لا يمكن القول إن ما يسمى تنظيم «داعش» الإرهابي مازال قائما كما كان بالفعل في سنوات 2014 و2015. فكل الأنباء الواردة من العراقوسوريا تشير إلى تراجع التنظيم وتقهره حتى أن تسمية تنظيم يقوم على قيادات ومقاتلين و»هياكل» وعمليات مبرمج لها ومنظمة أصبح عبارة غير مناسبة لتوصيف ما «داعش» عليه اليوم. لقد انتهى «داعش» كما عرفناه في سنوات سيطرته على مساحة تساوي بريطانيا في العراق والشام واتخاذه الرقة عاصمة له وانخراطه في تنفيذ عمليات في سورياوالعراق وخارجها ووصول فروعه إلى ليبيا ومحاولته التمركز هناك. التراجع ميدانيا لذا مع كل هذه التطورات على الأرض والتقهقر الذي يعرفه «داعش» من السليم التساؤل عما إذا كان التنظيم انتهى فعلا أم لا؟ من وجهة نظر عديد المتابعين لم يعد «داعش» موجودا نظرا إلى الخسائر البشرية والمادية التي لحقت به ونظرا إلى حجم المقاتلين الذين انشقوا عن صفوفه ولم يصمدوا كثيرا أمام ترسانة القوات الغربية وخاصة الأمريكية التي وجهت ضدهم. ولكن في مقابل ذلك تتجه بعض الآراء الأخرى إلى الحديث عن بقاء فكرة «داعش» بالرغم من تراجع التنظيم ميدانيا. المقال الافتتاحي لصحيفة «فايناشيال تايمز» البريطانية نهاية الأسبوع المنقضي يحذر من ذلك معتبرا أنه لا يمكن لقوات ترامب أن تعلن الانتصار وترحل هكذا بسهولة، كأن كل شيء انتهى فعلا. ذلك يشير ربما إلى أن التنظيمات يمكن أن تنتهي لكن الإرهاب الذي يجد دائما من يموله ويحركه ويستفيد منه سيبقى موجودا وينبئنا ذلك أيضا بأن تنظيمات أخرى على شاكلة «داعش» أو ربما في إطار سيناريوهات مغايرة سترى النور. «الفايناشيال تايمز» في المقابل تتحدث عن مؤشر خاص جدا يتعلق بسورياوالعراق حيث يرى المقال أنه مازالت السياسات والممارسات التي تغذي المرارة السنية قائمة، مشيرا إلى أن «داعش» يتغذى على اليأس، معتبرا أن المقاتلين الذين نجوا من هزيمة «داعش» قد يكونون ربما عشرة أضعاف عدد تبقوا من القاعدة في العراق قبل عقد من الزمان. المناخات ذاتها ربما يحيلنا هذا التصور للتساؤل عن المسببات أو العوامل التي يمكن أن تعيد إنتاج «داعش» أو تنظيم مماثل. هل أن انتهاء «داعش» يعني بالضرورة انتهاء الصراعات والتجاذبات والمصالح المتضاربة التي أنتجه؟ هل يعني انتهاء ضخ الأموال والأسلحة إلى المنطقة؟ أو انتهاء حضور القوى الإقليمية والدولية صاحبة المصلحة في الشرق الأوسط وخوضها حروبا مباشرة على غير أرضيها. وسعي كل دولة إلى حماية مصالحها وحدودها لا داخل هذه الحدود بل خارجها. توفر المناخات ذاتها التي أنجبت التنظيم لا تخفي احتمالات إعادة إنتاجه أو إنتاج تنظيم آخر. ولكن في نفس الوقت لا يبدو أن التوازنات الحالية يمكن أن تنتج تنظيما مشابها ل»داعش» الذي حاول أن ينصب ك»دولة» ذات كيان مادي من أرض وحدود واقتصاد وهياكل وحتى مؤسسات ولا يمكن أن تنتج أيضا تنظيما قادرا على استقطاب القيادات على نفس الطريقة والشاكلة لأن الظروف تغيرت حتى في البلدان المصدرة. كما أن التركة الثقيلة التي تركها التنظيم من قتلى ومشردين ومغتصبين وحجم عمليات نفذت في عواصم أوروبية أو بلدان شرقأوسطية كلها عوامل تجعل العودة قريبا بنفس الشكل والآليات غير ممكنة. تنظيم بإخراج جديد ولكن هل انتهى الإرهاب من العالم بانتهاء «داعش»؟ الإجابة البديهية هي لا. فمنذ ظهور الإرهاب كقطب يحقق توازن القوى أصبح يبدو حجر الزاوية في نظام عالمي متجدد ربما؟ ولكن مثلما كان «أسلوب «داعش» مختلفا قد يكون التنظيم القادم ذا وجه جديد ومختلف تماما ينخرط بالأساس في الحروب البيولوجية أو حتى «الحروب الفضائية».. ولكن الأسلوب وحده ليس فقط ما سيتغير. أطروحات أخرى تتحدث عن إمكانية عودة «داعش» أو صعود تنظيمات أخرى في مناطق أخرى من العالم. إفريقيا وآسيا القارتان المرشحتان أكثر لاحتضان التنظيم الجديد لكن مختلف الاستقراءات ترشح ألا يعود تنظيم مماثل للظهور في الشرق الأوسط، لأن موازين القوى تغيرت ولأن المصالح والعيون انتقلت إلى ثروات مناطق أخرى من العالم. أروى الكعلي