بالركود المزمن. ركود لم يجد له سلفه باراك أوباما مفاتيح حله، بل انخرط في "التزامات الإدارة الأمريكية" ودفع تكاليف القوة الرئيسية الأولى في العالم.
ولم يكتف أوباما بهذا المسار فقط بل ذهب في طريق لحسم كل الملفات العالقة في منطقة الشرق الأوسط وخاصة المتمثلة في الملف النووي الإيراني، وانخرط في محاولات كبح جناح روسيا الجيوسياسي عبر حزم من العقوبات الاقتصادية والتي لم تثن الكرملين عن مواصلة "مغامرته" للوصول نحو المياه الدافئة بعد نجاحه في القرم وخاصة بعد أن النجاح في التدخل مباشرة في سوريا لحماية "حقوقها" في موقع على مياة المتوسط الدافئة.
كان هذا التدخل الروسي إيذانا لبداية تحول في "لعبة المحاور" في الشرق الأوسط، وخاصة بعد تطبيع العلاقات بين تركيا وروسيا وكذلك إيران، وبداية البحث عن موطئ قدم جديد في ليبيا، خاصة مع تراجع الدور الأمريكي في المنطقة في ظل لعبة محاور إقليمية حول هذا البلد أثثتها تنافس تركي قطري (في الغرب) وإماراتي مصري (في الشرق).
ومع بداية بروز هذه التحولات في موازين القوى مع الدخول الروسي أخذت اللاعبين الإقليميين، وخاصة تركيا وقطر إلى طريق جديد وهو اللعب مع الدب الروسي مباشرة ومحاولة جذبه اقتصاديا لهذا المحور، وهو الدور الذي اضطلعت به تركيا سياسيا وقطر اقتصاديا عبر الاستثمار المباشر في الشركات الروسية الغازية وشراء حصص كبيرة فيها، تحولات جعلت الدوحة تبحث عن حلفاء جدد للخروج عن سرب الدول الخليجية الأخرى.
والمعلوم أن الدوحة كانت من الدول التي بدأت منذ سنة 2011 في اللعب بورقة الإسلام السياسي والعزف على وتر الجماعات الإرهابية بعد سنوات عديدة قامت خلالها بعدة أدوار في عدة جبهات كانت فيها داعما لبعضها، مما سمح لها على سبيل المثال من التحكم بورقة حركة "طالبان" في أفغانستان التي وفرت لها مكتبا للاتصال في الدوحة بل وحاولت ان ترسي مسارا للتفاهمات بين سلطات الرئيس حامد كرزاي سابقا ورئيس الوزراء عبد الله عبد الله لاحقا، وكذا لعبت قطر -التي مولت وقادت ديبلوماسيا وعسكريا المعارضة السورية بداية من 2011 الى سنة 2014 (قبل ان تتزعمها السعودية)- بورقة جبهة النصرة في صفقة تسليم الجنود اللبنانيين سنة 2015، وأثرت كذلك على هذه الجماعة لفك الارتباط عن تنظيم القاعدة.
هذه الأمثلة تحصر فقط فقد تعلمت المخابرات خلال عقدين الكثير عن كيفية التعامل مع هذه الجماعات الإرهابية وتطويعها في ملفات دولية أخرى من خلال مصاحبتها منذ أواخر الثمانينات والتسعينيات.
لقد لعبت أصبحت قطر، مثل غيرها من الدول بهذه الورقة، مثلما لعبت بها إيران وكذلك السعودية ومثل ما تقبلته تركيا في مرحلة ما لخدمة أجندتها في سوريا وتسهيلها لعبور المقاتلين الأجانب إلى بلاد الشام في اطار حلفها مع قطر والسعودية ضد نظام بشار الأسد في دمشق.
الدوحة واللعب على الحبال
كان هذا أحد حبال الدوحة في إرساء منظومتها في السياسة الخارجية بالإضافة لاستقبالها للقواعد الأمريكية في المنطقة ومنها القيادة الوسطى الأمريكية أكبر قيادة أمريكية خارج أراضي الولايات المتحدة، منذ سنة 1996، نفس السنة التي عرفت انشاء قناة الجزيرة الذراع الاعلامية الطولى لتزويق السياسة القطرية في المنطقة والتأثير من خلالها على عقول العرب وغير العرب، وهذان حبلان آخران ضمن منظومة السياسة الخارجية القطرية.
