أضحى اليوم امتلاك منزل أو شقة صغيرة في إحدى العمارات حلما صعب المنال بالنسبة للتونسي إذ يتطلب الظفر "بقبر الحياة" جمع أموال طائلة في ظل الارتفاع الجنوني لبورصة أسعار العقارات في تونس حتى أن البعض بات يعتبر أنّه كتب اليوم على فئة كبيرة من التونسيين أن تعيش "كرّاية" فالسواد الأعظم أضحى عاجزا عن مجابهة الارتفاع الحاصل في كراء العقارات فما بالك بامتلاك شقة. فحتّى برنامج السكن الأول الذي اقره رئيس الحكومة يوسف الشاهد لم يستطع إيجاد حلول بالنظر إلى جملة من الإشكاليات التي تعترضه على حد تشخيص أهل الاختصاص. تتراوح أسعار بعض الشقق التي وفرتها "السنيت" السنة الماضية في الأحياء الشعبية كالآتي، ففي منطقة فوشانة وفي إحدى الاقامات التي توفر مساكن نصف جماعية حدّد سعر المسكن الذي يضم ثلاث غرف وقاعة استقبال: بداية من 92910.000 د اما أسعار الشقق والمنازل المعروضة للبيع في باقي الأحياء لاسيما الراقية منها فحدث ولا حرج. عزوف عن الاقتناء من هذا المنطلق تم تسجيل عزوف عن اقتناء المنازل وهو ما تكشفه الإحصائيات التي أثبتت السنة الماضية وجود ما لا يقل عن 426.200 شقة شاغرة في حين أن هناك ما يقارب 30 بالمائة من التونسيين لا يمتلكون منازل ويعود ذلك إلى الارتفاع المشط في أسعار العقارات لا سيما أن مؤشر العقارات في تونس ارتفع بقرابة 53 نقطة مقارنة بسنة 2010 أما مؤشر أسعار الشقق فقد ارتفع ب65 نقطة وفقا لما صرح به في وقت سابق مدير مؤسسة "سيغما كونساي" لسبر الآراء حسن الزرقوني. ولان الاعتقاد كان سائدا بان برنامج السكن الأول من شانه أن يتجاوز الإشكال فانه يصح التساؤل بإلحاح: هل من حل جذري للحد من الارتفاع الجنوني الحاصل في أسعار العقارات؟ وهل من إجراءات يتسنى من خلالها تيسير تطبيق هذا البرنامج؟ جاء قرار رئيس الحكومة يوسف بإطلاق برنامج السكن الأول في محاولة أرادت الحكومة من خلالها أن تيسّر إجراءات شراء منزل خاصة من خلال توفير التمويل الذاتي الذي مثل لفترة طويلة أكبر عائق واكبر هاجس يصطدم به الراغبون في اقتناء مسكن، وذلك بعد أن صادق مجلس نواب الشعب في مشروع قانون المالية لسنة 2017 على فصل قانوني يتعلق بإحداث دعم من الدولة يقدر ب 200 مليون دينار مخصصة لتغطية التمويل الذاتي لدى اقتناء المسكن الأول. ونص الفصل في صيغته الأولى على أن تتولى الدولة إحداث خط تمويل بمبلغ 250 مليون دينار لفائدة الفئات متوسطة الدخل، تم بمقتضاه توفير قرض ميسر لتغطية التمويل الذاتي المطالب بها المنتفع، قصد اقتناء مسكن أول منجز من قبل شركات عقارية. ولكن يبدو أن الحصول على مسكن خاص حتى مع وجود برنامج السكن الأول ليس بالأمر الهين على الطبقة الوسطى في ظل بعض الإشكاليات التي تواجه بعض البنوك على حد تأكيد المختصين خاصة أن الغرفة الوطنية للباعثين العقاريين قد أكدت في معرض تصريحاتها الإعلامية وجود تعطيل في تنفيذ برنامج اقتناء المسكن الأول يخص الإجراءات المتعلقة أساسا بالبنوك التونسية، باستثناء بنك الإسكان تتعلق أساسا بمنح القروض للزبائن، علما أن مدير الإسكان بوزارة التجهيز قد أكد في تصريحات سابقة إن الوزارة والبنك المركزي يعملان على إنهاء البعض من الإجراءات من شأنها تمكين البنوك من توفير القروض للمنتفعين ببرنامج السكن الأول. وهو ما جعل البعض يعتبر انه قد تم التراجع عن هذا البرنامج في ظل الإشكاليات التي تواجه تجسيمه على ارض الواقع وهو ما فنده فهمي شعبان رئيس الغرفة النقابية الوطنية للباعثين