الحصانة البرلمانية هي نوع من الحماية القانونية التي يعطيها الدستور لنواب الشعب في البرلمان كشكل من الحماية السياسية والقانونية حتى يستطيع النائب أن يؤدي وظيفته الدستورية كاملة (كسلطة تشريعية) بعيدا عن تأثير السلطة التنفيذية على أعضاء البرلمان بالترغيب أو الترهيب.. لكن في السنوات الأخيرة تحولت الحصانة إلى غطاء أو وسيلة يعتمدها بعض المتمتعين بها للإفلات من العقاب بقوة القانون. ويتم استغلال الحصانة البرلمانية كمناعة كاملة تشرع للمتمتعين بها لارتكاب أعمال غير مشروعة وخارجة عن القانون دون مساءلتهم.. ويبقى الجدل قائما حين الحديث عن أن الحصانة هي نوع من الامتياز أو حماية للأشخاص الذين يحملون برامج سياسية يدافعون عنها وهم في حاجة إلى آلية عمل بعيدا عن إمكانية ابتزازهم أو الضغط عليهم للتخلي عن مواقفهم. وأثير ملف الحصانة البرلمانية في الآونة الأخيرة تزامنا مع الحرب التي أطلقها رئيس الحكومة ضد الفساد والفاسدين وبعد حملة الإيقافات الأخيرة حيث طالت التهم عددا من النواب بعد الحديث عن وجود شبهات فساد تلاحقهم جراء علاقاتهم بالموقوفين. تجاوزات.. لعل ابرز التجاوزات التي قام بها نواب نذكر اعتداء النائب السابق كريم كريفه على أحد العاملين بالمجلس الوطني التأسيسي وهو عامل مكلّف بتقديم القهوة للنواب، وكردّ فعل على هذا الاعتداء لبس العمال الشارة الحمراء مهدّدين باتخاذ الأساليب المشروعة للدفاع عن كرامتهم وأصدرت نقابة أعوان وإطارات المجلس بيانا ندّدت فيه بهذا الاعتداء مطالبة رئاسة المجلس بالتدخّل. وطالت الاعتداءات كذلك الإعلاميين حيث اعتدى النائب السابق بالمجلس الوطني التأسيسي عن الكتلة الديمقراطية، محمد كحيلة لفظيا على إحدى الصحفيات التي تواكب نشاط المجلس واصفا الصحافيين ب «الشلايك». وليست الحادثة الوحيدة التي تعرض لها الصحفيون تحت قبة البرلمان إذ تتالت سلسة من الهجمات المتكرّرة داخل قبة التأسيسي على الإعلاميين مما جعل البعض من المراقبين يصفونها بمحاولة «هرسلة» الإعلاميين وعرقلة عملهم. ونذكر أن رئيسة لجنة النظام الداخلي والقوانين البرلمانية والقوانين الانتخابية كلثوم بدر الدين أكدت رفض اللجنة مطالب من بعض النواب لرفع الحصانة عنهم نظرا لان اللجنة ليست مختصة في مثل هذه الإجراءات حيث أن طلب عدم التحصن بالحصانة يقدم للسلطة القضائية طبقا لأحكام الفصل 69 من الدستور.. هذا التصريح لرئيس اللجنة يطرح سؤالا، هل الحصانة البرلمانية مطلقة؟ وهل أن النائب فوق القانون في جميع ما يفعل؟ ترفض أستاذة القانون الدستوري سلسبيل القليبي توصيف الحصانة بالامتياز بقدر ما تراها آلية أو أداة تمكن النائب من العمل بأريحية بعيدا عن الضغوطات وليتمكن من الدفاع عن برامجه وآرائه السياسية بعيدا عن الابتزاز. وأضافت القليبي في تصريح ل «الصباح» أن الحصانة هي حماية يعتصم بها النائب في الإيقافات وليست آلية للإفلات من العقاب ولا يمكن أن تكون هذه الحماية مطلقة سواء أثناء الفترة