هذا بالإضافة لرعاية الدوحة ل"الاخوان المسلمين"، الورقة هي التي ستحاول الدوحة من خلالها الدوحة مماكحة العربية السعودية به دينيا وسياسيا: فالعربية السعودية هي من تقوم على الحرمين الشريفين اقدس الأقداس بالنسبة للمسلمين وهو ما أعطاها حضوة بالنسبة للعرب والمسلمين بصفة عامة، وكان لا بد لقطر من ورقة توازي هذا الطرح سياسيا، كانت هذه الورقة هي الاخوان المسلمين.
هذه الورقة وفرت للاخوان مكاسب سياسية اذا ما توصلوا للحكم في بلدان عربية، وما يوفر لها من إمكانية ل"قيادة العالم العربي" بعد النفوذ الذي يمكن ان يوفره لها، خاصة إذا ما تحالف الدين بالسياسة والمال، و
هو
ما كان عليه الحال بعد سنة 2011 وصعود أحزاب الاخوان المسلمين للسلطة في مصر وتونس والمغرب.
بين دول الخليج وسباق الطموح للزعامة
رمت بذلك قطر بأصابع اخطبوطها على عدة محاور في المنطقة، وكان الهاجس من كل هذا هو البحث عن القيادة، وكان ذلك بمباركة أمريكية ديمقراطية.
كانت قطر تبحث من خلال هذه المنظومة حماية نظامها الأميري القائم والذي تقوده عائلة آل ثاني منذ تأسيس قطر سنة 1962، والذي لم تكن تستسغه بلدان المنطقة وخاصة تلك الحاكمة في المملكة العربية السعودية، والتي تنظر اليه كنظام منفلت ضد إرادتها بل ويدور بعيدا عن فلكها، بل وزاد هذا الامتعاض بعد ان أصبحت العلاقات بين قطر وإيران متطورة بعد "افتكاك الرياض" لمكان الدوحة في الملف السوري، بعيد دخول روسيا على خط الصراع مباشرة.
فقطر اختارت المضي قدما بتحالفات جديدة وبتزويق قديم، حولت علاقاتها الراكدة مع إيران لعلاقات تجارية متطورة بداية من سنة 2015، وبدأت زيارات المسؤولين من الجانبين تتكاثر، في وقت الذي كانت السعودية تتكبد خسائر فادحة في المغامرة التي فتحتها في اليمن ضد الحوثيين حلفاء إيران، وهو ما قاد الأخيرة للبحث عن مخرج من مأزق إقليمي ملم بها من جميع الجهات (سوريا العراق واليمن والقلاقل في البحرين)، كان هاجس يسيطر على النظام السعودي وهو الخوف من أن يحترق بنار "الربيع العربي"، فذهبت في الخيار العسكري في اليمن لكنها لم تحقق المنشود.
أخذت السعودية تبحث عن فرصة جديدة لحماية نفسها ووجدت ذلك في كلام ترامب في 29 من أفريل الماضي "على السعودية أن تدفع أكثر.. لنحميها"، وكان هذا متاحا سعوديا، فلا يوجد أكثر من الأموال بالنسبة للسعوديين لإرضاء حليف قديم يرجع إلى اتفاق البارجة الأمريكية كوينسي في 14 فيفري 1945 بين الملك السعودي عبد العزيز آل سعود والرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت وجدد في سنة 2005 والذي أسس لطبيعة العلاقات السعودية الأمريكية وفق معادلة "الحماية مقابل البترول"، لكن هذا الحلف تداعى في السنيتين الأخيرتين من عمر الإدارة الديمقراطية السابقة والتي اختارت تسوية الملفات العالقة مع إيران وأبرزها الملف النووي، مما تسبب في قلق سعودي منه وفي قطيعة مع إدارة أوباما وصلت الى حد التراشق بالكلام بينها.
زيارة ترامب..
