التونسية (تونس) بين المواطن والإدارة صلح لم يكتمل و«معاهدة سلام» لم تحقق بعد كافة بنودها بالرغم من اجتهادات التطوير ومحاولات التعصير... حيث تستمر المعاناة وتتواصل الشكوى لتبلغ أشدها خلال فصل الصيف وفترة التوقيت الصيفي. ففي الوقت الذي تتضاعف فيه حاجة المواطن إلى الخدمات البلدية على وجه الخصوص لتسهيل إجراءات الزفاف والسفر والعودة المدرسية والجامعية... تزداد حاجة الموظفين إلى الخروج في عطلة سنوية وتشتد رغبة الأعوان في الركون إلى الراحة الصيفية... ممّا يزيد نسق الخدمات الإدارية تعطيلا وتعقيدا... «التونسية» قامت بجولة بين بعض نقاط الإدارة السريعة بالعاصمة في استطلاع لأحوال المواطنين مع الإدارة في فصل الصيف... وعادت بالريبورتاج التالي : اتخذوا من وثائقهم «مروحات» للتزوّد بنفحات من النسمات العابرة عساها تنزل «بردا وسلاما» على وجوه تنضح عرقا وبؤسا وقد سئموا الانتظار لساعات وساعات أمام مكاتب وثائق الحالة المدنية... هكذا كان حال المواطنين داخل عناوين الإدارة السريعة أين ضاق الفضاء عن استيعاب الأجساد المُتراصة في عناء وشقاء وأعيا الوقوف الأقدام في غياب للمقاعد... الإدارة السريعة... بطيئة ! منذ سنة 2005، دعمت الإدارة التونسية «أسطولها « بتجربة جديدة في عالم الخدمات الإدارية وهي تجربة الإدارة السريعة تحت شعار «تقريب الإدارة من المواطن» وبهدف تجنيب المواطن طول الانتظار. فتمّ بعث 17 دائرة بلدية بالعاصمة داخل الفضاءات التجارية الكبرى والمناطق الإستراتيجية لتتولى تقديم جملة من الخدمات الإدارية على غرار استخراج المضامين والتعريف بالإمضاء والنسخ المطابقة للأصل... لكن في السنوات الأخيرة تراجع مردود هذا النوع من الخدمات لتناقض الإدارة السريعة نفسها فتصبح بطيئة. وهذا ما تترجمه الطوابير الطويلة العريضة أمام نقاط الإدارة السريعة والساعات المملة من الانتظار من أجل الظفر بوثيقة بسيطة . وفي هذا السياق قال «فرج» في سخرية مريرة: «من المضحكات المبكيات أن الإدارة السريعة ليست سريعة بل على العكس... فلا شيء يختلف عن خدمات الإدارات العادية فالانتظار ذاته والتعطيل نفسه... فأنا منذ ساعات أنتظر لاستخراج مضمون حتى كلّت قدماي وجف حلقي من العطش... و لكني لا أستطيع مبارحة مكاني وإلا خسرت دوري في الصف .» من «ارجع غدوة»... إلى «ما ثمّاش ريزو» استند إلى الحائط ليريح جسدا أنهكه الوقوف ونفسا أضناها الانتظار الطويل... تطلّع إلى وثائقه دقق في محتواها من ألفها إلى يائها... عاود الكرّة عشرات المرات وكأنه يتسلّى بها من عبث الزمن في أروقة الإدارة السريعة بفضاء «غالاكسي». هكذا كان حال عبد الرؤوف الحكيري (عامل بولاية تونس) الذي جنت عليه إحدى الوثائق بالمكوث لساعات أمام شباك مكتظ بأصحاب الحاجات الإدارية حيث قال :» منذ الصباح الباكر وأنا أنتظر لكن ماذا عساني أن أفعل وحال الإدارة لم ينصلح... فبعد اسطوانة «ارجع غدوة « أبدعوا في خلق أعذار جديدة من قبيل «استنّى شوية» و«ما ثمّاش ريزو»... لذلك فإن المطلوب هو إصلاح جذري في منظومة العمل وتقنيات الاتصال حتى لا تتعطل مصالح الخلق والعباد أكثر فأكثر... » كثيرا ما تتحول الإدارات التونسية إلى مكان للتعارف والتلاقي... فقد يجبر طول الانتظار وإلحاح الملل البعض إلى تجاذب أطراف الحديث مع جيرانه في الصف وشركائه في الموقف... فتطرق أسماعك «سمفونية» ناشز ,غير متناغمة تختلط فيها الأصوات والاهتمامات والنقاشات... التي كثيرا ما تتحول إلى هراء وثرثرة طالما أن الغاية تبرر الوسيلة وهي قتل الوقت ! وفي هذا الإطار اكتفت إحدى السيدات بالتعليق على الموضوع بالقول :» الحمد الله على كل شيء... »خير من بلاش» وعادت إلى حديثها مع مواطنة أخرى عن الأطفال والعودة المدرسية ! «تكركير»... و الوقت ظالم «الإدارة التونسية تخدم على قدر الشهرية» هكذا كان تقييم «حمدان البريكي «(موظف) لخدمات الإدارة التونسية عموما قائلا في تحليل وتشخيص لداء المرفق العمومي في بلادنا: «مشكل الإدارة في القطاع العام أنه ما إن اطمأن الموظف على وضعيته المهنية حتى يتراجع نسق عمله ويضعف معدل أدائه فتتعطل شؤون المواطن, كما ان كثرة الاجازات والغيابات خصوصا في فصل الصيف و«الخلاعة» تربك سير العمل الإداري بصفة ناجعة وسلسلة