النيابية أو بعدها مؤكدة «أن رفع الحصانة من عدمه هي مسؤولية سياسية وعنوان للنزهة». والحصانة في تقدير القلبي تستوجبها طبيعة عمل النائب الذي يشتغل ضمن برنامج سياسي تنافسي قد يؤدي إلى نسب جرائم دون حق له. الحصانة في الدستور التونسي وينصّ الفصل 68 على انه لا يمكن إجراء أي تتبع قضائي مدني أو جزائي ضد عضو بمجلس نواب الشعب، أو إيقافه، أو محاكمته لأجل آراء أو اقتراحات يبديها، أو أعمال يقوم بها، في ارتباط بمهامه النيابية"، أما الفصل 69 فينص على أنه «إذا اعتصم النائب بالحصانة الجزائية كتابة، فإنه لا يمكن تتبعه أو إيقافه طيلة مدة نيابته في تهمة جزائية ما لم ترفع عنه الحصانة.أما في حالة التلبس بالجريمة فإنه يمكن إيقافه، ويُعلم رئيس المجلس حالا على أن ينتهي الإيقاف إذا طلب مكتب المجلس ذلك». وجاء في الدستور التونسي إن النظام الداخلي للبرلمان وتحديدا في فصله 29 ينصّ على انه «يتمّ النظر في رفع الحصانة على أساس الطلب المقدم من السلطة القضائية مرفقا بملف القضية إلى رئيس مجلس نواب الشعب، ويتولى رئيس المجلس إعلام العضو المعني وإحالة الطلب المبيّن أعلاه ومرفقاته إلى اللجنة التي تتولى دراسته والاستماع إلى العضو المعني ويمكنه إنابة أحد زملائه من الأعضاء لإبلاغ رأيه أمام اللجنة.. وتتولى لجنة النظام الداخلي والحصانة والقوانين البرلمانية والقوانين الانتخابية النّظر في ما يعرض عليها من ملفّات وإعداد تقارير في شأنها في أجل أقصاه خمسة عشر يوما من تاريخ الإحالة. ترفع اللجنة تقريرها إلى مكتب المجلس الذي يحيله إلى الجلسة العامة». كما ينصّ الفصل 32 على أن «ينظر المجلس في هذه الطلبات على ضوء التقرير الذي تعدّه اللجنة والذي يوزّع على كافة الأعضاء قبل انعقاد الجلسة العامّة يتمّ الاستماع إلى تقرير لجنة النظام الداخلي والحصانة والقوانين البرلمانية والقوانين الانتخابية، ثمّ إلى العضو المعني إذا رغب في ذلك أو لمن ينوبه من زملائه الأعضاء. ثمّ يتّخذ المجلس قراره في خصوص طلب رفع الحصانة أو إنهاء الإيقاف بأغلبية الحاضرين من أعضائه،ويتولى رئيس المجلس إعلام من يهمهم الأمر بقرار المجلس، وتكون الجلسات المتعلقة بالحصانة سرية». الصحبي بن فرج عضو لجنة النظام الداخلي بمجلس نواب الشعب أكد ل «الصباح» أن النائب لا يتمتع بالحصانة المطلقة على عكس ما يتم الترويج له لأنه من الممكن إيقاف أي نائب و فق مقتضيات الأمر عدد 50 لسنة 1978 المتعلّق بفرض حالة الطوارئ الذي يجيز للسلطة التنفيذية ممثّلة في وزيري الداخلية والعدل ورئيس الحكومة وضع أي شخص يُعْتبر نشاطه خطيرا على الأمن والنظام العامين تحت الإقامة الجبرية في منطقة ترابية أو ببلدة معينة دون وجوب الحصول على إذن مسبق من القضاء. وأضاف النائب «في حالات التلبس بالجريمة، لا تشكل الحصانة عقبة وبذلك فهي ليست مناعة كاملة ووسيلة للهروب من العقاب وما يؤكد ذلك المطلب الذي تقدمت به كتلة حركة مشروع تونس في التنازل عن الحصانة». جهاد الكلبوسي