مساعدو ترامب يسعون للإفراج عن وثائق هيئة المحلفين بقضية إبستين    مع النفاذ العاجل .. 12 سنة سجنا ل«ر.م.ع» سابق بشركة الحلفاء    تعاون تونسي-جزائري لمواجهة تحديات النقل وتغير المناخ    وزارة التجهيز: غلق وقتي لجزء من الطريق الجهوية رقم 36 للقادمين من تونس    لجنة الدفاع والأمن بالبرلمان تستمع إلى ممثلين عن وزارة الداخلية حول مقترح قانون    عشرات الشهداء والمصابين في غزة.. إبادة ... وجنون الصهاينة يتصاعد    أخبار النادي الصفاقسي: «كانتي» في تنزانيا وقريبا رفع العقوبات    اتصالات تونس تجدّد شراكتها مع النادي الرياضي الصفاقسي... التزام متجدد لخدمة الجماهير ودعم الرياضة التونسية    الجمهور يطالب بفرض الانضباط: هل يُعاقب الترجي نجومه «المُتمرّدة »؟    تاريخ الخيانات السياسية (19) الرّاوندية يتخذون المنصور إلاها    الشيخ العلامة يونس بن عبد الرحيم التليلي (فريانة) .. موسوعة علوم ومعارف عصره    استراحة صيفية    اتفاق تونسي - عراقي لتصدير الأدوية ونقل تكنولوجيا التصنيع    التصريح بالعملة عن بعد    مهرجان الفسقية الدولي في دورته الرابعة... من اجل بعث الحياة في المدينة    بطولة افريقيا لالعاب القوى (الناشئين و الناشئات): غفران لحمادي تتحصل على الميدالية الفضية في رمي القرص    تخريب واعتداءات متواصلة... النقل العمومي تحت التهديد    وزير الشؤون الاجتماعية يوضّح موقف الوزارة من منظومة أمان وملف المناولة وصندوق البطالة والسكن الاجتماعي    وزارة التجارة: خبر الألياف يتطلّب خطّة.. #خبر_عاجل    قابس: السيطرة مستودع العجلات المطاطية المستعملة ببوشمة    الستاغ تضع حزمة اجراءات جديدة لتسريع دراسة وربط محطات الطاقة الشمسية الفولطاضوئية    التنس: البيلاروسية سابالينكا تنسحب من بطولة مونتريال بسبب الارهاق    الدورة الأولى للبرنامج الجهوي للرفاه الاجتماعي وأنماط العيش السليم بمشاركة أكثر من ألف شاب وشابة    بعد حملة تلقيح واسعة: خطر الجلد العقدي يتراجع في الكاف    وزارة الفلاحة تعلن عن فتح موسم جني الحلفاء في هذا الموعد    لطيفة العرفاوي حول حفلها في عيد الجمهورية: "هذا شرف لي"..    10 روائح...التونسي يعرفها من بعيد    حفلة تتحوّل لكابوس بسبب سقف: رزان مغربي تصاب إصابة خطيرة    وقتاش تكون العضمة المتشققة آمنة للأكل؟ ووقتاش يجب التخلص منها؟    عاجل/ الكشف عن موقع عسكري اسرائيلي سرّي في غزّة    رقدت لباس؟ يمكن السر في صوت المروحة    6 أعشاب يمكنك زراعتها بسهولة في الصيف...حتى في الشباك!    كرة اليد: منتخب الكبريات يشرع في التحضير لبطولة العالم بتربص في الحمامات من 21 الى 25 جويلية    زغوان: تقدم موسم حصاد الحبوب بحوالي 98 بالمائة    مهرجان قرطاج 2025: انتقادات قبل الانطلاق وسجالات حول البرمجة وسط تطلع لتدارك العثرات    الموسيقار محمد القرفي يفتتح الدورة 59 من مهرجان قرطاج بعرض "من قاع الخابية": تحية للأصالة برؤية سمفونية معاصرة    باريس ....تحتفي بالشاعر الجليدي العويني    عاجل/ موجة حرّ متوقعة آخر هذا الأسبوع و الأسبوع القادم.. أهم مميزاتها والتفاصيل..    