خصوصا إذا تعلق الأمر بخروج مسؤول كبير في عطلة حيث كثيرا ما يكون نائبه فاقدا لصلاحيات اتخاذ القرار والإمضاء على الوثائق...». و تابع «حمدان»: «لكن يجب ألّا نهضم حق الموظف في هذا الموضوع فتقصير البعض نابع من ضعف الأجر الذي لا يشجع على العمل و ناتج عن خلل التوقيت الإداري الذي يقاس عندنا بالكمية وليس بالمردودية, فيحبس الموظف ساعات طويلة داخل مكتبه دون نجاعة مضمونة في العمل». علامات القلق والسأم كانت بادية على محيّاها وهي تُلوّح بأوراقها في استجداء لبعض النسمات الباردة بعد أن فعلت الحرارة فعلها في جسدها فسالت منه خيوط العرق في استرسال بلا خجل ولا وجل .أمام هذه الوضعية لم يكن أمام «ابتهال» سوى الابتهال الى الله أن يرحمها من «جحيم» الانتظار قائلة: «ربي يرحمنا... فمنذ ساعات وأنا أنتظر والصف طويل والموظف «يكركر»... و لا يوجد لا كراسي ولا مكيف ولا هم يحزنون». طلبات كثيرة... ومكاتب شاغرة موظف متخلق ومواطن متفهم... معادلة صعبة التحقق في الإدارة التونسية !فنادرا ما تطأ قدماك إحدى الإدارات دون أن تكون شاهدا على نقاش حاد, خصومة, وأحيانا «نبزة» أو «سبّة»... بين موظف ومواطن أو بين مواطن ومواطن... ولم تكن الإدارة السريعة بفضاء «البلماريوم» بشاذة عن هذه «القاعدة», حيث كثر الهرج واللغط وعلت الأصوات والنقاشات... بين الموظفات وراء المكاتب والمواطنين في طوابير الانتظار. لكن «شيماء» اختارت سياسة «الديبلوماسية» في التعامل مع عون البلدية لقضاء حاجتها قائلة ل«التونسية»: «في البداية صدتني الموظفة ورفضت تمكيني من طلبي بحجة كثرة وثائقي فقد كنت أريد أن استخرج وثائق مطابقة للأصل ل 9 وثائق , لكن لما رأيت أن رفع الصوت والاحتجاج لا ينفعان استبدلت «استراتيجية «التعامل وصرت أستعطف العون لقضاء شؤوني وأستدر شفقتها... »ثم أشارت إلى ملف في يدها وقالت في انتصار: «وفي النهاية قضيت حاجتي!». «الإجازات الكثيرة والمكاتب الشاغرة هي سبب البليّة في إداراتنا... »هكذا صرّح «علي»(موظف) مضيفا:» عندما يتوّلى الموظف القيام بواجبه فإن حال إدارتنا سينصلح... فالبعض يتركون مكاتبهم شاغرة دون مبرّر لقضاء مآرب خاصة على حساب المصلحة العامة». في فصل الصيف يزداد الضغط على الإدارة التونسية فإلى جانب مهمتها في خدمة المواطنين المقيمين بأرض الوطن عليها تأمين حاجة المواطنين المقيمين خارج حدود الوطن .و في هذا السياق قال «محمد رزق الله»(عامل بالخارج)في استياء:»ما ينقص إدارتنا هو سرعة الانجاز, فأنا مثلا قد احتجت على وجه السرعة إلى «بطاقة تحركات حدودية «لكنهم أخبروني أنه يجب عليّ انتظار 15 يوما لتكون بطاقتي جاهزة في حين أنه عليّ السفر في غضون يومين...». الأعوان: نحن مظلومون في ظل الانتقادات التي تطال خدمات الإدارة السريعة, يدافع من جهتهم أعوان هذه الإدارات عن أنفسهم موجّهين أصابع الاتهام إلى عقلية بعض المواطنين معتبرين أن المواطن نفسه مسؤول بشكل أو بآخر عن تراجع مردود الإدارة السريعة بالمقارنة مع السنوات الأولى منذ انطلاقها وذلك عبر الاعتماد الكلّي على الإدارة السريعة والتخلّي عن المصالح البلدية العادية في حين أنها بعثت للعمليات البسيطة والخدمات السريعة ولا يمكن لعدد محدود من الموارد البشرية والتجهيزات أن يلبي حاجة الجميع . كما احتجت إحدى الموظفات على ظروف العمل في الإدارة السريعة قائلة: «نحن بدورنا مظلومون... وكم طالبنا سلطة الإشراف بتوفير آلة لتوزيع تذاكر الأرقام على الحرفاء حتى يعرف كل مواطن موعد دوره مما من شأنه أن يسمح له بتبديد الوقت في قضاء حاجة قريبة بدل الاضطرار إلى المكوث في صف الانتظار لكن دون استجابة . كما إننا نكون في أحيان كثيرة عرضة للسب والشتم دون وجه حق... فكم من مواطن ينسى إحضار بطاقة هويته ويطالب عنوة بقضاء شأنه دون الاستظهار بالهوية !» و إن كانت تجربة الإداراة السريعة قد حلّت العديد من الإشكاليات والتعقيدات الإدارية فإنها لم تقض على ظاهرة الطوابير وآفة الانتظار وظلت تتأرجح بين حزمة من المساوئ وقلة من المحاسن مما يدل على وجود ضعف في نجاعتها وخلل في مرد وديتها بالرغم من مرور حوالي 15 سنة على بعثها... وربما يكمن الحل في المرور من طور الإدارة السريعة إلى مرحلة الإدارة الإلكترونية. ليلى بورقعة