تقترب تونس من الاحتفال بمرور الذكرى الثانية للاحتجاجات الشعبيّة التي أطاحت بحكم الرئيس بن علي تسبقها في ذلك اختلافات سياسيّة عديدة شارفت على التحوّل إلى عنف سياسي ما بعد مقتل منسق حركة نداء تونس في تطاوين قُبَيْلَ العيد عَقِبَ مظاهرة تنادي بتطهير الإدارة. تسبقها في ذلك أيضا طلبات ملحّة حول وضع خارطة طريق سياسية تقود البلاد نحو إنهاء هذه المرحلة الانتقالية الثالثة من نوعها، مرحلة أولى قادها محمد الغنوشي الوزير الأول في عهد الرئيس بن علي إلى غاية نهاية شهر فيفري 2011 ومرحلة ثانية قادها الوزير السابق في عهد بورقيبة الباجي قايد السبسي إلى غاية شهر ديسمبر 2011 ومرحلة ثالثة يقودها رؤساء ثلاثة في مقدمتهم ولأول مرّة في تاريخ تونس رئيس حكومة إسلامي الانتماء، والمرور نحو تنظيم انتخابات عامة تفضي الى إرساء مؤسسات سياسية دائمة.
هذه الخارطة لا تبدو بعدُ واضحة المعالم برغم كلّ التحركات وفي مقدمتها الروزنامة التي أعلنتها الترويكا فجر 14 أكتوبر ومبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل التي تبلورت في شكل مؤتمر وطني جرى تنظيمه يوم 16 أكتوبر 2012 في قصر المؤتمرات بالعاصمة وغاب عنه حزبا النهضة والمؤتمر. وكذلك برغم مبادرة حزبي المسار والجمهوري، ثنائي المعارضة، والتي قد تكون اصطدمت بمطلب تحرير وزارتي العدل والداخلية من التحزّب وهو الامر الذي ترفضه ترويكا الحكم بشدّة.
والسؤال الذي يُطْرَح، قبل شهرين من الاحتفال بانتصار الشارع على بن علي وبعد أيّام قليلة من خسارة المعارضة لمعركة 23 أكتوبر التي نادت فيها بإنهاء الشرعية الانتخابيّة والمرور نحو شرعيّة توافقيّة التزاما بما جاء في وثيقة مسار الانتقال الديمقراطي الموقّعة يوم 15 سبتمبر 2011 من قبل 11 حزبا يمثلون أبرز القوى السياسيّة في الساحة، هو كيف سيكون الحوار الوطني خلال هذه الفترة؟ وكيف ستمضي الأحزاب السياسية الحاكمة والمعارضة نحو التوافق؟ ماذا تقترح المعارضة؟ وماذا يقترح الائتلاف الحاكم؟
قريبا تحركات جديدة لاتحاد الشغل
بالعودة الى مؤتمر الحوار الوطني الذي شكّل حدثا سياسيا في تونس برغم كلّ الانتقادات الموجّهة للاتحاد والتي تتهمه بمحاولة لعب دور سياسي صرّح الأمين العام المساعد سمير الشفّي صباح أمس ل«الشروق» أنّه «لا جديد حدّ اليوم متعلّق بمؤتمر الحوار الوطني» مشيرا إلى أنّ البيان الختامي أوصى بتوسيع الحوار مع المقاطعين خاصة فيما يتعلّق بإحداث الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات «فهي مسألة ملحّة وعامل الوقت أيضا أصبح ملحّا وقد التقينا بعد مؤتمر 16 أكتوبر مع عميد المحامين ومع رئيس رابطة حقوق الإنسان من أجل إعادة تفعيل لجنة التنسيق المشتركة للنظر في مشروعنا المقترح حول الهيئة وذلك بالاتصال بالأحزاب وبالجمعيات من أجل حسن بلورته ثمّ تبليغ الطرف الحاكم بهذا المقترح».