القرآن والتنمية الذاتية: 10 آيات تغيّر الحياة    الجامعة العامة للتعليم الأساسي تطالب بالتعجيل بفتح حوار جدّي ومسؤول مع وزارة التربية    وكالة النهوض بالاستثمارات الفلاحية تصادق على استثمارات ومشاريع لفائدة ولايتي نابل وقابس بقيمة 19،1 مليون دينار    ارتفاع تدريجي في درجات الحرارة بداية من يوم غد السبت    30٪ من الناجحين يرسبون في أوّل عام جامعي... علاش؟    في سهرة مشتركة على ركح الحمامات: "سوداني" و"جذب" يحلّقان بالجمهور بجناحي البوب والإنشاد الصوفي    حفل كولدبلاي في بوسطن يفضح علاقة سرية للملياردير آندي بايرون    أستاذ تونسي يُفسّر ''ناقصات عقل ودين''    محكوم بالسجن : ليلة القبض على بارون ترويج المخدرات في خزندار    عاجل/ البيت الأبيض يكشف الوضع الصحي لترامب..    باريس سان جيرمان يتعاقد مع حارس المرمى الإيطالي ريناتو مارين ل 5 مواسم    معهد الرصد الجوي يؤكد أن شهر جوان 2025 كان أشد حرّا من المعتاد    إجراءات صحية يجب على ترامب اتباعها بعد تشخيصه ب"القصور الوريدي المزمن"    اليوم درجات حرارة عالية والشهيلي داخل على الخط    وزيرا الفلاحة والتجارة يشرفان على اجتماع لمتابعة وضعية تزويد السوق بالمنتجات الفلاحية ومواجهة الاحتكار    غزة.. عشرات الشهداء والجرحى وقصف يستهدف النازحين والمنازل والبنى التحتية    نقابة الصحفيين تنعى الصحفي يوسف الوسلاتي: وداعًا لأحد أعمدة الكلمة الحرة    موجة حر تضرب تونس خلال هذه الفترة... درجات الحرارة قد تصل إلى47°    صفاقس: تجهيزات طبية حديثة بمركز الوسيط... التفاصيل    مهرجان الحمامات الدولي: مسرحية "ام البلدان" تستعير الماضي لتتحدث عن الحاضر وعن بناء تونس بالأمس واليوم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رأي / بعد إقالة الرئيس المدير العام للتلفزة التونسية.. المرفق التلفزي العمومي أمام تحديات كبيرة
نشر في الصباح نيوز يوم 17 - 06 - 2017

بقلم: خالد نجاح صحفي رئيس في مؤسسة التلفزة التونسية
وصلنا مقال من الاعلامي المعروف خالد نجاح تحدث فيه عن اقالة الرئيس المدير العام للتلفزة التونسية الياس الغربي وملابساتها وتداعياتها ، وباعتباره صحفي رئيس بالمؤسسة وخبير بكواليسها فقد شدد على ان المسألة الجوهرية تكمن في طريقة تسييرها ، كما طرح بعض المقترحات لاصلاحها ولو ان وضعيتها تقتضي مشروعا متكاملا.
وفي ما يلي نص المقال:
مرة أخرى يتكرر المحظور في منطوق الهيئة العليا للإعلام السمعي البصري و تقرر الحكومة إقالة الرئيس المدير العام للتلفزة التونسية إلياس الغربي نتيجة ما حصل مساء الخميس الماضي من عدم بث النشرة الرئيسية لأخبار القناة الوطنية الأولى في موعدها الرمضاني على الساعة السابعة مساءا و تأخيرها إلى موعد لاحق في الثامنة و النصف ليلا دون إبلاغ المشاهدين و دون اعتذار في بداية النشرة ما يعد هفوة مهنية واضحة إرتأت الحكومة إثرها أن تتخذ جملة من الإجراءات باعتبارها المشرف الرئيس على هذا المرفق من الناحية الإدارية على الأقل و بصفتها الممول الرئيس له إضافة إلى مساهمات دافعي الضرائب.
