إذا ما استثنينا بعض الرّدود السّريعة الّتي وردت على ألسنة عدد من قياديّيها والّتي تناقلتها في الحين بعض الصّحف والمواقع الإخبارية الالكترونيّة فانّه يمكن القول أنّ حركة النّهضة ربّما تكون آثرت رسميّا ومؤسّساتيّا أن تمتصّ الضّربة وألاّ تردّ على تلكم اللّكمة العنيفة الّتي وجّهها إليها مباشرة الرّئيس السّبسي عندما قال عنها في سياق الحديث الّذي أدلى به لجريدة الصّحافة منذ يومين والمنشور تحديدا بتاريخ الأربعاء 6 سبتمبر الجاري بأنّها (النّهضة) لا تزال كحزب سياسي تبدو متردّدة في أن تتمدّن بالكامل.. الرّئيس السّبسي قال أيضا وهو يجيب ضمن هذا الحديث عن سؤال ما إذا كان التّوافق (مع حركة النّهضة) قد وصل إلى نهايته قال بالحرف الواحد: لا أتمنّى ذلك ولكن بقدر نجاحنا في قطع خطوات لتجميع كلّ الأطراف والحساسيّات السّياسيّة والفكريّة حول النّموذج الحضاري التّونسي المتفرّد والمتميّز لاحظنا تردّدا وتوجّسا واضحا من البعض أعاق اندماجهم الكلّي في النّسيج المجتمعي التّونسي الّذي يتحرّك على أرضيّة مشتركة هي النّظام الجمهوري والدّولة المدنيّة الحداثيّة والمجتمع المفتوح الّذي قوامه حريّة الفرد... ربّما يكون الرّئيس السّبسي هنا يشير تحديدا إلى موقف حركة النّهضة غير الواضح حتّى لا نقول غير المساند من دعوته الّتي أطلقها بخصوص المساواة في الإرث بين المرأة والرّجل وزواج التّونسيّة المسلمة من غير المسلم.. ولكنّ هجومه على الحركة ضمن هذا الحديث الصّحفي بدا واضحا وصريحا أكثر عندما قال بالحرف الواحد في سياق الإجابة عن سؤال سابق:النّهضة قبلت (الدّخول في تحالف حكومي مع النّداء) وليس بشروطها وقلنا على الأقلّ نساهم بذلك في جلبها إلى خانة المدنيّة ولكن يبدو أنّنا أخطأنا التّقييم. لماذا تصمت النّهضة؟ قبل محاولة الإجابة عن هذا السّؤال لابدّ من الإشارة أوّلا إلى أنّ الرّئيس السّبسي قد عمد أيضا في ثنايا حديثه المذكور إلى إثارة مسائل وقضايا أخرى قد تكون أكثر أهميّة وخطورة من حيث الدّلالات والمرامي من تهجّمه على النّهضة وقوله عنها بأنّها لم تتمدّن بالكامل.. ونعني تحديدا حديثه عن الهيئات الدّستوريّة المستحدثة بمقتضى دستور 2014 واستقلاليّتها المطلقة..إذ يقول في هذا الصّدد ما معنى هيئات تعمل بدون أيّ رقابة وتحت عنوان الاستقلاليّة هي تمارس صلاحيّات مطلقة..تقرّر ميزانيّاتها ورواتب العاملين فيها وأعضائها ومعها تحوّلت الهيئات والمؤسّسات السّياديّة كمجلس نوّاب الشّعب إلى مجرّد أجهزة لتزكية قرارات هذه الهيئات..إن هذا ضرب لمبدإ فصل السّلط وتعدّ على الدّولة وبدعة لا نجد لها مثيلا خارج تونس. لنأتي الآن للسّؤال المحوري.. والّذي هو موضوع هذه الورقة.. لماذا صمتت النّهضة رسميّا ولم تردّ على لكمة الرّئيس السّبسي الموجعة باتّهامه لها بأنّها لم تتمدّن بالكامل وقوله أيضا أنّه شخصيّا ربّما يكون قد أخطأ التّقييم عندما اعتقد في إمكانية جلبها إلى خانة المدنيّة؟ الجلاصي وبن سالم والمكّي والشّهودي.. على الخطّ النّائب بمجلس نوّاب الشّعب محمّد بن سالم المصنّف ضمن صقور النّهضة كان أوّل من أغضبته واستفزّته اتّهامات السّبسي للحركة فبادر وبصفة شخصيّة بالرّد عليها..إذ نجده يقول في تصريح فوري لأحد المواقع الإخبارية الالكترونيّة وبنبرة متحدّية إن كان السّبسي قد أخطأ في تقييمه للنّهضة فما عليه إلا أن يتدارك.. في إشارة منه إلى أنّ حركة النّهضة لا يضيرها أبدا فكّ الارتباط مع السّبسي شخصيّا أمّا عضو مجلس شورى الحركة زبير الشّهودي فقد بدا متشنّجا بدوره من خلال التّصريح الّذي أدلى به في الغرض لجريدة القدس العربي الصّادرة بلندن بتاريخ الأربعاء 6 سبتمبر الجاري والّذي قال فيه بأنّ مدنيّة حزب حركة النّهضة ثابتة بالقانون والممارسة والتّاريخ.. وذلك قبل أن يضيف ولكن بالمقابل يحتاج كلّ من له ارتباط بالمنظومة القديمة إلى أن يثبت أنّه فعلا ديمقراطي ويقبل التّعدّديّة والتّنوّع..، ثمّ ليختم بالقول هذه التّصريحات هي نوع من المزايدة السّياسيّة من حين لآخر وأعتقد أنّ السّبسي لم يكن موفّقا في هذا التّصريح. القيادي عبد الحميد الجلاصي وعلى الرّغم من أنّه مصنّف ضمن الصّقور فقد بدا من خلال التّصريح الّذي أدلى به في الغرض لجريدة الصّباح بتاريخ الخميس 7 سبتمبر أهدأ وأكثر عقلانيّة ودبلوماسيّة اذ يقول في نبرة تحيل على عدم الرّغبة في التّهويل أو التّصعيد: لا زلنا نعتقد أنّ البلاد في حاجة الى توافق واسع سياسي واجتماعي للاتّفاق على خارطة إصلاحات اقتصاديّة واجتماعيّة..هذه وجهة نظرنا وهذا ما نرى أنّ البلاد تحتاجه للعشر سنوات القادمة وذلك قبل أن يضيف ولكنّ العلاقات بين الأحزاب ليست زواجا أبديّا فهي يمكنها أن تتقارب ويمكن أن تتباعد بناء على التّقارب في البرامج أو بناء على الحسابات الانتخابيّة ومن حقّ الأحزاب والمسؤولين السّياسيّين جميعا أن يعيدوا ترتيب علاقاتهم السّياسيّة. " شيء" من هذا القبيل اعتمادا على البيان الصّادر عن المكتب التّنفيذي لحركة النّهضة بتاريخ الأربعاء 6 سبتمبر الجاري حول التّحوير الوزاري والانتخابات البلديّة (أمضاه رئيسها الأستاذ راشد الغنّوشي) والّذي من بين ما جاء فيه أنّ حركة النّهضة تثمّن حرص رئيس الجمهوريّة على تحقيق المصالحة الشّاملة وترسيخ الوحدة الوطنيّة بين التّونسيّين فإنها تجدّد دعمها لمسار التّوافق الوطني وتمسّكها بمقوّماته وخصوصا مع حركة نداء تنس والعائلة الدّستوريّة... اعتمادا على هذا البيان يمكن القول وبكثير من الاطمئنان أنّ الحركة آثرت أن تستبطن في بيانها هذا ما جاء على لسان القيادي عبد الحميد الجلاصي في تصريحه لجريدة الصّباح فيما يتعلّق باتّهام السّبسي لها بأنّها لم تتمدّن وأن تمتصّ الضّربة وألاّ تتعرّض رسميّا ومؤسّساتيّا إلى تصريحات الرّئيس السّبسي في الغرض وذلك حتّى لا تقع من جهة في فخّ الاستدراج الإعلامي لمعارك هامشيّة لا تريدها.. ومن جهة أخرى حتّى تظلّ على احترامها للرّئيس السّبسي شخصيّا ولدوره الوطني والتّاريخي في التّأسيس لمسار التّوافق الوطني ودعم الوحدة الوطنيّة في مرحلة ما بعد 14 جانفي 2011. محسن الزّغلامي الصباح بتاريخ 9 سبتمبر 2017