أحزاب السلطة معنية بالانتخابات الرئاسية لكن لا أحد منها قدم رسميا مرشحا من داخلها ولا من خارجها. فلماذا تتوالى نوايا الترشح والترشيح لدى المستقلين والأحزاب المعارضة دون أن يتفق قياديان داخل الأحزاب «الكبرى» على مرشح للرئاسية؟ تونس (الشروق) من قيس سعيد إلى حمادي الجبالي إلى عمر صحابو إلى عادل العلمي إلى لطفي الشندرلي إلى محمد الأوسط العياري… هي عينة من المستقلين الذين أعلنوا عن نيتهم في الترشح للاستحقاق الرئاسي القادم. وبالتوازي حسمت العديد من الأحزاب أمرها أو تكاد في ترشيح شخصيات من صلبها. فمحمد عبو سيكون مرشح التيار الديمقراطي، ومنصف المرزوقي مرشحا عن «الحراك»، والهاشمي الحامدي عن تيار المحبة، ومهدي جمعة عن البديل، وحمة الهمامي عن الجبهة الشعبية وعلى منجي الرحوي أن يفاضل لاحقا بين القبول بهذا الأمر الواقع أو الترشح باسم حزبه الوطد الموحد… على خلاف هذا كله يمكن للملاحظين أن يتنبؤوا بمرشحي أحزاب السلطة. لكن لا يمكن لأحد أن يجزم بمن سترشحه الأحزاب الحاكمة (النهضة وحركة المشروع وحركة تحيا تونس وحزب المبادرة) ولا بمرشح حزب النداء المعني جدا بما أن مؤسسه الباجي قايد السبسي هو رئيس الجمهورية الحالي. ورقة الشاهد «الشاهد شاب ويمكن أن يكون مرشحنا» هذا ما قرره رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي يوم 26 مارس الماضي في نابل قبل أن تتداعى حركته لهذا التصريح ببلاغ أكدت فيه تمسكها بموقف مجلس الشورى الذي انتهى يوم 10 فيفري الماضي إلى أن الحركة «معنية بالانتخابات الرئاسية وأنها دعت المكتب التنفيذي إلى إعداد تصوّر لكيفية المشاركة فيها سواء عبر مرشح من داخلها أو دعم مرشح من خارجها وعرض المقترح على مجلس الشورى». وفي انتظار إعداد هذا التصور وعرضه على المجلس يمكن للحركة في النهاية أن ترشح الشاهد أو الجبالي أو سعيد أو شخصية من صلبها أو حتى الباجي قايد السبسي لكن يستحيل حتى الساعة الجزم بمرشحها. وبالتوازي من الممكن جدا أن يكون الشاهد مرشح حركة تحيا تونس المحسوب عليها لكن يستحيل الجزم بهذه الفرضية. حيرة وغموض لا يبدو حال النهضة وتحيا تونس أوضح من حال شريكتيهما في الحكومة حركة المشروع والمبادرة. فحركة المشروع تميل إلى ترشيح شخصية توافقية من خارجها. لكن من غير المستبعد أن ترشح رئيسها محسن مرزوق أو أمينها العام حسونة الناصفي أو أي قيادي آخر في الوقت المناسب. أما حزب المبادرة الدستورية الديمقراطية، فقد رشح مبدئيا رئيسه كمال مرجان إثر اجتماع مجلسه المركزي. لكن مرجان صرح مؤخرا ل»وات» أنه «لم يحسم بعد قراره بخصوص الترشح». هذا الغموض يبدو أكبر لدى حزب رئيس الجمهورية. فالباجي استبعد الترشح لولاية ثانية أما حزبه فقد ضاعف الحيرة بانقسام ما تبقى منه، ذلك أن قسم المنستير بقيادة حافظ مازال يأمل في إقناع الباجي بالترشح. فيما ينقسم القسم الثاني في الحمامات بين مستعد لترشيح الباجي إذا عبر عن رغبته في الترشح (موقف القطي) وبين تواق إلى ترشيح الشاهد (موقف طوبال) ولكن ما سبب هذا التأخر في الحسم؟ مرشح توافقي لا تميل أغلب أحزاب السلطة إلى التسرع لا سيما أن هناك متسعا نسبيا من الوقت لاتخاذ القرار المناسب. لكن علينا أن نوضح الفوارق بينها حول أسباب التريث. فحزب النداء منقسم، ولا يمكن لقسميه أن يتفقا على مرشح واحد إلا إذا عبر مؤسس الحزب عن «قبوله» الترشح لولاية ثانية. أما تحيا تونس فمن الأرجح أن ترشح الشاهد لكنها تخير تأجيل الإعلان إلى آخر لحظة حتى لا تعطي لخصومها ذريعة في مهاجمتها ومهاجمة مرشحها بتهمة تسخير المنصب الحكومي لخدمة الأغراض الانتخابية، لا ننسى أن الشاهد يفتقد إلى الشرعية الدستورية في رئاسة الحكومة. والأمر مختلف نسبيا لدى حركة مشروع تونس فهي مقتنعة بأن مصلحتها في إقامة التحالفات الانتخابية ولهذا لا تريد أن تتسرع بترشيح شخصية من صلبها بل تريد التركيز على المفاوضات مع الأحزاب المقربة منها (تحيا تونس والمبادرة وشق المنستير في النداء…) أملا في الوصول إلى مرشح توافقي من داخلها أو خارجها. فالترشيح بشروط الترشح للرئاسية، «يتطلب القيام بدراسة معمّقة وقراءة واضحة للمشهد السياسي قبل أخذ القرار…»، هكذا برر كمال مرجان تردده في ترشحه. فالحسم يعني أن يكون منافسا لمرشح الأحزاب التي يأمل في التحالف معها مما يضعف حظوظه ويؤثر على مفاوضات التحالف لهذا من صالحه أن يكون مرشحا توافقيا أو أن يقبل بمرشح توافقي آخر بديل عنه. أما حركة النهضة فلها مآرب أخرى من عدم التسرع، أولها أنها بصدد اختبار ردود الفعل ولهذا تلقي بالبالون تلو الآخر (الشاهد والجبالي وسعيد…)، وثانيها أنها منشغلة بالتشريعية أكثر من الرئاسية بما أن تثبيت أقدامها في الحكم يمر عبر الحكومة أكثر من رئاسة الجمهورية، وثالثها أنها مجبرة على إقامة التوافقات ولا يمكنها أن تحسم أمرها إلا إذا اتضحت خارطة الترشحات وظهرت نوايا الباجي والشاهد الحقيقية والنهائية. وللنهضة ثقل انتخابي يؤمنه ما لا يقل عن مليون ناخب منضبط ومن المعقول أن تستثمر هذا السلاح في فرض شروطها. و«على من يريد الوصول إلى قصر قرطاج أن يستجيب لشروطها في التوافق». هذا ما تؤمن به الحركة وإن لم تصرح به علنيا. النهضة تحيّر الجميع يحير غموض حركة النهضة أغلب المعنيين بالاستحقاق الرئاسي بما أن العديد منهم يطمح في مساندتها أو على الأقل في اكتشاف نواياها حتى يتحسبوا لها. فمن جملة الراغبين في مساندتها يمكن أن نذكر ابنها المستقيل منها حمادي الجبالي الأولى مبدئيا بالمساندة إذا لم ترشح قياديا من صلبها. كما أن رئيس الجمهورية السابق منصف المرزوقي طلب منها علنا أن ترشحه حتى يستفيد من قاعدتها الانتخابية العريضة كما حدث في الاستحقاق الرئاسي الماضي. ومع هذا لم يخف خبير القانون الدستوري قيس سعيد أمله في الاستفادة من قاعدتها رغم إصراره على استقلاليته. وفي المقابل، يترقب خصوم الحركة بقلق موقفها النهائي حتى يتبينوا هوية المرشح الأقوى. وقد بلغ الحد برئيس البديل التونسي مهدي جمعة إلى مطالبتها خلال تصريح إعلامي نهاية أفريل الماضي في سوسة ب»المراهنة على مرشح من داخلها في الانتخابات الرئاسية إذا كانت تعتبر نفسها حزبا قويا».