و كانت الحكومة تفكر منذ مدة في إقالة الرئيس المدير العام لتلفزة التونسية إلياس الغربي نتيجة عدم قدرته على تنفيذ الإصلاحات الإدارية و التطوير البرامجي بعد نحو عشرة أشهر من تعيينه بالأمر المطابق من الهايكا التي لم تعترض على التسمية و رحبت بها و استمعت الى المسؤول الجديد في جلسة علنية وهو يعرض برنامج عمله في المؤسسة و الهادف إلى الإصلاح و التطوير وهو برنامج بدا للحضور وكأنه مصاغ من شخص له تجربة سنوات عمل في المؤسسة و عارف بكل تفاصيلها و دقائق الأمور فيها و مستوعب لهموم المرفق التلفزي العمومي و ما يحتاج إليه من عمل حتى يرتقي أدائه و يقفز إلى مرتبة الريادة في المشهد التونسي بعد أن افتكت مكانه قنوات خاصة حديثة التأسيس.
برنامج إصلاح طموح... ينطلق من فراغ و بنواتيا مخفية و مكشوفة:
كان لا بد من إيجاد سبيل لإنجاح هذا البرنامج الذي أبهر الهايكا و و اعتبره كثيرون فاتحة عهد جديد في المؤسسة التي تشكو من علل كثيرة و ترتقب وصفة علاجية لتشفى من أمراضها و تقف على رجليها لتنطلق نحو الأفق الجديد. غير أنه مع بداية مسيرة الرئيس المدير العام الشاب على رأس التلفزة بدأت تتضح النوايا الخافية وراء تعيينه حيث لجأ في إجراء ول غير محسوب العواقب إلى إرجاع مديرين إستقالا من مهامهما على رأس القناتين التلفزيتين الأولى و الثانية إحتجاجا على ما إعتبراه تجاوز الحكومة لصلاحياتها لما أقالت الرئيس المدير العام الأسبق للتلفزة مصطفى باللطيف سنة 2015 تعديا منها في نظرهما على صلاحيات الهايكا التي يتعين طلب رأيها المطابق في الإقالة مثلما تم ذلك عند التعيين رغم أن المشرع لم يتحدث عن ذلك مطلقا تاركا فراغا تستغله الحكومة لإقالة الرؤساء المديرين العامين كلما طرأ ما تعتبره إضرار بالمرفق العام. و كانت إقالة مصطفى باللطيف نتيجة تمرير النشرة الإخبارية لرأس الراعي الشهيد مبروك السلطاني موضوعا في ثلاجة ما شكل صدمة كبيرة للمشاهدين و اعتداءا على حرمة الميت الشهيد و هفوة مهنية خطيرة. و حصل بعد تلك الإقالة جدل كبير، و تمسك الرئيس المدير العام المقال بمنصبه متعللا بأن الحكومة تجاوزت صلاحياتها و انه لا يحق لها إقالته إلا بالمرور عبر الرأي المطابق للهايكا. و لكن الجدل إنتهى بإنهاء إلحاق ذلك المسؤول و إعادته إلى وزارة التعليم العالي التي ينتمي إليها مدرسا في كلية الحقوق . و اعتبر كثيرون أن إعادة تسمية المديرين المستقيلين في نفس منصبيهما هو أخذ بثأر الهايكا بتعليمات منها، و يبدو ان هذه الهيئة الدستورية إشترطت ذلك على الرئيس المدير العام الجديد الياس الغربي حتى تمنحه دعمها اللامتناهي و تمكنه من مهلة ثلاثة سنوات يكون فيها متربعا على كرسي مؤسسة التلفزة دون منازع في إطار ما تسميه الهايكا بعقد أهداف. و تشير دلائل كثيرة إلى هذا الشكل من التواطئ بين الجانبين و من أهمها ان الرئيس المدير العام الجديد عين واحدا من المديرين المستقيلين في منصب دون المطلوب من الهايكا ما أثار غضب «مسانديه» فلجأ بعد وقت قصير إلى تسميته مديرا بالنيابة للقناة الوطنية الاولى و ظل بهذه الصفة أشهرا حتى اليوم إلى جانب