... بعد حوالي 6 سنوات من «الجري واللهث» وراء ادارات ومسؤولي جهته طلبا للمساعدة، قصد عبد القادر بن دلالة تونس العاصمة لتبليغ ندائه... «في لحظة يأس قررت التوجّه الى العاصمة والتوجه الى أوّل ادارة تعترضني لأبسط مشكلتي وأنشد مساعدة» يتحدث «عم عبد القادر» بعد خروجه من الادارة التي قصدها، مستظهرا بظرفين مغلقين سلمتهما إيّاه هذه الادارة، أحدهما به رسالة موجهة الى فرع الاتحاد التونسي للضمان الاجتماعي بباب سويقة «قصد مساعدته» والثاني به وصل ركوب مجاني الى المنطقة التي يقطنها. شهادة من جملة شهادات عديدة أخرى استمعت لها «الشروق» حول علاقة المواطن بالادارة، لا سيما في بعض المناطق الداخلية وتحدّث فيها أصحابها عن الشوائب التي لا تزال عالقة بين طيّات هذه العلاقة... شوائب بدا أغلبها من جانب واحد، وهو الطرف الاداري، دون ان ينكر بعض المتدخلين أن المواطن قد يخلّ بدوره بهذه العلاقة ويفقد، بسوء تصرّف او بتهاون أو بعدم إلمام بالاجراءات والشكليات أو بنرفزة مفرطة، حقوقا يكفلها له القانون. أما الجانب الاداري، فيختصر علاقة المواطن بالادارة في كلمة واحدة وهي أنها علاقة «شراكة» قبل أن تكون علاقة تحامل وتبادل تهم وتحميل مسؤولية وثقة مفقودة. «في إداراتنا، لم أر لحد الآن وثيقة واحدة يمكن تسلّمها بصفة فورية ما عدا المضمون!» يقول معز... فأغلب الوثائق الادارية إن لم تكن جلّها تتطلب من المواطن أكثر من زيارة واحدة للادارة المعنية وأحيانا تطول المدّة لتصل الى أيام فأشهر فسنوات... وهذا الطول في آجال قضاء الشؤون الادارية «يُصيب المواطن بالنرفزة... فالمواطن المثقّل بطبعه بعدّة أعباء كالشغل والعائلة ودراسة الأبناء والنّقل... ينتظر من إدارته دوما قضاء شؤونه بأسرع وقت، لأنه لا يوجد أحيانا ما يبرّر عدم تلبية مطلبه بصفة فورية أو على الأكثر في اليوم نفسه» على حد قول فاتح السعيدي (موظف ببنك) مضيفا أن بعض الادارات تقدّم خدمات جيّدة في هذا المجال لكن ادارات أخرى تصيب المواطن فعلا بالنرفزة وبالاحباط... وهو ما ذهب اليه وسام فراوة (تقني سام في الاتصالات) بالقول ان طول أو قصر آجال قضاء الشؤون الادارية رهين الخدمة الادارية المطلوبة... فبعض الخدمات والوثائق لا تتطلب فعلا سوى وقت قصير لقضائها في حين ان خدمات اخرى تتطلب مرور فترة معيّنة بين مكاتب الادارة قصد التثبت والتسجيل... وثائق إحضار جملة من الوثائق هو أحد «مقوّمات» العمل الاداري لقضاء أكثر من 90٪ من الشؤون التي يطلب المواطن قضاءها من الادارة... وإذا كانت بعض الادارات وبعض الخدمات الادارية تكتفي بوثيقة، واحدة أو بوثيقتين، فإن ادارات عديدة «لا يحلو لها قضاء خدمة للمواطن إلا بعد أن يُحضر لها حزمة من الأوراق والوثائق المستخرجة من إدارات أخرى والتي تتطلب بدورها وقتا وجهدا وأحيانا أموالا لاستخراجها». يقول ماهر فتني (أعمال حرّة)... فكثرة الوثائق لا تؤدي في نهاية المطاف إلا لنرفزة المواطن ولاصابته بالاحباط ولشعوره بالضعف. فيردّ الفعل أحيانا داخل الادارة من خلال التشابك المادي أو اللفظي مع الموظفين او بعد الخروج... وأكثر من ذلك قد يلحق مضرّة بنفسه على غرار ما حدث مؤخرا في جهة سيدي بوزيد عندما أقدم شاب على حرق نفسه بعد أن أصابته الاجراءات الادارية، وغياب الاصغاء الاداري لمشكلته بحالة من فقدان الاعصاب والنرفزة. ويتساءل ماهر «لماذا تطلب الادارة من المواطن أن يحضر لها وثيقة من إدارة أخرى والحال أنه يمكن، بفضل التكنولوجيات الحديثة، أن تحصل الادارات من بعضها البعض على الوثائق التي تهمّ المواطن عن طريق الأنترنات او الشبكات الالكترونية ولا تطلب من المواطن إحضارها بنفسه... فنضرب بذلك عصفورين أو حتى ثلاثة عصافير بحجر واحد، اختصار الآجال الاقتصاد في الورق الاداري. استقبال وإصغاء... «الخلل في علاقة المواطن بإدارته يبدأ منذ أن تطأ قدماه الباب الرئيسي للادارة... منذ الاستقبال والارشاد والتوجيه... ثم يتسرّب فيما بعد للاصغاء، اصغاء المسؤول