هل نضج محسن مرزوق سياسيا؟ أم أن ما يأتيه هذه الأيام مجرد مناورات وتكتيك سياسي؟ هل يمكن لمرزوق أن يكون عنصر تجميع حقيقي؟ أسئلة تجد ما يبررها بعد التحولات الواضحة في مواقف الأمين العام لحركة مشروع تونس محسن مرزوق حيث لم يعد الصراع عنده ذاك الذي يقوم على خلق عدو سياسي بقدر ما أصبح أساسا حول الدستور، وبالدستور. محسن مرزوق خرج ليؤكد ان الصراع الايديولوجي انتهى وأن الواقع الراهن يتضمن أساسا إعادة ترتيب الواقع على قاعدة الترفيع في الوعي السياسي الذي «بلغ الحضيض» على حد قوله، وقد كتب في هذا السياق «يبدو أن الوعي السياسي عند البعض قد وصل مستوى الحضيض». وجاءت هذه المقولة في تدوينة نشرها عبر صفحته الرسمية ب«الفيسبوك» حيث كتب أنه «في السياسة، تلتقي أصدقاءك ومنافسيك وخصومك. فقط من قناعات غير قوية كفاية يخاف المرء من الحديث مع من يختلف معه في القناعات. وبقدر ما تلتقي بقدر ما تعرف، وبقدر ما تعرف تفهم، وبقدر ما تفهم تخطط». مرزوق لم يكتف بالتدوين، بل خرج الى الاعلام ليتحدث عن «مواقفه الجديدة»، حيث أكد في حوار نشره موقع «آخر خبر أونلاين» أن التحديات الجديدة لها أولوية مطروحة أمام»الحركة الوطنية المعاصرة» غير التي كانت لها الأولوية قبل إعلان الدستور التونسي. وقال مرزوق «إن الصراع الإيديولوجي الذي كان عنوانا ل«المنازلة» بين الأطراف المختلفة قد تم تجاوزه لأن الدستور استوعب «الملفات التي كانت موضوع هذه المنازلة». وبيّن أن ملفات الهوية والحريات الفردية ودور المرأة والدولة الوطنية استوعبها الدستور، فمكّن التونسيات والتونسيين من المكاسب التي نصت عليها مواثيق حقوق الإنسان الدولية، وعليه فإن «المنازلة الإيديولوجية» السابقة تراجعت عن صدارة المشهد السياسي وتركت مكانها لتجسيد القيم التي تضمنها الدستور. كما كشف الأمين العام لحركة «مشروع تونس» في حوار تلفزي أول أمس «أن الخلاف القائم بين مختلف الفواعل السياسية والحزبية لا يجب ان يكون على قاعدة الخلاف الإيديولوجي بالأساس، إنما يجب ان يكون على قاعدة احترام مضامين الدستور ومخرجاته وهو ما سيمكننا من تحقيق التقدم الإقتصادي والإجتماعي». وأضاف مرزوق في تصريح ل«الصباح» أن خلق التنافس السياسي مسألة صحية في تعاطي الأحزاب وتفاعلاتها اليومية ومن الواجب أن يتحول ذلك التنافس الى البحث المتواصل حول أفضل طريقة لخدمة التونسيين، أما من أراد استعمال الإيديولوجيا في الصراع السياسي فيجب الرد عليه دستوريا. واعتبر أن التحدي أمام الحركة الوطنية المعاصرة اليوم ليس الصراعات الإيديولوجية القديمة، وإنما أن تكون لها الكفاءة للحكم وأن يقود مشروعها إلى التقدم، مؤكدا «أننا نعرف منافسينا وخصومنا السياسيين ونريد أن يكون تنافسنا معهم على قاعدة البرامج والرؤى لا الإتهامات والتشويهات الإيديولوجية. وإن من مصلحة كافة فرقاء السياسة التونسية الحيوية الحفاظ على الدولة ومواجهة تهديدات مافيات الفساد». وكان محسن مرزوق قد تحادث في وقت سابق مع رئيس مجلس شورى حركة «النهضة» عبد الكريم الهاروني، وهو أمر لم ينكره الأمين العام ل «مشروع تونس» حيث أكد في تصريح له على موقع «آخر خبر أونلاين» خبر اللقاء، وقال في هذا السياق «إن السياسة حوار» وإنه يتحدث «مع الحلفاء والمنافسين في المنابر الإعلامية والبرلمان وغيرها» مشيرا إلى أن «الحوار هو طريقة إدارةالتنافس في السياسة وإنه مستعد دائما للحوار». مرزوق.. الشاهد.. قائد السبسي الابن حاول مرزوق النأي بنفسه وبحزبه وبالكتلة البرلمانية ل»مشروع تونس» عن الصراع الدائر بين المدير التنفيذي لحزب «نداء تونس» ورئيس الحكومة يوسف الشاهد. موقف الحياد الذي اتخذه مرزوق جنبه انفجارا داخل الكتلة، فبعد أن انتصر الامين العام لموقف نداء تونس والداعي الى الإطاحة بمقترح يوسف الشاهد في تعيين وزير للداخلية، وبعد ان اتخذ من إسقاط حكومة الشاهد موقفا واضحا، عاد محسن مرزوق ليعدل أوتار مواقفه، وقال في اجتماع له بجهة منوبة إن حزبه «لن يشارك في الصراعات والانقسامات ولن يكون مع طرف سياسي ضد آخر»، مبيّنا أن «استفحال الأزمة السياسية يستدعي الرجوع إلى طاولة الحوار بين الأطراف المتناحرة والنظر في أحسن السبل لحلحلة الأزمات في شتى وجوهها». تراجع مرزوق عن دعم قائد السبسي الابن سبقه انقسام داخل كتلة المشروع وانسحاب عناصر من الكتلة والتحاقهم بكتلة «الائتلاف الوطني» رفضا لسياسة العودة للنداء،وتبدو محاولة مرزوق خلق توازنات داخل حزبه واضحة وجلية بعد أن أوقف نزيف الاستقالات التي كادت تعصف ب»المشروع». ويبقى السؤال الأهم: هل تغير مرزوق فعلا دون أن يقدم مراجعاته؟ أم أن مواقفه مجرد انحناءة حتى تمر العاصفة؟ خليل الحناشي