تسميته مديرا للبرامج و بصلاحيات كبيرة تشبه صلاحيات المدير العام للقنوات التلفزية الذي اقاله الياس الغربي بمجرد قدومه الى التلفزة. و اندرجت تلك التسمية لمدير القناة الاولى بالنيابة في إطار تسميات اخرى شملت إدارات عديدة و إحداث لإدارتين جديدتين واحدة فنية لم تدم طويلا و اخرى للتسويق لا تعمل حتى اليوم بحكم تضاربها مع إدارة الإشهار إضافة إلى تشكيل مجلس تنفيذي في المؤسسة قيل في شرح أسبابه انه سيكون المرجع و الفيصل في كل عمل إنتاجي و برامجي للتلفزة التونسية إلا أنه اشتغل واقعا بغير ما ورد في تبريرات تأسيسه و كان مجلسا إستشاريا لا غير شبيها بالإجتماعات الدورية التي يعقدها الرؤساء المديرون العامون السابقون مع إطارات المؤسسة للتداول في شأنها.
فشل المشروع الإصلاحي و كشف النوايا و تأخر البرمجة المعلنة :
بانت من البداية نوايا الرئيس المدير العام الجديد و خلفيات تعيينه و ربما كان هو مقتنعا بأن فريقه الجديد المرتكز على الشخصين المعادين الى منصبهما بعد الاستقالة سيقود التلفزة الى الايام الزاهية التي تتطلع إليها. و سعى الرئيس المدير العام الى التفرغ للتصور و البرمجة تاركا جميع المشاغل الأخرى الى الكاتب العام الذي استغل الظرف لينحت لنفسه شخصية جوهرية في التلفزة و يتدخل في جميع شؤونها غير الإدارية بما فيها منظومة الإنتاج البالية من أصلها و التي لا يحق له منطقيا التدخل فيها . و بمر الزمن اتضحت عدم قدرة الرئيس المدير العام على التسيير الاداري و المالي و اتضحت معها عدم قدرته على التصور و الانجاز و تدليلا على ذلك ظل برنامج الاحد الرياضي خارج البث لمدة اربعة اشهر رغم انطلاق بطولة الرابطة المحترفة الاولى لكرة القدم التي اقتنت التلفزة حقوق بثها بالمليارات كما تأخرت البرمجة الجديدة رغم الاعلان عنها لمنتصف شهر ديسمبر 2016 الا انها لم تنطلق الا بعد نحو شهرين من الموعد المعلن و دون عدد من البرامج التي ذكرها الرئيس المدير العام في ندوة صحفية صاحبها كثير من التضخيم لشخصه و لمشروعه الاصلاحي. و بدأ الصرح التلفزي العمومي يميل و يسقط باتجاه الهاوية في وقت كان فيه المسؤولون يتسابقون على انواع السيارات الفاخرة بعد ان قررت الحكومة في وقت سابق تمكين اطارات الدولة من السيارات المحجوزة في الديوانة و لم يقم اصحابها بتسوية وضعياتها منذ سنوات فعادت سيارة مرسيدس رياضية الى المسؤول الاول و سيارة اخرى من نوع راق الى الكاتب العام، و كانت تلك المرة الاولى في تجربتي التي تفوق الثلاثين عاما أشاهد فيها سيارة وظيفية لإطار في الدولة من نوع العربات الرياضية و ببابين اثنين فقط دون أربعة . و قد لا ألوم كثيرا المسؤول الأول عن التلفزة طريقة تسييره لهذا المرفق العام بحكم ما لقيه من تأييد و مباركة من الموظفين الذين اختارهم لمعاضدته فكل ما يأتي منه صالح و مفيد حتى تنتهي الرحلة فينقلبون عليه و تلك هي سنة حميدة في الدار. و كما لا أعاتب الموظفين لأن من حقهم المحافظة على امتيازاتهم و مصالحهم في ظل وجود مسؤول يمكن ان يقضي على مستقبلهم الاداري بجرة قلم و بأهواء يلتقطها من جلسات عامة و خاصة.
