بدا نقاش التكتلات السياسية في تونس يعرف انتعاشة واضحة وذلك مع سعي الاحزاب لخلق ائتلافات تجنبها الاندثار وتقوي حظوظها انتخابيا. هكذا امر جنحت اليه حركة المبادرة الدستورية بإعلانها عن استعدادها التام للانصهار والاندماج داخل تحيا تونس، ولعل المميز في هذه التجربة ان كلا الحزبين قاما بمؤتمريهما قبل اتخاذ هذه الخطوة بما يعنيه ذلك من حالة استقرار وشرعية قيادات كلا الطرفين وهو ما سيسهل عملية النقاش بينهما. وقد علمت «الصباح» ان النقاش بين تحيا تونس والمبادرة الدستورية أفضى الى اعادة فتح باب دخول المكتب السياسي امام الوافدين الجدد، حيث من المقرر ان يتم الاعلان عن ميلاد مكتب سياسي جديد يجمع قيادات الحزبين، وحسب ما تسرب من معلومات فان المكتب السياسي لتحيا تونس سيرتفع عدده من 17 الى 30 وذلك بإلحاق 13 شخصية من حزب المبادرة وهم بالاساس كمال مرجان محمد الغرياني، فؤاد بوسلامة، عزيز بن عاشور، صادق القربي، عادل الشاوش، محمود مفتاح، نزيهة العبيدي، آزر زين العابدين، سليم الكراي، محمد لمين الكواش. كما علمت «الصباح» ايضا ان الهيكلة ستعرف تحسينات كبرى على مستوى المجلس الوطني وذلك بإلحاق 50 شخصا من المبادرة الى جانب 271 عضوا من تحيا تونس ليصبح المجلس الوطني متكونا من 321 عضوا. وعن المسؤوليات الكبرى داخل الحزب علمت «الصباح» ان سليم العزابي سيحافظ على منصبه كأمين عام على ان يتولى كمال مرجان خطة رئيس المكتب السياسي، ومن المنتظر ان يتم الاعلان عن ذلك يوم غرة جوان القادم الذي يتزامن مع ذكرى عيد النصر المجيد لسنة 1955 والذي كان تتويجا بالنصر لملحمة النضال الوطني ضد الاستعمار الفرنسي وعودة الزعيم الحبيب بورقيبة من منفاه تمهيدا لاستقلال تونس. وفي واقع الامر فقد حمل هذا الاندماج المعلن أسئلة عدة اهمها لماذا توجه تحيا تونس الى حزب المبادرة في وقت تهاطلت العروض السياسية على الحزب الجديد سواء من نداء تونس شق الحمامات او مشروع تونس لمحسن مرزوق؟ لماذا اختارت حركة تحيا تونس ان تفتح جبهة النقاش مع مرجان الذي قد يعلن عن ترشحه للانتخابات الرئاسية والحال ان للحزب مترشح محتملا آخر وهو يوسف الشاهد؟ أسئلة قد تجد ما يبررها في ظل معطيات أساسية ومهمة، اولا ان اختيار حزب كمال مرجان سبقه احترام كبير من حركة النهضة لحزب المبادرة ولرئيسه المؤسس وهو ما يقدم انطباعا قويا على ان مرجان قد يكون هو المترشح التوافقي الذي تحدثت عنه النهضة في اكثر من مرة او كما وصفه رئيس الحركة راشد الغنوشي في حواره الاخير على فرانس 24 «بالعصفور النادر». ندرة العصفور لخصها كمال مرجان، اذ بالرغم من انتمائه لمنظومة حكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي فانه نجح في تخطي حاجز إقصاء الإسلاميين بل ان مرجان عمل على مشاركتهم الحكومة الثالثة ليوسف الشاهد اضافة الى ان المبادرة هي الحزب الدستوري الوحيد الذي دخل المجلس الوطني التاسيسي في وقت خسرت فيه بقية الاحزاب الدستورية رهان الالتحاق بباردو في اكتوبر 2011. فهل هذا يعني ان الشاهد لن يترشح للانتخابات الرئاسية؟ ترشح الشاهد لرئاسية 2019 مسالة تبدو محسومة في ذهن رئيس الحكومة الساعي لاستكمال برنامجه الحكومي ومجموع الاصلاحات الكبرى التي اعلن عنها في اكثر من مناسبة وهو ما كشفته كلمته الاخيرة في اختتام اشغال الموتمر التاسيسي لتحيا تونس. واذا كانت رغبة الشاهد في البقاء بالقصبة فان رغبة مرجان وجهة الساحل عموما في العودة الى دوائر الحكم والسلطة قد تدفع بقبول دخول كمال مرجان الى قرطاج، لينتهي يذلك مربع الصراع الخفي الدائر بين جهة الساحل والبلدية عن الحكم منذ 14 جانفي. ولكن ما هي الضمانات الكبرى لتاكيد هذا التقاسم ومن هي الجهة التي قد تنجح في خلق هذا التوازن وما الاستفادة المحتملة لها؟ من الواضح ان اندماج تحيا تونس والمبادرة قد يتبعه التحاقات لاحزاب اخرى واساسا من العائلة الدستورية البورقيبية التي لها اوسع الامتدادات شعبيا وجماهيرياً الى جانب حركة النهضة. وكانت حركة النهضة قد عبرت في اكثر من مرة ان الديمقراطية القوية تتطلب احزابا قوية سواء في الحكم او في المعارضة، فاندماج الدساترة والبورقيبيين داخل هيكل موحد قد يعطي الاولوية لدعم الاستقرار السياسي في بلادنا وهو ما فشلت فيه تونس بعد الانقسامات والانشقاقات الحاصلة داخل حزب نداء تونس بما أضر بالمشهد الحزبي واربكه وعطل الاداء الحكومي معه . ففكرة احزاب قوية في السلطة قد يدفع بالنهضة للعمل المشترك مع تحيا تونس لمواصلة شراكتهما في الحكم مع امكانية استجلاب نداء تونس شق المنستير الى هذا التحالف لتتكون لاحقا «ترويكا» جديدة. فمسالة دمج تحيا تونس بالمبادرة محورها الضغط على تشتت الاحزاب الدستورية واقتسام السلطة لاحقا مع حركة النهضة تحت ثلاثة عناوين رئيسية تكون فيها باردو للنهضة والرئاسة لكمال مرجان والقصبة ليوسف الشاهد. هكذا فرضية قد تتعزز اكثر، اذا ما واصل الرئيس الباجي قائد السبسي صمته ازاء ترشحه لعهدة ثانية، عهدة لا يبدو الباجي راغبا فيها والا لما تمرد سفيان طوبال حين اتهمه وعائلته بالوقوف وراء تسريب فيديو «طوبال في الملهى» وما كانت سلمى اللومي لتهجره بعد ان قدمت استقالتها من الديوان الرئاسي. خليل الحناشي