العقاريين خلال جلسة عمل مع الباعثين العقاريين عقدتها الغرفة، الأربعاء الماضي الذي نفى مطلقا ما تم تداوله في الشبكات الاجتماعية حول توقف ذات البرنامج. وكشف في هذا السياق انه لم يستفد من برنامج "المسكن الأول" إلا 300 عائلة فقط مشيرا إلى توفر 1000 مسكن حاليا وعدد من المساكن في طور الانجاز ستكون جاهزة للبيع مع بداية سنة 2018 وذلك في إطار برنامج يشمل 7000 مسكن معلنا في السياق ذاته عن نشر قائمات جديدة لباعثين عقاريين انطلاقا من يوم 15 أوت الجاري. كما تطرق الباعثون العقاريون المشاركون في هذا الاجتماع إلى تعقد الإجراءات الإدارية والبنكية لاقتناء المساكن وغياب الترويج للبرنامج كما أشاروا إلى أن الأزمة التي يعيشها قطاع العقارات في تونس وتراجع المبيعات يعود إلى تدهور القدرة الشرائية للمواطن وتراجع قيمة الدينار. وفي استعراضه لأبرز الأسباب التي جعلت بورصة العقارات في تونس في ارتفاع مستمر أورد فهمي شعبان رئيس الغرفة النقابية الوطنية للباعثين العقاريين في تصريح ل"الصباح" أن الأسباب واضحة فهي تعود إلى تراجع وانزلاق قيمة الدينار التونسي أمام العملة الأجنبية والذي من شانه أن يؤثر على ثمن المسكن بصفة عامة كما أنّ هذا الارتفاع سيؤثر بدوره على ثمن المسكن في المستقبل إلى جانب عوامل أخرى تتعلق أساسا بارتفاع أسعار الأراضي وارتفاع أسعار مواد البناء على غرار تحرير الاسمنت. واعتبر شعبان من جانب آخر أنّ الأسعار لا تزال مرتفعة بالنظر إلى تواصل انزلاق الدينار التونسي أمام العملات الأجنبية قائلا:"هذه المسالة تخيفنا كباعثين عقاريين بالنظر إلى أن رأس مالنا الوحيد يبقى المواطن التونسي". من جهة أخرى فسّر سليم سعد الله رئيس منظمة الدفاع عن المستهلك في تصريح ل"الصباح" أنّ أسعار المساكن في ارتفاع مشيرا إلى انه كانت للمنظمة تدخلات سابقة في هذا الشأن. وأورد المتحدث أن المنظمة لاحظت ارتفاعا مطردا في أسعار العقارات بعد الثورة كما أنّ أسعار الكراء تأثرت بدورها وارتفعت جراء توافد عدد كبير من الليبيين على تونس والذي كان له تأثيره على الطبقة المتوسطة. كما فسر سعد الله أنّ الارتفاع الحاصل كان نتيجة عدة عوامل لعلّ أبرزها رفع الدعم على الاسمنت فضلا عن الارتفاع الحاصل في بعض المواد الموردة إلى جانب ارتفاع تكلفة اليد العاملة وارتفاع أسعار الأراضي المهيأة للبناء. أمّا بخصوص برنامج السّكن الأول فقد اعتبر سعد الله انه لم يتخذ بعد المنهج الصحيح بالنظر إلى وضعية بعض البنوك التي لم تستجب لهذا القانون مشيرا إلى أن اتصالات عديدة جمعته مع غرفة الباعثين العقاريين الذين أكدوا له أن بنك الإسكان ماض قدما في برنامج السكن الاجتماعي مشيرا إلى أن بعض البنوك التي كانت تواجه بعض الإشكاليات قد تجاوزتها. قريبا..استجابة البنوك وأورد سعد الله في هذا الاتجاه أن ندوة صحفية ستلتئم موفى شهر أوت الجاري أو خلال شهر سبتمبر القادم سيتم الإعلان من خلالها عن أن البنوك بإمكانها الاستجابة لبرنامج السكن الأول. وجدير بالذكر أن برنامج "المسكن الأول" الذي يستهدف العائلات التي يتراوح دخلها العائلي الشهري الخام بين 5ر4 و10 مرات الأجر الأدنى المضمون، كان قد أطلقه رئيس الحكومة يوسف الشاهد يوم 2 فيفري 2017 بهدف مساعدة الفئات متوسطة الدخل على امتلاك مسكن. وقد خصصت الدولة اعتمادات بقيمة 200 مليون دينار لتوفير التمويل الذاتي للمنتفعين والذي يصل إلى 20 بالمائة من قيمة المسكن مع مدة إمهال ب5سنوات. الصباح بتاريخ 6 أوت 2017