فرص مهدورة على المرفق العام و ضرورة التأسيس لهوية التلفزة القانونية:
لقد أضاع الرئيس المدير العام المقال فرصة مهمة لتطوير المرفق التلفزي العمومي خاصة و انه يمتلك أضخم التجهيزات التقنية على الإطلاق في تونس و أمهر التقنيين و المهندسين في العمل التلفزي إلا أنه لم يوفق في اعتماد منهج الاصلاح ربما لأنه إعتقد ان اختياره للمنصب دون عشرات من الكفاءات الأخرى المتمرسة هي إشارة بأن لا أحد دونه يستطيع إنقاذ مؤسسة تغرق في عمق البحر، و لكنني أعتقد جازما أن فشله في المهمة ناتج عن عدم امتلاكه لبرنامج عمل شخصي واضح و منهجي حيث إن البرنامج الذي عرضه على الهايكا لم يكن من عندياته و من بنات أفكاره و إنما مقتبسا من تجارب آخرين و تصوراتهم و لم يقدر على استيعابها.
و كما اضاع الرئيس المدير العام عن نفسه فرصة لن تتاح إليه مرة أخرى- رغم انني اتمنى له ان يجد اخرى بعد ان يكون استوعب الدرس من تجربته السابقة – فإنه أضاع على التلفزة ايضا مزيدا من الوقت في مسيرة إصلاحها التي لم تنطلق حتى اليوم بعد سبع سنوات من 14 جانفي 2011 رغم كثرة التعبير عن النوايا و تحمس البعض للمشروع الاصلاحي و يزداد الامر تعقيدا اليوم بتعدد مشاريع قانون الاعلام السمعي البصري التي تسعى جهات حكومية و دستورية إلى صياغته في معزل عن أراء ابناء مؤسسة التلفزة و في مسعى واضح لإبقاء هذا المرفق تحت السيطرة و التحكم وهو أمر ترفضه النقابات الاساسية للتلفزة المنضوية تحت إشراف النقابة العامة للإعلام في إتحاد الشغل التي تقترح بديلا منبثقا من تجربة اهل الدار و تصوراتهم و هم المعنيون قبل غيرهم بأخذ الراي و صياغة الافكار بحكم احتكاكهم اليومي مع شأن المؤسسة يعيشونه جسدا و روحا و لا يسمعون عنه منقولا بتأويلات عديدة تخفي مصالح مكشوفة.
