قال عبد الرؤوف العيّادي رئيس حركة «وفاء» إن انسحاب الحزب «الجمهوري» من حكومة يوسف الشاهد هو نتيجة «الإفلاس السياسي» الذي تعيشه البلاد، مشيرا إلى أن حزب «نداء تونس» لا يملك رصيدا سياسيا كما أنه استنفد رصيده المالي الذي حصل عليه من الإمارات ومن رجال الأعمال الفاسدين، في حين أن حركة «النهضة» استنفدت رأسمالها المعنوي المتمثل بالدفاع عن الدين والقيم. واعتبر أن «وثيقة قرطاج» هي محاولة من قبل الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي لإحياء فكرة «الوحدة القومية» التي كان ينادي بها الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة، كما قلل من أهمية ظاهرة «الاندماج» التي لجأت لها بعض الأحزاب التونسية، واعتبر أيضا أن دعوة الناطق باسم الجبهة الشعبية حمة الهمامي إلى الاستفادة من التجربة الاشتراكية الروسية «ضحالة سياسية وإفلاس فكري». وكان الحزب «الجمهوري» أعلن قبل أيام انسحابه من حكومة يوسف الشاهد مبررا ذلك ب «استحالة العمل داخلها»، حيث حذر أمينه العام عصام الشابّي من «بروز علامات ردة سياسية تشكل خطرا وتهدد الانتقال الديمقراطي في البلاد». وقال العيادي في حوار خاص مع «القدس العربي»: «تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وحالة الإفلاس السياسي هي التي كانت وراء انسحاب الحزب الجمهوري من الحكومة، فسياسة التوافق القائمة حاليا هي صناعة فرنسية، كما أن النهضة ونداء تونس هما مجرد أداوت (للغرب)، فنداء تونس هو عبارة عن شركة ليس لديها رصيد سياسي، وقد انتهى بانتهاء رصيده المالي الذي حصل عليه من الإمارات ومن رجال الأعمال الذين يطالبون بقانون الإفلات من العقاب (المصالحة)، كما أن النهضة التي تنفذ توصيات القوى الكبرى بألا تكون في صدارة المشهد، هي أيضا استنفدت رأسمالها المعنوي المتمثل في الدفاع عن الدين والقيم». وأشار إلى أن الجمهوري اكتشف متأخرا أنه تم التلاعب به داخل الائتلاف الحاكم، معتبرا أن وثيقة قرطاج «ليست وثيقة سياسية بل إحياء لفكرة «الوحدة القومية» التي كان ينادي بها بورقيبة حيث كان يعتبر أن هناك قومية تونسية، والباجي قائد السبسي ليس له فعليا أية إضافة بل طرح نفسه ظلا لبورقيبة وأراد إعادة إحياء الماضي عبر ما سمّاه «الوحدة الوطنية». وأضاف «أؤكد مجددا أن وثيقة قرطاج فارغة من أي برنامج سياسي، وهي محاولة لتأكيد التوافق الذي جرى بحضور المسؤول الكبير (وفق تعبير قائد السبسي) أي القوى الغربية الكبرى التي أرادت إعادة المنظومة القديمة وهي منظومة تبعية وتطبيع مع الكيان الصهيوني للفوز برضا الغرب أو الشرعية الخارجية، فهي ليست بحاجة لشرعية شعبية بقدر ما هي بحاجة لشرعية الدول الغربية». وكان عدد من السياسيين التونسيين، بينهم عصام الشابّي والوزير السابق عبيد البريكي، حذروا مؤخرا من تحول وثيقة قرطاج التي أفضت لتشكيل حكومة الوحدة الوطنية إلى «بيان 7 نوفمبر جديد»، في إشارة إلى البيان الذي تلاه الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي في إثر انقلابه على الحبيب بورقيبة. وعلّق العيادي على ذلك بقوله «أوافق على هذا الطرح خاصة أن الوثيقة تتضمن مجموعة من الشعارات لا تتضمن أي برنامج يستجيب لتطلعات الشعب، ففي تونس حدث منعطف في التاريخ وهو الثورة التي لها استحقاقاتها، وقد وصل بهم الأمر لينكروا وجود ثورة، فقائد السبسي قال إنها قوس أغلقناه». وأضاف «نظام الحكم الآن هو عبارة عن تحالف لمجموعة من العجزة وهو يشتغل خارج سياق التاريخ، ولذلك ثمة إحساس كبير لدى الشباب التونسي أن هذا النظام غريب عنه، لذلك