ظاهرة سلبية اكتسحت مجتمعنا وباتت تشكل وجها آخر من وجوه الانحراف وهي لا تقل خطورة عن بقية الجرائم خاصة وأنها تستهدف الناشئة وتسيء إلى المظهر الاجتماعي العام رغم أن المجتمع ينبذها والقانون يجرمها، ظاهرة التسوّل والتجارة بالأشخاص من الظواهر المسيئة للمظهر العام للبلاد وعلى الرغم من الحملات المتكررة التي تقوم بها الوحدات الأمنية والشرطة البلدية وآخرها إيقاف عدد من المتسولين أمس الأول بمدينة بنزرت وتسعة آخرين تم إيقافهم أواخر شهر جويلية. كما تمكّن مؤخرا أعوان الإدارة الفرعيّة للوقاية الاجتماعيّة بإدارة الشّرطة العدليّة التّابعة للإدارة العامّة للأمن الوطني من إيقاف 4 أشخاص أصيلي ولاية زغوان يقومون باستغلال الأطفال اقتصاديّا بتشغيلهم في التسوّل. وتعدّ تونس من البلدان التي تعمل على مكافحة ظاهرة التسول التي لا يكون في الغالب دافعها الحاجة والفقر بل إن نسبة كبيرة من المتسولين يمتهنون التسول للكسب السريع وجمع المال حتى أن عددا من المتسولين الذين اكتشف أقاربهم بعد مماتهم أنهم تركوا ثروات طائلة على غرار المرأة التي توفيت منذ سنة بجهة جبنيانة والتي بعد مماتها عثر أقاربها على مبلغ من المال يقدر بما يزيد عن 10 آلاف دينار في شكل أوراق نقدية وقطع وضعتها في أواني بالإضافة إلى حساب جاري بالبريد تفوق قيمته 26 ألف دينار إضافة إلى قطعة ارض تقدر بأكثر من 9 آلاف دينار. كما عثر أقاربها على مبالغ مالية غير صالحة وأخرى تجاوزت الآجال جمعتها المتسوّلة الراحلة خلال عشرين عاما. وربما الكسب السريع وجمع الثروات الطائلة دفع بالعديد من التونسيين إلى اتخاذ التسول كمهنة حيث يغادرون منازلهم صباحا ليعودوا إليها ليلا محملين بمحصول يوم كامل من «الصدقات» وكان الخبير في علم الاجتماع زهير العزعوزي كشف من خلال دراسة أجراها أن 10 بالمائة من الشعب التونسي يمتهنون مهنة التسوّل كما أشار الى أن نصف المتسولين لهم مهن واحترفوا التسول لتحصيل دخل إضافي. تواجد جحافل المتسولين في الأماكن العامة وفي الطرقات ووسائل النقل العمومي وخاصة داخل عربات الميترو الخفيف بشكل لافت قد يكون جهلهم بأن التسول جريمة يعاقب عليها القانون أعطاهم تلك الجرأة بالتظاهر بأنهم حاملين لإعاقات لإقناع أصحاب القلوب الرحيمة بالتصدق عليهم ببعض المال كما أن عددا كبيرا منهم يستغلون الأطفال للتسول. القاضي والدكتور المختص في القانون الدولي الإنساني فريد بن جحا تحدث ل»الصباح» عن كيفية تعاطي القانون التونسي مع هذه الظاهرة وبين أن الأمر عدد 39 الذي يعتبر التسول من قبيل الجنح المعاقب عنها وهو اختصاص قاضي الناحية وقد دأبت المحاكم على معاقبة المتسولين بخطايا مالية وأحيانا بعقوبات سجنية نافذة أو مؤجلة التنفيذ بحسب تنامي هذه الظاهرة وتفشيها. التشديد في العقوبة وقال الدكتور في القانون الدولي فريد بن جحا إنّ القانون التونسي يشدد في العقوبة كلما تم استخدام أطفال في التسول او كان الأمر منظما في اطار عصابات كما تتدخل عدة أجهزة لزجر وضبط مرتكبي هذه الجرائم وخاصة اذا تم استخدام الاطفال في مثل هذه الجرائم الى جانب الضابطة العدلية التقليدية من شرطة أو حرس فانه من دور مندوب حماية الطفولة اشعار قاضي الأسرة بكل وضعية فيها أطفال لكسب المال عن طريق التسول وهو ما يندرج في إطار حماية الطفولة المهددة لكن اذا تعود الأطفال على هذه الممارسات رغم اتخاذ تدابير لحمايتهم فإننا ننتقل الى الطفولة الجانحة حيث يتدخل القانون الجزائي لردع مرتكبي جريمة التسول ولو كان الفاعل طفلا. الا أن القانون الجنائي والحل الأمني يبقيان قاصرين لوحدهما على القضاء على مثل هذه الظواهر لأنه لا بد من وضع استراتيجية شاملة تبحث عن أسباب هذه الظاهرة والآليات الكفيلة بمعالجتها وتتداخل فيها آليات اقتصادية واجتماعية ويبقى الردع في آخر المطاف كما تجدر الإشارة الى ان البلاد التونسية صادقت على عديد الاتفاقيات التي تعتبر أن التسول مظهر من مظاهر الاعتداء على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية كما يعد استخدام الأطفال في التسول من قبيل الاتجار بالأطفال والذي نصت عليه اتفاقية مناهضة الاتجار بالبشر التي انضمت إليها البلاد التونسية. مفيدة القيزاني