قال المؤرخ والمحلل السياسي د. عبد اللطيف الحنّاشي إن تونس أمام فرصة تاريخية لتأكيد ريادتها على المستوى العربي والإسلامي في مجال حقوق المرأة عبر انتخاب مرشحة حركة «النهضة» سعاد عبد الرحيم على رأس أكبر بلدية في البلاد (شيخ بلدية تونس)، داعيا جميع الأحزاب للتوافق حول انتخاب عبد الرحيم التي أكد أنها مرشحة مستقلة «وإن كانت قريبة من النهضة». كما استبعد، من جهة أخرى، حدوث تغيّير كبير في المشهد السياسي بعد الانتخابات البلدية، مشيراً إلى أن حزبي «النهضة» و»النداء» فقدا كثيراً من رصيدهما الانتخابي، لكنهما سيستمران في تصدر المشهد التونسي لفترة طويلة، و»قد يلجأ الباجي قائد السبسي إلى إعادة ترتيب البيت الداخلي لنداء عبر إزاحه نجله وضم مجموعات سياسية جديدة له، بهدف إعادة التوازن في الساحة السياسية». وقال الدكتور عبد اللطيف الحناشي في حوار خاص ل«القدس العربي»:» إذا كان حزبا نداء تونس والنهضة يفكران بشكل جدي في المحافظة على ريادة تونس في مجالات متعددة ومنها الانتقال الديمقراطي الناجح وحقوق المرأة، فسيكون من الأفضل والمستحسن أن يتوافقا مع الأحزاب الأخرى على انتخاب امرأة ك»شيخة للمدينة» لأول مرة في تاريخ تونس وربما في العالم العربي والإسلامي، وهذا يدعم التوجه العام لرئيس الجمهورية ونداء تونس أيضاً الذي يطالب بتطبيق قانون المساواة في الميراث بين الجنسين، كما أن سعاد عبد الرحيم هي مرشحة مستقلة وإن كانت قريبة من النهضة». وكانت شخصيات حقوقية ونسائية دعت إلى تشكيل «تكتل نسائي» لدعم مرشحة النهضة لمنصب رئيس أكبر بلدية في البلاد، أو ما يُعرف ب»شيخ مدينة تونس»، مطالبة الأحزاب السياسية بالنأي عن الخلافات الحزبية والالتفاق لتعزيز مكاسب المرأة التونسية. وشهدت نتائج الانتخابات البلدية في تونس بعض المفاجآت، أبرزها فوز حركة النهضة بنسبة 27.5 متفوقة على حليفها ومنافسها التقليدي «نداء تونس» الذي اكتفى بنسبة 22.5 في المئة وفق استطلاعات الرأي، فيما حققت القائمات المستقلة مفاجآة من العيار الثقيل تجلت بفوزها بأكثر من 32 في المئة (المرتبة الأولى) وفق مصادر تابعة لهيئة الانتخابات. وعلّق الحناشي عى ذلك بقوله «أغلب الأحزاب سجلت تراجعا على صعيد الجسد الانتخابي (نسبة المصوتين للحزب) فرغم أن النهضة احتلت المرتبة الأولى، لكنها فقدت منذ 2011 حوالي مليون صوت، وكذلك الأمر بالنسبة لنداء تونس، وإن كان هذا الأمر مفهوما للنداء الذي شهد استقالات وانشقاقات وخروج أربعة أحزاب منه، ولكنه يضع نقطة استفهام عند النهضة التي تمتلك نواةً صلبة وتنظيماً كبيراً، ولكن أعتقد أن هذا التراجع جاء من قبل المناصرين والأصدقاء، إذاً يبدو أن النواة الصلبة للحزب حافظت على وجودها، مع الإشارة إلى تعزيز بعض الأطراف السياسية كالتيار الديمقراطي والجبهة الشعبية (بنسبة أقل) لمكاسبها الانتخابية». واعتبر أن خيار التوافق بين جميع الأحزاب الفائزة (وخاصة النداء والنهضة) أمر لا مفر منه لإدارة الشأن المحلي في البلاد «لأن التركيبة (ضمن المجلس البلدي) ستكون مختلطة، فهناك النداء والنهضة والتيار الديمقراطي والجبهة والمستقلون وغيرهم، بمعنى أن غالبية البلديات لن تكون متجانسة ولن يسيطر عليها حزب واحد، وهذا يفرض وجود توافق بين الحزبين الكبيرين، وخاصة في الولايات الكبرى التي حققا فيها انتصارات، وعموما بعض قيادات النهضة عبّرت عن استعدادها للتوافق». ويرى بعض المراقبين عزوف ثلثي الناخبين عن