وصف القيادي بحزب حركة نداء تونس عبد الرؤوف الخماسي التحوير الوزاري في حكومة يوسف الشاهد ب«الانقلاب على الدستور والالتفاف على الانتقال الديمقراطي» معتبرا أن ما حصل هو في الواقع استخفاف واضح بالعرف السياسي وضرب للتجربة التونسية الناشئة. وقال الخماسي في حوار ل«الصباح» ان الأسماء الندائية المشاركة في الحوار خالفت التمشي العام للحزب متوقعا في هذا السياق أن تتم معاقبة الوزراء المخالفين لقرار الحزب. وعن علاقة النداء بالنهضة أوضح الخماسي «نحن متمسكون بقاعدة الحوار مع الجميع حتى نغلق الباب نهائيا أمام أدنى إمكانية للعودة للماضي وآلامه لأننا ننظر إلى المستقبل وآماله». * كيف تنظر كقيادي في حركة «نداء تونس» للتحوير الحكومي الذي أعلن عنه أول أمس رئيس الحكومة يوسف الشاهد؟ - أنا لن أتوقف عند الأسماء ولن أتساءل هل وقع تقييم موضوعي لأداء أعضاء الحكومة أم لا رغم أهمية هذه النقاط في عمل حكومة تحترم نفسها. ما أود التوقف عنده هو ما طبع هذا التحوير من استخفاف بالأعراف ومن اعتداء على المؤسسات وهو ما يمثل في العمق استهدافا لمسار الانتقال الديمقراطي والتجربة التونسية الناشئة والتي تمثل مصدر أمل لتونس ولعدة شعوب في الوطن العربي. إن ما أقدم عليه يوسف الشاهد يمثل «سابقة» لم تعشها أي دولة ديمقراطية في العالم اذ لأول مرة يقصى حزب فاز في الانتخابات التشريعية من المشاركة في الحكم، وهي مفارقة غريبة لا أفهم كيف يقبلها أصدقاؤنا في حركة النهضة الذين عانوا من الإقصاء والتهميش والذين يؤكدون دوما أنهم يحرصون على احترام الديمقراطية والقواعد التي تقوم عليها. * ولكن، هناك ندائيون حافظوا على مواقعهم في النسخة الجديدة لحكومة يوسف الشاهد... ألا يدل ذلك على «قبول» حركة «نداء تونس» لهذا التحوير؟ - لم يقع التنسيق مع حركة «نداء تونس» بأي شكل من الأشكال. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى لقد سبق وأن أصدرنا موقفا أكدنا فيه اننا نرفض الأسلوب الذي تم اعتماده في الإعداد لهذا التحوير ونرفض خاصة كل شكل من أشكال السعي لتجاوز دور ومكانة رئيس الجمهورية ومؤسس الحركة الباجي قائد السبسي. ومن هذا المنطلق فان الذين اختاروا المناصب الحكومية على حساب الانتماء الحزبي والالتزام النضالي قد وضعوا أنفسهم خارج هياكل «نداء تونس» وستجتمع الهيئة السياسية قريبا للنظر في هذا التجاوز واتخاذ ما يناسبه من قرارات. وهذا التمشي ليس اعتباطيا أو انفعاليا بل سبق وان حملنا الجميع مسؤولياتهم والأرجح انه سيقع ابعاد هم عن الحركة. * ألا تخشون أن يزيد ذلك من دعم مكانة يوسف الشاهد ومناصريه داخل حركة «نداء تونس»؟ - هذه قراءة من خارج الحركة لأن يوسف الشاهد لم يكن إطلاقا قياديا أو رمزا من رموز حركة «نداء تونس» ولم يلتحق بالحركة الا بعد تأسيسها بفترة، وبالتالي لا قدرة له على التأثير على مجريات الأمور داخل الحركة، بل أعتقد ان ما أبداه من استخفاف بالندائيين ومن تحد صارخ للمؤسس وللهياكل لن يزيده الا ابتعادا عن الندائيين الحقيقيين خاصة وانهم يتابعون عن كثب حرصه على الاقتراب من منافسهم السياسي حركة النهضة. انا متأكد ان هذا التحوير سيمثل محركا ايجابيا للندائيين وسيزيد من نسق استعدادهم للمحطات الانتخابية القادمة . * تتحدث وكأن النداء حزب متجانس والحال انه يعاني من اختلافات مردها رفض البعض للانصهار مع الاتحاد الوطني الحر.. أليس هذا عامل آخر من عوامل الأزمة الداخلية للحركة؟ - استيعاب حركة «نداء تونس» للاتحاد الوطني الحر هي حاليا عاملا من عوامل الاستقرار والإضافة الايجابية بالنسبة للنداء. * هل تنفون وجود توتر داخل النداء؟ - نعم، لا وجود إطلاقا لأي شكل من أشكال التوتر حيث شهدت الحركة حيوية ونشاطا هامين على المستويين الوطني والمحلي خاصة وأن عددا من الاخوة والاخوات المنتمين سابقا للاتحاد الوطني الحر قد قدموا الإضافة من خلال انضباطهم وعمق تكوينهم وحرصهم على إنجاح هذه التجربة بوصفها خطوة هامة لإعادة التوازن للحياة السياسية، وهو توازن لا يفيد النداء بل تستفيد منه تونس وتجربتها الناشئة، لأن كل اختلال في التوازن أو «تغول» طرف سياسي على حساب الآخرين ينسف الأسس التي تقوم عليها تجربة الانتقال الديمقراطي بوصفها تجربة تقوم، إلى جانب شفافية التنافس الانتخابي، على قبول التعايش بين كل العائلات السياسية . * الوضع الجديد يمثل مصدر «إحراج سياسي» لك شخصيا لأنك من المتمسكين بالتوافق مع حركة «النهضة»، ويبدو ان هذا التوافق قد تلقى من خلال التحوير الحكومي رصاصة الرحمة، فما هو تعليقك؟ - الأكيد ان ما يحدث الآن لا يجعلني اشعر بالارتياح خاصة وأني أدرك ان دفاعي عن التوافق لم يكن من الناحية المبدئية اختيارا مجانبا للصواب. فالتوافق الذي دافع عنه الباجي قائد السبسي ليس خيارا اضطراريا أو دفعت إليه الاكراهات الانتخابية بل هو توجه استراتيجي لأنه سمح لبلادنا باستقرار لم يتوفر لبقية دول الربيع العربي ولأنه أفاد كل الذين ساهموا فيه بما في ذلك حركة النهضة التي أدركت من خلاله انها قادرة على المساهمة في تجاوز سلبيات الماضي وفي ان تقطع خطوات نحو «التونسة». * على عكس ما تقول فإن حركة النهضة حافظت على إبقاء مربع التوافق حيا والعمل به والدليل ان اللقاءات بين الجانبين لم تنقطع وكان آخرها لقاء رئيس الحركة راشد الغنوشي بالأمين العام سليم الرياحي؟ - نعم أجرينا عدة لقاءات مع حركة النهضة في المدة الأخيرة ولم يكن الهدف الأساسي - كما روج البعض - ثنيها عن موقفها الداعم ليوسف الشاهد، لأننا نملك القدرة على ان نخوض معترك الحياة السياسية بمفردنا. هذه اللقاءات أملاها إيماننا بأن السياسة ترفض القطيعة ويمكن من خلال الجلوس الى طاولة واحدة التعبير عن كل المواقف في اطار الاحترام المتبادل، وقد دعونا قياديي النهضة الى القيام بعملية تقييم موضوعي لحصيلة سياسة التوافق حتى لا تكون قراراتهم متسرعة وفي كل الحالات هناك احترام متبادل بين قيادات النداء والنهضة ونحن متمسكون بقاعدة الحوار مع الجميع حتى نغلق الباب نهائيا أمام أدنى إمكانية للعودة للماضي وآلامه لأننا ننظر للمستقبل وآماله. * يرى متابعون أنه لا تحالفات للنداء خارج إطار النهضة، لذلك التجأ الحزب ومن ورائه الرئيس الباجي قائد السبسي الى تقريب العلاقة بين النداء والجبهة الشعبية، بل وقارب بينهما في مستويات عدة، بيد أن هذا التقارب يصفه البعض بالملغوم، فكيف ترد؟ - نحن نختلف إيديولوجيا مع الجبهة الشعبية ولكن نحترم إسهامها ونقدر من خلالها اليسار التونسي الذي كان منذ عقود مكونا أساسيا من مكونات المشهد السياسي والإيديولوجي والثقافي في تونس، وقد التقينا في جبهة الإنقاذ ولا شيء يمنع أن نتقاطع مع الجبهة الشعبية في الدفاع عن بعض المواقف وبعض المكاسب المجتمعية. * هناك تسريبات تفيد بأن الباجي قائد السبسي قد يقدم على الترشح للانتخابات الرئاسية، فهل من نفي أو تأكيد؟ - لا شك أن رئيس الجمهورية هو القادر أكثر من غيره على الإجابة عن هذا السؤال... ما أعلمه انه لم يتخذ بعد قرارا نهائيا وأن التفكير في الأمر ليس من أولوياته لأنه معني أساسا بالاستجابة لتطلعات التونسيين وفي توفير الاستقرار. وشخصيا اعتقد ان في ترشح الباجي قائد السبسي للانتخابات الرئاسية القادمة عاملا ايجابيا من اجل الاستقرار خاصة في ظل عدم نضج عدد كبير من الساعين لتصدر المشهد وفي ظل ما يلقاه الباجي قائد السبسي من احترام ودعم وسأوافيك بسبق من خلال اتصالاتي ببعض قادة الأحزاب ودوائر القرار في أوروبا فانهم يحبذون ان يواصل الباجي قائد السبسي رئاسة الدولة لعهدة رئاسية أخرى وهناك أيضا عدد هام من قيادات النهضة من داعمي ذلك. خليل الحناشي