بلغ معدل تغطية حاجياتنا من العملة الصعبة عند التوريد نهاية الأسبوع الجاري حدودا دنيا لم تبلغها خزينة البنك المركزي منذ سنوات طوال بما يكشف عن تراجع محسوس في مدخراتنا سيما بتزامن ذلك مع ارتفاع حجم سداد القروض خلال السنة الجارية ونقص مردود التصدير جراء تعطل أو تراجع إنتاج الفسفاط والبترول. يحدث ذلك في الوقت الذي كانت الحكومة قد تقدمت منذ أشهر لمجلس نواب الشعب بمشروع قانون لتسوية مخالفات الصرف يخص المالكين لحسابات أو مكتسبات بالخارج لم يصرحوا بها وكذلك الذين لم يدخلوا عائدات تلك المكاسب إلى تونس كما يشمل الماسكين لعملات في شكل أوراق نقدية أجنبية بطرق غير قانونية.. والجميع يعلم حجم العملة الصعبة التي تتوفر في السوق الموازية من جهة وحجم الأملاك والحسابات وعائداتها الموجودة بالخارج التي يتجنب أصحابها التصريح بها من جهة أخرى لان القانون التونسي يمنعهم من ذلك ويجبرهم على إعادتها إلى تونس. ويهدف مشروع القانون إلى إعادة المداخيل والمحاصيل والمكاسب الموجودة بالخارج إلى البلاد التونسية وإيداع العملات الموجودة بتونس في حسابات بنكية بالعملة الصعبة أو تحويلها إلى الدينار التونسي ويمكن عند الاحتفاظ بها بالعملة الصعبة استخدامها للاستثمار أو لتغطية النفقات بالخارج.. شرط أن يتولى صاحبها التصريح على الشرف يقر بمقتضاه المصدر غير الإجرامي لتلك المكتسبات في إطار مراعاة المبادئ الأساسية لمجموعة العمل المالي لتجنب أن يتحوّل القانون إلى مطية لتبييض الأموال. إن الظرف الخاص الذي تمرّ به البلاد يوجب على نواب الشعب الإسراع بالنظر في مشروع قانون تسوية مخالفات الصرف ضمانا لتوفير سيولة نقدية من العملة الصعبة تونس في أمسّ الحاجة لها في هذا الظرف بالذات الذي تراجع فيه الدينار بشكل مذهل وفي الوقت الذي نمت فيه السوق السوداء وازدهرت معها التجارة الموازية وكل أشكال المخالفات الاقتصادية التي ترهق اقتصادنا وتساهم بطريقة أو بأخرى في ضخ الدماء في عروق المهربين وجعلهم ملقّحين ضد حملات مكافحة الفساد. لقد تأكد أن سياسة البنك المركزي المتبعة منذ سنوات طوال في مجال تقييد مسك العملة الصعبة لم تخلق غير المزيد من المهربين والمضاربين والمخالفين للقانون وقد آن الأوان اليوم لمراجعة تلك القوانين واعتقادنا أن مشروع قانون لتسوية مخالفات الصرف يكون اللبنة الأولى في مجال الانفتاح النقدي المطلوب.