المشاركة في التصويت يمثل «عقابا» للأحزاب التونسية وخاصة حزبي «النداء» و»النهضة»، فضلاً عن لجوء البعض للتصويت للمستقلين بسبب تراجع الثقة بالسياسيين. وعلّق الحناشي على ذلك بقوله: «أنا أخالف هذا الرأي، لأن هناك خصوصية في الانتخابات البلدية التي تختلف عن الانتخابات التشريعية (البرلمانية) والرئاسية، ففي كل تجارب الانتقال الديمقراطي عامة وحتى في الديمقراطيات العريقة كفرنسا والمانيا وغيرها، لا تتجاوز نسبة المشاركة في الانتخابات البلدية 40 في المئة، كما أن السياسيين يركزون بشكل أساسي على الانتخابات التشريعية والرئاسية. ولكن هذا لا ينفي وجود نوع من العزوف قد يكون تلقائياً، وخاصة أنه لم يتحقق في البلاد في سنوات ما بعد الثورة إنجازات كبيرة بالنسبة للمواطن الذي لا يفكر إلا في معيشته وحياته اليومية ولا تهمه كثيراً الإنجازات الكبرى كالطرقات والجسور وغيرها» ويوضح أكثر بقوله «ولكن لا أعتقد أن المسألة تصل إلى العقوبة وإنما خصوصية وطبيعة الانتخابات البلدية كما أسلفت، كما أن وسائل الإعلام لعب دورا نسبيا، فالاختلاف الذي حصل بينهما وبين هيئة الانتخابات حول عملية الإشهار، دفع بعضها لمقاطعة الانتخابات البلدية ولذلك كانت الحملة الإعلامية باردة نسبيا، حتى عملية الاستقطاب كان تتركز فقط على يومي السبت والأحد وآخر أيام الحملة الانتخابية، فضلا عن نسبة الإحباط والأوضاع العامة في البلاد». وحول النجاح الكبير الذي حققته القائمات المستقلة في الانتخابات البلدية، قال الدكتور عبد اللطيف الحناشي «يجب التمييز بين ثلاثة أنواع من القائمات المستقلة، فهناك قائمات مستقلة حقيقة أي لا ارتباط حزبي لديها لا سابقا ولا حاليا، وهناك قائمات كان لديها ارتباط بأحزاب سياسية واختلفت معها حول قضايا معينة ودفعها ذلك للمشاركة بقائمات منفردة، وهناك قائمات حزبية ولكن مستترة أي تم تشكيلها من قبل بعض الأحزاب لتبدو وكأنها مستقلة ولكنها في الواقع تابعة لهذه الأحزاب. وعموما القائمات المستقلة سجلت حضورات كبيرا ولافتا (بنسب متفاوتة) في كافة أنحاء البلاد، ولكن السياسة لا تحدث فيها تغييرات عميقة بواسطة المستقلين ومنظمات المجتمع المدني، وإنما من خلال الأحزاب التي تلعب دورا أساسيا داخل الحياة السياسية، فدون أحزاب لا يمكن أن تتطور الحياة السياسية». من جانب آخر، استبعد الحناشي حدوث تغيير كبير داخل المشهد السياسي في تونس، مضيفا «لا أعتقد حصول تغيير كبير وإنما سيحدث تغيير من حيث اندفاع الناس ونسبة التصويت، فالنهضة ستبقى في مركزها ولكن مع تقلص حجمها (كما حدث ما بين الانتخابات التشريعية في 2011 و2014)، وقد يكون الأمر أسوأ في نداء تونس، كما أن التيار الديمقراطي يتقدم ويكبر، والجبهة الشعبية بنسبة أقل». واستدرك بقوله «ولكن ربما يبرز تكتل أو حزب جديد قبل انتخابات 2019 أو قد تلتحق مجموعات أخرى بنداء تونس، لأنه بعد الانتخابات البلدية حصلت رجة قوية داخل نداء تونس وربما يقوم رئيس الحزب السابق (الرئيس الباجي قائد السبسي) بإعادة ترتيب البيت الداخلي للنداء وقد يفاجىء الجميع بتنحية ابنه أو إيجاد صيغة ما بإرجاع نوع من التوازن في الساحة السياسية وكل الاحتمالات واردة، ولكن نداء تونس والنهضة – مهما حدث- سيبقيان إلى وقت طويل يتصدران المشهد السياسي وهذا الأمر تتحكم فيه عوامل ذاتية تتعلق بوجود الشيخين (الغنوشي وقائد السبسي) على رأس الحزبين، بما يلمكانه من كاريزما وشرعية تاريخية ونضالية».