-"طوابير طويلة وخدمات بطيئة ومواطن أرهقه الركض بين الأروقة لقضاء خدمة أو استخراج وثيقة" تلك هي نظرة أغلب التونسيين للإدارة وخدماتها التي لا يرونها ترتقي لمستوى انتظاراتهم ويؤكدون أن أداءها تراجع خلال السنوات التي تلت ثورة 17 ديسمبر 14 جانفي 2011 . خدمات دون المستوى المطلوب ساهم في تعميقها وفق عدد من قاصدي الإدارات النظرة الاستعلائية لبعض لأعوان والموظفين وعباراتهم التي لا تختلف من إدارة إلى أخرى ومن مؤسسة إلى أخرى من قبيل "ارجع غدوة " و"الريزو طايح" وهي بالنسبة إليهم تعلات يتخذونها للتهرب من المسؤولية وأداء واجبهم. وهذه التشكيات التي تزداد حدة من يوم إلى آخر في صفوف المواطنين تقابلها تذمرات الموظفين من نقص الأعوان والتجهيزات ونفاذ صبر الحرفاء وعدم تفهمهم لطبيعة طلباتهم. وفي هذا الصدد يرى صالح كعباشي (متقاعد من التعليم العالي) أن ما ساهم في تردي الخدمات بأغلب الإدارات التونسية هو عدم إهتمام الموظفين وغياب الجدية والتحلي بالمسؤولية لدى تقديمهم للخدمات المطلوبة منهم. وبين أن المواطن اليوم يجد نفسه من رواق إلى آخر لقضاء شأن لا يستغرق بضع دقائق وذلك بسبب شح المعلومات المقدمة أو التعلات الواهية التي أتى عليها الزمن وولى والتي تدحضها التكنولوجيا التي غزت العالم لتسهيل الخدمات. وأوضح أن بعض الخدمات قد تستغرق من المواطن عدة أشهر لقضائها كما حصل معه عندما كان في حاجة لوثيقة من المقر المركزي لديوان الزيت بالعاصمة لقضاء شأن خاص بملف بولاية قفصة لكن المقر المركزي رفض منحه إياه وأحاله إلى صفاقس للحصول عليها وفق تعبيره. ولفت في هذا الشان الى ان الدولة مطالبة اليوم بتعصير الإدارة ورقمنة خدماتها والتقليص من المركزية التي كبلت الإدارة وجعلت خدماتها محل تشكيات سواء من قبل التونسيين أو المستثمرين الأجانب قائلا ان "البعض ممن لا يقدمون خدمات جيدة ويتلكؤون في أداء واجبهم تجدهم في أغلب الأحيان مكبلين بالإدارة القديمة العميقة وفصول قوانينها التي تجعلهم محل تتبعات ومشاكل في صورة خرقها". من جانبه تطرق لطفي (موظف) إلى التعطيلات والمماطلة التي تتسم بها الخدمات الإدارية وما يستغرقه ذلك من هدر للوقت ليتمكن المواطن من قضاء حاجياته مؤكدا أن خدمات الادراة التونسية قد تراجعت وتردت مقارنة بما كانت عليه قبل الثورة وان ما ساهم في تعميقها هو عدم التحلي بالمسؤولية وغياب الموظفين أو مغادرتهم قبل انقضاء ساعات العمل. أما ريم (عاملة بشركة للنقل) فقد بينت أن ما أساء لخدمة المرافق العمومية هو كل ما اتصل بالجوانب الفنية والتقنية والبشرية كغياب الموظفين وما تعلق بالمحاباة والولاءات والمحسوبية قائلة في هذا الجانب "عندك معارف تقضي خدمتك ما عندكش أرجع غدوة". وهو ما ذهب إليه فتحي التوزري (جزار) الذي اعتبر ان خدمات الإدارة كانت في السابق غير مكلفة ومقبولة لكنها اليوم اختلفت وتدنت لتصبح أكثر سوء وتشهد تعطيلا جراء الطلبات التي تكون أغلبها بمقابل وتحول دون قضاء المواطن لحاجياته رغم إمكانية أن يكون قادما من إحدى الجهات. حسيبة صنديد (معلمة متقاعدة) ترى إن خدمات الإدارة بصفة عامة ليست بالسيئة ولا بالجيدة وتختلف من إدارة إلى أخرى حيث ان بعض الإدارات تتوفر بها آلات اقتطاع التذاكر كما يسعى الموظفون الى تقديم الخدمات اللازمة للمواطن لكن في المقابل هناك إدارات أخرى لا تلبي حاجيات المواطن والخدمات فيها متدنية مما يسبب للمواطن الشعور بالقلق والاشمئزاز دون قضاء حاجياته. وقالت إن المطلوب من الدولة اليوم هو أن تكون عينا ساهرة على الخدمات المقدمة عبر مراقبتها وتقييمها ومحاسبة كل مخل بواجبه ومتسبب في بطئ نسق العمل موضحة أنّ البرامج الإصلاحية التي تحددها الدولة يمكن ان تكون كافية لتعصير الإدارة وتحسين جودة الخدمات لكن شريطة أن تكون بالتعاون مع المواطن باعتباره طرفا في العملية وعليه التفهم في بعض الأحيان. من جهته اعتبر محمد الرويسي (متقاعد من الوظيفة العمومية) إنه لا يحمل فكرة كبيرة عن الإدارة التونسية اليوم وعن نوعية خدماتها المقدمة رغم تطورها عما كانت عنه سابقا لكنه أقر بأن الانضباط هو سر نجاح العمل رغم العوائق التي كانت موجودة والتي تم تجاوزها موضحا ان التسيب الذي يتسم به بعض الموظفين والأعوان هو سبب ما تعانيه الإدارة التونسية مشيرا الى أن هذه المسألة انعكست سلبا على الاداء والخدمات المقدمة . أما سمير شعباني (موظف بشركة تأمين) فقد اعتبر أن الخدمات الإدارية في تراجع مقارنة عما كانت عليه قبل الثورة موضحا انها ليست في المستوى المطلوب وتعاني نقصا وبطءا في الخدمات ونقصا في الأعوان رغم الانتدابات الكثيرة التي جدت بعد الثورة مبينا أن إصلاح الإدارة وتحسين الخدمات يتطلب إرادة جماعية سواء من قبل المواطنين أو الموظفين وليس من مشمولات الدولة وشدد على ان تطوير الإدارة الكترونيا وتعزيز الرصيد البشري لا يمكنه ان يحقق النتائج المرجوة في غياب الالتزام بضمير مهني وعدم التحلي بالمسؤولية.