ترى الشباب جميعهم يفكرون في الهجرة غير الشرعية، فهذا تعبير عن يأس من هذه المنظومة التي لم تطرح أي برنامج يستطيع الشباب أن يجد نفسه فيه ويمثل تطلعاته ويفتح الآفاق أمامه، حتى على مستوى الخطاب السياسي هناك إفلاس كامل، فعندما تطرح مسألة الوحدة الوطنية لا بد أن يكون لديك خطاب قابل للنفاذ إلى وجدان الناس ليتجاوب الشعب معه، وهذا غير موجود حاليا». وحول لجوء عدد من الأحزاب السياسية ك «التيار الديمقراطي» و»التحالف الديمقراطي» للاندماج في مرحلة أولى لتجميع الأحزاب الديمقراطية، قال العيادي «لا أعتبر هذا حدثا مهما، بلا شك نحن بحاجة إلى تيار ثالث في تونس، لكن هذا التيار الجديد لا يمكن أن يتشكل من أحزاب تتبع في رؤاها ومرجعيتها إلى الأحزاب الاشتراكية الفرنسية أو ما يسمى بالاشتراكية الديمقراطية الغربية، فالبلد بحاجة إلى حزب يرتبط بتاريخه في التحرر الوطني ومواصلة بسط سيادة الدولة على الثروات والتشريع لأن الاتحاد الأوروبي يملي علينا التشريعات الآن بكل وقاحة». وأضاف «لا بد أيضا من مواصلة استحقاقات الثورة في تفكيك منظومة الفساد، لأن ما حصل هو أنهم اعتبروا الفساد ظاهرة جانبية كما هو عليه الحال في الدول الغربية، في حين أن الفساد في تونس منظومة سابقة حكمت البلد لستة عقود، على أساس تخريب معنوي تمثل بغلق جامع الزيتونة وغيره من الشعارات التي كانت تستهدف هُوية البلد، وفساد سياسي لأنهم كانوا يعتبرون أنفسهم أنهم أمة وحدهم ولا ينتمون لأمة، والسياسة حينها قامت على الزعيم الملهم والديكتاتورية التي تقصي كل الطاقات، حيث شنوا حربا بوليسية على كل التيارات التي تحاول الانتقال من الطرح الأيديولوجي إلى السياسي، وهذا أعاق كل بناء سياسي حقيقي في مستوى المجتمع، ونحن نعيش نتائجه الآن». وكان حمّة الهمامي الناطق باسم «الجبهة الشعبية» دعا مؤخرا إلى الاستفادة من التجربة الاشتراكية الروسية، مشيرا إلى أنها «برغم انتكاستها، غيّرت صورة العالم في مجال صلابة التنظيم الفكري والنظري وتوضيح الرؤى السياسية وانصهار الطبقات الكادحة والعاملة في أخذ المواقف والقرارات التي من شأنها أن تعزز قدرات الدولة». وعلّق العيادي على ذلك بقوله «في تونس ثمة من هو مرتبط بتجربة الحزب الاشتراكي الفرنسي وهو ما يسمى التيار الديمقراطي، وهناك من كان مرتبط بالحزب الشيوعي الفرنسي أو الروسي، وهذا كله خلّف تبعية وإفلاسا فكريا وضعفا في التحليل، لأن كل تجربة تاريخية لها فرادتها ولها ديناميكيتها الخاصة بها فلا يمكن إسقاط التجربة الروسية على التجربة التونسية، وشتان بين التجربتين، وهذه (الدعوة للاستفادة من التجربة الروسية) تدل على الضحالة السياسية لدى هذه الطبقة التي هي في الحقيقة أيديولوجية أكثر منها سياسية، يعني هي تلوك شعارات أيديولوجية ولكن في مستوى الدراسات الاستراتيجية والحس العملي وفهم التاريخ الحديث للشعب التونسي وقضاياه الكبرى لم تستوعب شيئا». وحول الدعوات لتشكيل كتلة برلمانية نسائية اعتمادا على سيطرة «النزعة الذكورية» على البرلمان التونسي، قال العيادي «هذه إملاءات أوروبية على أساس أنهم يشجعون كل اشتراك للمرأة على مبدأ المساواة بين النوعين، في حين أننا في تونس لا المرأة ولا الرجل لهما تجربة سياسية، وبالتالي فتكوين هذا النوع من الكتل هو عبارة عن عبث واستجابة لإملاءات خارجية لا أكثر ولا أقل، كما أن التسويق لصورة المرأة التونسية على أنها برلمانية فاعلة ولها مشاركة كبيرة غير صحيح، ومن ثم كيف يمكن لكتلة نسائية أن تحقق إضافة بالنسبة لتونس في ظل هذا الإفلاس السياسي الكبير الذي نعيشه؟».