كانت زيارة ترامب للرياض، التي لحقت إعلان 29 أفريل، بداية لإعادة ادراج هذا التحالف، وإعادة "البيعة" لساكن المكتب البيضاوي الجديد، فكان امضاء إمضاء اتفاقيات جديدة بين الطرفين قوامها أكثر من 400 مليار دولار منها 110 مليار دولار صفقات دفاعية، والبقية صفقات استثمارية وتجارية وتكنولوجية (منها 40 مليار دولار قيمة استثمارات سعودية في البنية التحتية الأمريكية).
للإشارة لم تكن هذه الصفقات الأولى من نوعها، فخلال الأزمة النفطية الثانية التي ألمت بأمريكا سنة 1973 قامت واشنطن بإعادة تدوير رؤوس الأموال المرصودة في البنوك الأمريكية لخلق مواطن شغل جديدة من خلال الاستثمار في البنى التحتية الأمريكية.
الإرهاب والأكراد
لم تكن السعودية تطلب من خلال رصد هذه الأموال إلا إعادة صياغة العلاقات مع الولايات المتحدة و"الاستنجاد" بها من الزلزال الذي كانت قلقة من حدوثه على أراضيها بعد فشل حملتها في اليمن، وضمور استراتيجيتها في سوريا، وبروز لاعبين آخرين هناك مناوئين للحلف الآخر وهو الحلف التركي القطري الذي يرى أن أمريكا تجاوزت الخطوط الحمر في دعم الأكراد في الحملة ضد تنظيم "داعش" في رقة، وهو ما قد يتطور لاعلان المناطق المحررة كرديا كيانا جديدا للأكراد في شمال سوريا على مقربة من حدودها، وهو ما لا تحتمله إذ ترى فيهم خطرا محدقا على أمنها الداخلي والمتمثل في مطالبة الأكراد بانشاء كيان في جنوب شرق تركيا تطبيقا لمعاهدة قديمة وهي معاهدة سيفر سنة 1920 والتي نصت على حق الأكراد في تقرير مصيرهم (البنود 62-64 من الفقرة الثالثة) من هذه المعاهدة.
كانت السعودية تطلب أن تكون القوة الأولى في المنطقة وأن تكون ممثلة للعم سام فيها، فالرياض لم تعد تحتمل أن تكون مجرد خزان وقود بالنسبة للأمريكيين، بل أضحت تطالب بنفوذ سياسي أكبر وهو، حسب المسؤولين السعوديين لن يكون إلا من خلال أمريكا، وهو ما يتوافق مع نظرة ترامب للعلاقات الدولية القائمة على الزبونية ومقاولات.
لذلك كان حال لسان ترامب والادارة الامريكية بالنسبة لترتيب الاوراق في المنطقة وخاصة بالنسبة ل"اصدقاء السعوديين" يقول: يمكننا تبني نظرتكم في ما يطرح من قضايا ويمكننا ان نذهب اكثر وان نقول ان الاخوان هم راس الداء (ذلك ما عبر عنه وزير خارجيته تليرسون بعد القمة الخليجية الامريكية).. ويمكننا كذلك ان نذهب الى تسويات بالنسبة لعدة ملفات كالملف الليبي والملف السوري وعلاقة الادارة السابقة مع النظام الايراني التي تسببت في تعفن العلاقات معكم.. يمكننا فعل كل هذا واكثر ما دمت فهمتم الرسالة ودفعتم من اموالكم لشركاتنا العسكرية (لوكهيد مارتن وبوينغ وغيرها..)..يمكننا اليوم ان نذهب الى نقاش اخر.. وهو ايقاف الطموح الروسي في الشرق الاوسط.. واعادة خلط الاوراق.. والخروج من سوريا باخف الاضرار ونصب منصات الدفاع الصاروخي وزيادة عديد الجنود الامريكيين في الشرق الاوسط.. واعادة تنصيب الرياض الشريك الثاني لواشنطن في المنطقة.. ودعم إسرائيل كشريك اول".
ويضيف ترامب "مادمتم دفعتم فانتم اصدقاؤنا.. ما دمتم ملتزمين بالقواعد الجديدة التي تضبطها خلايا التفكير الجمهورية فانتم اصدقاؤنا.. مادامت اموال بترولكم يتم تدويرها في الاسواق المالية الامريكية.. فانتم اصدقاؤنا.. والاهم تحت حمايتنا".