كما قال الشفّي إنّه سينطلق قريبا في عقد جلسات حول الهيئات الثلاث (هيئة الانتخابات والقضاء والإعلام) كما ستنعقد قريبا وبعد عودة الأمين العام للاتحاد من مهمّة بالخارج لقاءات بينه وبين عميد المحامين ورئيس رابطة حقوق الإنسان قصد إعادة تفعيل البيان الختامي للجلسة الأولى لمؤتمر الحوار الوطني في علاقته بروزنامة الحكومة وغيرها من النقاط بحثا عن التوافقات.
أمّا على مستوى الأحزاب أعلن رئيس الهيئة السياسيّة للحزب الجمهوري أحمد نجيب الشابي مؤخّرا أنّ حزب حركة النهضة الذي يقود الائتلاف الحاكم طلب لقاء مع حزبه للتفاوض حول بحث سبل توافق جديد حول هيئة الانتخابات والمجلّة الانتخابيّة والمواعيد السياسيّة المقبلة. معتبرا هذه الخطوة إيجابيّة للتوافق وتدارك ما حدث قبل موعد 23 أكتوبر. لكن هل سيتجاوز الحوار بين الطرفين طلب الجمهوري تحييد وزارتي العدل والداخليّة؟ وهل تستجيب النهضة لهذا الطلب؟
تغيير على رأس وزارتي السيادة
عبد الحميد الجلاصي الرجل الثاني في حركة النهضة قال ردّا على هذا السؤال «إلى حدّ الآن ومن زاوية نظرنا في النهضة نرى أنه من الصعب إحداث التغيير المطلوب فما علاقة هذا بالديمقراطيّة وبالأجندة السياسيّة لكننا في الآن نفسه لا نقول إنّ هذا الأمر (التغيير) مستحيل».
وأضاف المتحدّث في تصريح أدلى به ل»الشروق» صباح أمس «نحن في النهضة لم نكن يوما منغلقين وقد بدأ الحديث عن التغيير في الحكومة منذ تشكيل الحكومة من ذلك طلب تشكيل حكومة تكنوقراط أولا ثمّ حكومة وحدة وطنيّة ثمّ حكومة إنقاذ وطني ثمّ طلب تغيير على مستوى وزارات السيادة وبالتالي بالنسبة لنا هذا الطلب ليس بجديد وبصفة أوليّة نقول لا لن يحدث التغيير لكننا نحن في الاستماع الى ما يمكن أن يحقق التوافق».
انفتاح على الحوار
وفيما يتعلّق بتصريح أحمد نجيب الشابي قال الجلاصي «كما قلت نحن دوما منفتحين على الحوار مع مختلف الأحزاب وخاصة مع حزب المناضلين في الديمقراطي التقدمي والذي تربطنا به علاقات نضالية وثيقة وعلاقات صداقة على المستوى الشخصي وترسّخ هذا في 18 أكتوبر لكن بعد الثورة اختلفت الرهانات والاستراتيجيات وصار أحيانا سوء تفاهم لكن بلادنا اليوم في حاجة الى توافق ونحن قلنا ذلك وحرصنا على التحالف الثلاثي وقلنا إنّ هذا التحالف بإمكانه أن يصبح رباعيا أو خماسيّا ثمّ قدمنا مقترحاتنا في مبادرة 13 أكتوبر التي أتت على الهياكل الأساسية وعلى موعد الانتخابات والقضايا الجوهريّة في النظام السياسي وكانت مقترحاتنا نتيجة لمخاض داخل الترويكا ونحن كنا منفتحين لتطويرها وتعديل بعض النقاط بما يحقق أوسع تحالف ممكن وبما يسير بالبلاد نحو انتخابات حرة ونزيهة في أقرب الآجال تنقلنا من حالة المؤقت الى الاستقرار المؤسساتي وفي هذا الإطار كان اتصالنا بالجمهوري وبالمسار واتصالنا اليومي بمختلف الكتل والشخصيات الوطنية والأحزاب السياسية».
وكان سعيد العايدي عضو المكتب السياسي للحزب الجمهوري قد صرّح في حوار أدلى به ل«الشروق» أنّ حزبه وحزب المسار رفضا مقترح النهضة الداعي إلى توسيع الائتلاف الحاكم ليصبح خماسيّا.