للمواطن». هكذا لخّص الناصر السحباني (عون بلدي) شوائب العمل الاداري تجاه المواطن اضافة الى شوائب طول الآجال وكثرة الوثائق فعدّة إدارات لا تحسن للأسف الاصغاء للمواطن وبالتالي لا ولن يمكنها تفهّم مقاصده ونواياه وظروفه وأكثر من ذلك، فإن عدّة إدارات لا تصغي أصلا للمواطن ولا تردّ حتى على رسائله وشكواه، فيشعر المواطن بأن الأبواب موصدة في وجهه وقد يتحوّل الى كرة ملتهبة من الداخل قد تنفجر في أية لحظة. فالمواطن عبد القادر بن دلالة قضى حوالي 6 سنوات يتردد على إدارات ومسؤولي جهته باحدى ولايات الساحل... لكنه لم يقدر على حد قوله على تبليغ استغاثته وعلى مقابلة مسؤول واحد، وهو العاطل المريض والمتكفل بزوجة مريضة و4 أبناء يدرسون مما اضطرّه للنزول الى العاصمة بحثا عمّن يصغي اليه في احدى إداراتها، وبالفعل استمع اليه مسؤولو احدى الادارات وساعدوه! ويجمع المتحدثون ل «الشروق» ضمن هذا «الرويبورتاج» أن ادارات عديدة ما تزال تفتقد لثقافة الاصغاء وهذه حلقة هامة في العمل الاداري لا يمكن دونها نجاح الادارة في أداء مهمّتها وفي ارضاء المواطن وكسب ثقته. فاضل الطياشي أرقام ودلالات خلال 2010، حصل 132 هيكلا إداريا على علامة «مرحبا» لجودة الاستقبال بالمصالح العمومية.. لكن الغريب هو عدم وجود أية ولاية أو بلدية أو معتمدية بهذه القائمة! من المنتظر أن يقع إسناد هذه العلامة سنة 2011 الى 500 هيكل.. وكل الأمل هو أن لا يقع البحث عن «الرقم المرتفع» قبل البحث عن توفر الجودة من عدمها في الادارات المعنية. تمّ وضع برنامج للتخفيض بنسبة 30٪ من العبء الاداري خلال الأربع سنوات القادمة (تقليص الوثائق اختصار الآجال الضغط على كلفة الخدمة الادارية). في إطار تسهيل الخدمات الادارية وتسريعها تمّ مؤخرا حصر 41 حالة تعريف بالامضاء تهمّ 13 وزارة ليقع إلغاء العمل بها. محسوبية... إعلامية... وغيابات الى جانب طول الآجال وكثرة الوثائق وعدم توفّر ثقافة الإصغاء للمواطن ببعض الادارات، يشتكي المواطن عادة من إخلالات أخرى في العمل الاداري على غرار المحسوبية والأكتاف واحيانا الرشوة وأيضا غياب الموظفين وخاصة المسؤولين عن مكاتبهم.. أما أكثر ما أصبح يسمعه المواطن من الموظفين لتبرير عدم قضاء الحاجات الادارية فهو تعطّب الحاسوب أو تعطّب شبكة الاعلامية (الريزو) أو غياب الحبر من آلة الطبع! أو أن المسؤول الذي سيمضي على وثيقة ما في إجازة.. وهي إخلالات لا تؤدي إلا الى إصابة المواطن بالنرفزة والشعور بالظلم وبالاحباط، فتختلف ردود الفعل. مدير المكتب المركزي للعلاقات مع المواطن:«الشراكة»... هي قاعدة اللعبة بين المواطن والادارة تونس (الشروق): قال السيد فتحي بديرة مدير المكتب المركزي للعلاقات مع المواطن بالوزارة الأولى في تصريح ل«الشروق» إن علاقة المواطن بالادارة هي أولا وقبل كل شيء علاقة شراكة.. فقواعد لعبة الخدمات الادارية يجب أن تكون محترمة من الطرفين حتى لا تتحول العلاقة الى تحامل وتراشق بالتهم وفقدان ثقة.. فالموظف أو المسؤول الاداري عليه أن يعي تمام الوعي بأنه بصدد أداء واجب تجاه المواطن بعيدا عن كل الاعتبارات الذاتية وفي حدود ما تسمح به مسؤوليته، فضلا عن ضرورة تحلّيه بحسن الاستقبال واللياقة والنصح والارشاد إن لزم الأمر.. والمواطن عليه أن يعي من جهته بأنه يعيش في دولة القانون والمؤسسات وأن كافة حقوقه في الخدمة الادارية مضمونة، وعليه فقط أن يحسن المطالبة بها من خلال احترام الآجال والوثائق وتجنيب النرفزة وعلاقات الصدام مع الادارة لأن عدة شؤون إدارية تتطلب فعلا آجالا معنية للنظر فيها من قبل لجان ومسؤولين، وهذا في مصلحة المواطن والادارة. فإذا أدّى هذه الواجبات ولم يقع قضاء حاجته فيمكنه عندئذ التشكّي. ويؤكد السيد فتحي بديرة من ناحية أخرى أن عدة إدارات اليوم في تونس أصبحت متميزة بجودة الخدمات وبحسن الاستقبال.. وما على الادارات الأخرى إلا السعي الى اللحاق بهذا الرّكب حتى يمكن تجاوز كل الشوائب التي تعيق العمل الادارية.