كلام ترامب رغم ذلك كان مشفوعا بشروط، أهمها "تجفيف منابع" تمويل الجماعات الإرهابية، وهنا طفى على سطح الأحداث زلزال ديبلوماسي جديد وهو قرار من المملكة العربية السعودية قطع العلاقات الديبلوماسية مع قطر، وقطع العلاقات التجارية معها، وهو ما ذهبت فيه كل من البحرين والامارات العربية المتحدة وموريطانيا وغيرها من الدول العربية والاسلامية التي تدور حول الفلك السعودي.
وأخذت بعض الأفكار تنظر لهذه الأزمة على أنه بداية تغيير جديد في خارطة الشرق الأوسط، والتي ستعلن خلالها التحالفات علنيا بل وصل البعض للتفكير في أنه توجد امكانية لتغيير النظام القطري وفق التوجهات السعودية.
كان ذلك وسط قهقهة من البيت الابيض سمع صداها في كل ارجاء الشرق الاوسط.. ففي غمرة التجاذبات بين دول الشرق الأوسط قام ترامب بكتابة تدوينة على موقعه بتويتر تحمل الكثير من السخرية "الجولة كانت ناجحة.. طلبت منهم ايقاف تمويل التنظيمات الارهابية.. فاشاروا لقطر".
فعلا فالجولة ناجحة من وجهة نظر ترامب (اكثر من 400 مليار دولار بين صفقات عسكرية وبترولية واستثمارية وزع منهم 75 مليون دولار فقط لإسرائيل كمساعدات عسكرية)، مقابل ذلك ايقاف الطموح القطري الجامح في المنطقة وربطها لعلاقات متكررة مع ايران، اضافة لكبح جماح العلاقات الاقتصادية وخاصة الغازية مع روسيا (خلال العام الماضي قامت قطر بشراء حصص في شركات غازية وبترولية روسية اضافة لتطور منتظر للعلاقات الدفاعية) وهو ما لا يرضي الادارة الامريكية وبالتحديد العقل الاستراتيجي الامريكي الذي يعتبر قطر حديقة متقدمة بالنسبة لواشنطن.
هذا التهكم حمل عديد التوجهات والتوقعات فالقطريون لعبوا على أكثر من حبل لكنهم نسوا في غمرة "لعبة أصابع الأخطبوط" أنهم دولة وظيفية أسست لتقوم بدور محدد فقط في الشرق الوسط، ولم تراع هذه الامارة ابسط قواعد الجيوسياسة وهي عدم المجازفة بمغامرة غير محسوبة مع الجار القريب لإرضاء الآخر البعيد.
فالقطريون لعبوا على عدة حبال للوصول لقيادة المنطقة وحماية نظمها.. وهذا اللعب على عدة محاور قادها الى طريق مسدود.. أرادت رهن علاقاتها ببعض الدول او المحاور بعلاقات اخرى وبمحاور اخرى ودول أخرى معادية لدول المحور الأول.. ولكنها لم تخطط فقدانها لحزامه الجيوسياسي القريب وهنا أصبح مصير قطر اليوم رهن الآخرين لا رهن ارادتها.
ولعل هذه الأزمة ستحاول الولايات المتحدة حلها باستعمال وسائل أخرى ومنها رعاية حوار معها مباشرة، فالولايات المتحدة وخاصة الرئيس الحالي لن يوافق على تغيير مقر القيادة الوسطى الأمريكية وما قد يكلف ذلك البيت الأبيض من أموال دافعي الضرائب.
ستحاول أمريكا إعادة صياغة العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي، والحفاظ على نفس المسارات التي اتخذتها كل هذه الدول، ولكنها بالمقابل ستحاول كبح جموح العلاقات الإيرانية القطرية، والحفاظ على السعودية كقائدة للمنطقة، دون انفلات.
وكمحصلة أخيرة سيحاول ترامب إعادة جميع دول مجلس التعاون الخليجي إلى بيت الطاعة من جديد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.