مع انتهاء كل معركة ضد تنظيم "داعش" في سوريا أو العراق، تطرح أسئلة حول مصير مئات العناصر الذين يتبخرون من مناطق شكلت معاقل لهم لسنوات. ويقول محللون وشهود إن أعداداً كبيرة منهم يتخفون بين المدنيين عندما لا ينجحون بالفرار إلى مناطق أخرى تحت سيطرتهم. وتورد القوات الحكومية العراقية والسورية التي تقاتل التنظيم باستمرار أخباراً عن مقتل المئات منهم أو اعتقالهم، وكذلك بالنسبة إلى "قوات سورية الديمقراطية" المدعومة من واشنطن، الطرف الذي شن العدد الأكبر من المعارك ضد "داعش" في سوريا. كما تتحدث تقارير روسية وأميركية عن مقتلهم في الغارات الجوية. إلا أن الناجين منهم وفي حال عجزهم عن الانتقال إلى مناطق أخرى تحت سيطرتهم، يتعمدون إخفاء هوياتهم والاندماج بين المدنيين، وتحديداً في صفوف الفارين من المعارك. ويقول الباحث في "منتدى الشرق الأوسط" أيمن جواد التميمي لوكالة فرانس برس إن العناصر الفارين "قد يبقون في الخلف... إذا تمت محاصرتهم أو أجبروا على الخروج، ويذوبون في صفوف المدنيين على نطاق واسع"، وإن كان تقدير نسبتهم بدقة "صعب". ووفق مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمان، فإن من يتسللون بين المدنيين في سوريا غالبيتهم "من المقاتلين السوريين الذين يحاولون الوصول إلى مناطق يتحدرون منها"، أو "يقصدون مخيمات اللاجئين بعد حلق ذقونهم وتغيير لباسهم وإخفاء هوياتهم الحقيقية". في الرقة في شمال سوريا، يشير مصطفى بالي، مدير "المركز الإعلامي لقوات سورية الديمقراطية"، إلى أنه "غالباً يتم اكتشاف من يتخفى بين المدنيين ويخرج كنازح من مناطق الحرب لدى وصولهم إلى المخيمات من خلال قواعد بياناتنا". ويحدث الأمر ذاته في العراق، وفق مسؤولين في القوات الأمنية الحكومية والكردية. وفي محاولة لكشف المتخفين بين المدنيين، تعمد القوات الحكومية والكردية العراقية غالباً إلى نقل النازحين الذكور من مناطق المعارك إلى مراكز أمنية حيث يتم التدقيق في هوياتهم، استناداً إلى قاعدة بيانات وبالتعاون مع مخبرين محليين. ووفق مسؤول محلي في محافظة نينوى التي تعد الموصل كبرى مدنها، "تخفى عدد كبير من عناصر داعش بين الأهالي في أحياء الموصل، خصوصاً في المدينة القديمة" حيث كانوا يقاتلون. وخسر "داعش" في جويلية مدينة الموصل. وجاءت هذه الخسارة لتتوج سلسلة هزائم على الأرض تعرض لها خلال السنة الماضية في سورياوالعراق وليبيا، حيث خسر مدينة سرت الساحلية في نهاية 2016. ويوشك التنظيم المتطرف حالياً على خسارة مدينة الرقة، أبرز معاقله في سوريا، بينما يتصدى لهجومين منفصلين في دير الزور في شرق سوريا، ولهجومين آخرين في الحويجة في شمال العراق والقائم في غربه. وفي مؤشر على هروب عناصره خارج مناطق سيطرته، يلاحظ الباحث في "المركز الدولي لدراسة التطرف والعنف السياسي" تشارلي وينتر تغييراً في أدبيات التنظيم في إصداراته الإعلامية الأخيرة لناحية تساهله مع "الذين يتخذون ملجأ لهم خارج أرض الخلافة". ويقول "المثير للاهتمام في دعاية التنظيم أنه بدأ القول في شكل غير مباشر، لكن لا لبس فيه، إن الهرب من أراضي التنظيم.. لم يعد ممنوعاً". وتعد نسبة المتسللين بين المدنيين "كبيرة"، وفق ما يوضح الباحث العراقي في شؤون التنظيمات الجهادية هشام الهاشمي لفرانس برس، ما يفسر، برأيه، "عمليات الاغتيال وزرع العبوات التي تحصل يومياً" في مناطق أخلاها "داعش". ويخشى التميمي أن "يتحول هؤلاء للعمل كخلايا نائمة أو على تجنيد أشخاص آخرين" لحسابهم. وإذا كان من السهل على عناصر المعارضة المحلية التخفي بين المدنيين، فالأمر لا ينطبق على العناصر الأجنبية الذين قد "يقاتلون أعداءهم حتى الموت عوضاً عن الاستسلام". ويؤكد قيادي في التحالف الدولي أن في الرقة "هناك الكثير من المقاتلين الأجانب الذين لا يريدون الاستسلام ويعتزمون القتال بشدة". فيما يقول الهاشمي إن التنظيم استخدم معظم العناصر الأجنبية في "عمليات انغماسية وانتحارية"، لافتاً إلى أن "عدد من بقي منهم (حياً) قليل جداً". أما في ليبيا، فيقول محللون ليبيون إن الأجانب، سواء كانوا أفارقة أم عرباً، يتخذون وضع العمالة الأجنبية بسهولة. ويقدم "بعض المهاجرين المحبطين"، وفق التميمي، "على الاستسلام على أمل بعودتهم إلى بلدانهم الأصلية". وتؤكد تقارير عدة تمكن مقاتلين أجانب من العودة إلى بلدانهم من دون توفر أي إحصاءات، محذرة من اعتداءات قد يقومون بها في دول غربية. أما من تبقى من عناصر "داعش" في سوريا أو العراق مثلاً، فيتوجهون إلى المناطق الحيوية المتبقية. ويقول وينتر إن "مركز ثقل التنظيم انتقل ومنذ وقت طويل من أماكن كالموصل وتلعفر والرقة إلى مناطق كالميادين والبوكمال" في محافظة دير الزور الحدودية مع العراق. من هنا، يتوقع وينتر أن يكون القتال في تلك المناطق "مفاجئاً بشراسته". ففي العراق، يتخذ عناصر التنظيم حالياً من جبال حمرين الواقعة بين محافظات ديالى وكركوك وصلاح الدين، مقراً. وتتطلب مطاردتهم في هذه المنطقة ذات التضاريس الصعبة جهوداً وإمكانات جبارة. ويتخوف الهاشمي من انتقالهم في الفترة المقبلة إلى "قتال الأيام الزرقاوية (نسبة لأبو مصعب الزرقاوي، زعيم تنظيم القاعدة في العراق الذي عرف بتبنيه المتكرر تفجيرات انتحارية عديدة وعمليات إعدام رهائن)، بمعنى أنهم سيفتحون النار على كل من ليس معهم، بين المنازل، في المطاعم والأماكن العامة". (وكالات)