رغم تأكيد الحكومات المتعاقبة بعد الثورة على الخطورة التي تتهدد الميزانية العمومية و ديمومة الدولة اذا ما تواصل العمل بالمنظومة التقليدية للدعم ورغم إعلانها عن برنامج إصلاحي يهدف إلى صرف الدعم لمستحقيه فإن المرور من التنظير الى التطبيق ظل يمثل هاجسا كبيرا للجميع الذين يتوجسون خيفة من ردة فعل الشارع ومن استغلال بعض التيارات السياسية مثل هذا قرار للمزايدة عليهم في بلاتوهات الإذاعات والتلفزيونات وفي الساحات العمومية وعند المواعيد الانتخابية . إن إهدار إمكانات البلاد بإنفاق أموال طائلة دون وجه حق لغير مستحقيها من الطبقة الفقيرة والمتوسطة عوض صرفها في التنمية بات ينذر بعجز عن تسديد القروض من شانه أن يوصل البلاد إلى حافة الإفلاس وقد ارتفعت حصة الدين لما يناهز الثمانين بالمائة من ميزانية دولة بات جلها ينفق على الدعم والأجور في زمن تحوّلت فيه الدولة من ميّسر لمواطن الشغل إلى موفّر للرواتب فيما لا يقابل ذلك أيّ جهد يبذل . ففي الوقت الذي يخشى فيه السياسيون ردة الفعل عند وخز إبرة حقنة العلاج يتناسون أن في الحقنة شفاء ينقذ حياة البلاد والعباد من نهاية مأسوية بتنا على مشارفها جراء الخوف المبهم لقادة هذا الوطن رغم ان وصفة العلاج واضحة وشفافة ويمكن ان تعيد الانتعاشة لاقتصادنا بأسرع وقت ممكن .. قد لا يبتدع ساستنا شيئا عندما يوجّهون الدعم لمستحقيه وفق منظومة شفافة تساوي بين كل التونسيين في الواجبات وفق ما يقتضيه منطق الأشياء بعد أن تمتعوا بكل الحقوق فليس من العدل في شيء أن يقود أصحاب السيارات الفخمة ذات المحركات المفرطة في استهلاك الطاقة سياراتهم متمتعين بالوقود المدعوم والمخصص لفائدة العائلات متوسطة الدخل وللفلاحين ولغيرهم من محدودي الدخل ..وليس من العدل أن يأكل الأثرياء من خبز وعجين الفقراء المدعومين ويرفقون ذلك بالكافيار وجراد البحر الملكي وليس من العدل أن يتدفأ ساكن القصر بنفس تسعيرة الغاز التي يسددها ساكن شقة السبعين مترا مربعا أو ساكن كوخ في أقاصي البلاد فتسدد له الدولة ثلثي استهلاكه. إن تونس التي أنجزت ثورة سلمية ونجحت في تحقيق انتقال ديمقراطي استثنائي بين دول الربيع العربي لا يحق لها أن تتهاوى تحت وطأة خوف ساستها او تحت ضغط الشعبوية المقيتة ..لقد آن الأوان للمرور من التنظير إلى التنفيذ وسيحفظ التاريخ لمن ينفذ ذلك كونه أنقذ البلاد من الإفلاس .