إن التلفزة التونسية و منذ انفصالها عن مؤسسة الاذاعة في سنة 2007 لم تتوصل الى صياغة نظام اساسي خاص و لا إلى تنظيم هيكلي يراعي المستجدات في تكنولوجيا الإتصال الحديثة و تطورات تقنيات الإنتاج و البث التلفزي و المهن التلفزية الجديدة و يقطع مع منظومات بالية في العمل التلفزي لم تعد تصلح اليوم في ظل تطور البث الرقمي و عالي الدقة. و لذلك يتعين دون إضاعة مزيد من الوقت الشروع في تشكيل الهوية الجديدة للتلفزة التونسية باعتبارها مرفقا عموميا مستقلا تتطور وظائفه بتطور المجتمع و تطور تقنيات البث و الإنتاج بما يجعلها اكثر تفاعلا مع مشاهديها و قادرة على تلبية تطلعاتهم و رغباتهم انصهارا في الحركية التي تشهدها البلاد واندماجا في تطورها و ما تواجهه من تحديات أمنية و تنموية..فالمرفق العمومي ليس قطاعا خاصا يبحث عن مال ليعيش و لو على حساب المضمون و لو باعتماد الإثارة و حتى التعاطف مع طرف أو طراف سياسية. فمن المفروض على التلفزة العمومية اليوم أن تتشكل في هويتها الجديدة و ان تسرع بنظامها الاساسي و تنظيمها الهيكلي وفق رؤية واضحة و مرتكزات صحيحة تأخذ في الإعتبار الحاجيات الحقيقية و الأدوار الموكولة الى المرفق العام حتى و لو أدى الأمر إلى إقرار عملية تطهير في المؤسسة نتيجة كثرة العاملين الذي يتجاوز عددهم الالف و المائتين في مختلف القطاعات المهنية و لا شك في أن هذه العملية ستعود بالنفع على المؤسسة حيث ستمكنها من الاقتصار على ما هو ضروري من موارد بشرية و من انتدابات جديدة في مراكز العمل الاساسية المتعلقة بالانتاج و البث .
تطوير طريقة تسيير المؤسسة و تغيير تركيبة مجلس الإدارة ووظائفه :
غير ان المسألة الجوهرية في مؤسسة التلفزة تكمن في طريقة تسييرها و يتعين في هذا الإتجاه إعادة تشكيل مجلس إدارة المؤسسة حتى يكون بتركيبة تتأقلم مع عمل التلفزة تقنيا و إداريا و إنتاجيا و إعلاميا و هناك مقترحات في هذا المعنى لم تتجاوب معها الجهات الحكومية حتى الآن و ملخصها ان المجلس يكون صاحب السيادة في اقرار التوجه العام للمرفق العمومي التلفزي و استقلاليته بما يراعي مصلحة البلاد و تطلعات المجتمع بما يضمه من مكونات و شرائح متعددة كما يكون المجلس صاحب القرار في تعيين الرئيس المدير العام للمؤسسة و بقية المديرين على اساس الكفاءة و النزاهة و القدرة على الإضافة و محاسبتهم على أدائهم و إقالتهم عند الإقتضاء . و يمكن لمجلس الإدارة أن يقبل ترشيحات من الحكومة و من أشخاص داخل المؤسسة و خارجها يرغبون في تولي منصب الرئيس المدير العام ن أما المناصب الاخرى فتعود وجوبا الى ابناء المؤسسة الا في حالات نادرة و خاصة في صورة عدم وجود متخصصين من الداخل مثل المدير الفني الذي يهتم بجمالية الصورة التلفزية ، على ان تتغير وظائف الرئيس المدير العام الذي يصبح مسنودا بمدير تنفيذي تكون من مسؤولياته الأساسية الإنتاج و البرمجة و البث .
قدرات التطوير متوفرة تقنيا و بشريا :
تمتلك التلفزة التونسية اكبر بناية لمقر تلفزي في تونس وهي بناية تعد من اكبر البنايات التلفزية في العالم كما هي تتوفر على تمويل عمومي و مداخيل اخرى ليست متاحة للقنوات الخاصة وهي إلى ذلك تملك أكبر عدد من التجهيزات التقنية و حافلات البث و استوديوهات التسجيل من أي تلفزة اخرى و بالتالي فهي قادرة نظريا على توفير أرقى الإنتاجات التلفزية و أضخمها و اكبر المنوعات و اشمل الأخبار و اسرعها باعتبار وجود مكاتب لها على كامل تراب البلاد مجهزة بالمطلوب الا ان التلفزة التونسية لم تقدر على توظيف إمكانياتها و استغلالها لتقديم منتوج جيد في كامل اغراض الانتاج و عليها في هذا الجانب ان تستحدث ورشات للتصور و التفكير حتى بالاستعانة باطراف مبدعة من خارج الدار مع إحداث إدارة عامة للإنتاج على شاكلة الوكالة الوطنية للنهوض بالقطاع السمعي البصري المنحلة سنة 2007. و على التلفزة التونسية إعادة النظر في وظائف القناة الوطنية الثانية التي ظلت منذ تاسيسها نهاية 1994 تنافس القناة الاولى و لو بامكانيات متفاوتة و تنتج نفس نوعية البرامج التي تبثها القناة الأم و لا يزال الوضع يتكرر حتى اليوم فينبغي ايلاء الامر الأهمية التي يستحق و البت نهائيا في مصير القناة الثانية التي تستهلك مالا و معدات و موارد بشرية دون تحقيق فائدة للمشاهد سوى ربما ادخال البسمة من خلال السيتكوم اليومي «شوفلي حل «الذي يتعين إنهاء اعادات بثه العشوائية و المتكررة منذ سنتين و أكثرحتى يحافظ على تميزه. و للتلفزة من الامكانيات التقنية و الموارد البشرية التي يمكن من خلالها ارساء قناة وطنية ثانية مغايرة تماما للقناة الاولى و تستهدف جمهورا مغايرا و الافكار في هذا المنحى ليست بالقليلة فإما قناة رياضية و اما جهوية و اما قناة من نوع تلفزة زمان اعتبارا للكم الهائل من الإنتاجات التلفزية منذ ان انبعثت التفزة التونسية سنة 1966وهي قادرة على ضمان بث يومي لسنوات عديدة.
مصير التلفزة بأيدي أبنائها و صدق المتدخلين :
وختما للكلام ، يتعين على التفزة التونسية ان تقررمصيرها بنفسها و ألا ترتهن لمن يريد السيطرة عليها متجاهلا المصلحة العامة و ادوار المرفق العام و قدرات التلفزة و العاملين فيها، و على الحكومة ان تقدر الوضع و تعطي الموضوع الجدية اللازمة حيث إن المرفق العمومي التلفزي يسقط في الهاوية و يجب انقاذه بإرادة واضحة قبل أن يفوت الأوان، و على الهايكا ان تقتنع بان أمر الدار ليس حكرا عليها و ان تنحو منحى التشارك معها لإقرار هويتها القانونية و وظائفها و أن خلاف ذلك لن يثمر لأن التنفيذ في النهاية سيكون بأبناء الدار ساعدا و فكرا و أن محاولات الهيمنة لن تأتي أكلها و لن تحقق غاياتها.. و على ابناء الدار ان يقتنعوا بأنهم جميعا في خندق واحد و عليهم ان يرفعوا التحدي و يؤسسوا مرفقا تلفزيا عموميا يكون المرجع في كل شئ انتاج متعدد و اخبار و منوعات و هم قادرين على ذلك بكل تميز و تألق و الفرصة مواتية شرط ان تعي الاطراف الخارجية و أساسها الحكومة ضرورة تقدير الوضع الحالي للتلفزة و إصلاحه و خاصة من حيث تركيبة مجلس الادارة و عدم اقرار التعيينات المبنية على الولاءات و الصداقات و الإنتماءات الحزبية و غيرها فذاك حصلت فيه تجارب أضرت بالمرفق العام و أدت به الى تهور إداري تجسد عشية إقالة الرئيس المدير العام حيث عمد مسؤول يفترض أن يكون محترما بحكم طبيعة مهامه إلى إزالة مذكرات التعيينات الجديدة التي اقرها الرئيس المدير العام قبل إقالته بساعات و تمزيقها و تمسك المسؤولين المقالين بمناصبهم بالقوة في سابقة خطيرة لم تشهدها التلفزة التونسية منذ تأسيسها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.