- تأثير تلوث الهواء يقلص أمل الحياة عند الولادة ب0.8821 سنة - زيادة ب300 حالة وفاة نتيجة الجزئيات الملوثة للهواء من 2015 إلى 2016 في تونس هل يمكن للإنسان الصمود دون أكسجين مدة طويلة؟ بالطبع لا. فأي تلميذ قد درس بعضا من علوم الأحياء يعرف ذلك جيدا، ولا تحتاج الإجابة على هذا السؤال معارف متقدمة. فأجسادنا قادرة على البقاء دون طعام أو ماء مدة أطول نسبيا ولكن دون تنفس فذلك يعني وفاة محققة بعد بضعة ثوان أو دقائق عددها أقل بكثير من أصابع اليد الواحدة كل حسب قدرة احتماله. ولكن ماذا إن كانت عملية التنفس في حد ذاتها واستنشاق الهواء من حولنا يمكن أن تتسبب هي الأخرى في الوفاة. هذا ما تشير إليه البحوث العلمية منذ سنوات. فالهواء الملوث يتسبب في الإصابة بعديد الأمراض المزمنة والقاتلة وهو يؤثر سلبا في صحتنا ويقلص من أمل الحياة عند الولادة كلما ارتفع حجم الجزئيات الملوثة فيه. والمشكل يتفاقم عندما نعرف أن تلوث الهواء ما ينفك يزداد بشكل متواصل في حين تتحدث المعطيات العلمية عن أن العمل على الحد من تلوث الهواء تكون له نتائج إيجابية في الحد بالإصابة من هذه الأمراض وتقليص حجم الوفيات أو مستوى تراجع أمل الحياة عند الولادة. ولسنا في تونس في معزل عن هذه الظاهرة العالمية، فآخر المعطيات المتوفرة لدى موقع مراقبة نوعية الهواء في تقرير» ستايت أوف غلوبال إير» الخاص بسنة 2019 تتحدث عن أن تلوث الهواء أدى إلى وفاة 5760 شخص في تونس سنة 2017. وكنا انفردنا في مقال السابق بعرض معطيات تتعلق بحجم وفيات المنجرة عن تلوث الهواء سنة في السنوات السابقة. وقد وصلت في 2016 إلى 5650 حالة وفاة. وبعملية حسابية بسيطة نجد أن تلوث الهواء قد تسبب في وفاة 15 تونسيا يوميا سنة 2017، ما يعني ارتفاع المعدل مقارنة ب2000 حيث كان معدل الوفيات 11 حالة يوميا. ارتفاع متواصل وتفاقم تلوث الهواء وقد ارتفعت بذلك الوفيات الناجمة عن تلوث الهواء بشكل مطرد في تونس وقد كانت سنة 1990 نحو 2600 حالة وفي 2010 نحو 3600 حالة. هذا هو حجم الوفيات التي يتسبب فيها تلوث الهواء بشكل عام، ولكن الموقع يشير إلى أن هنالك أنماطا من التلوث تسبب في حالات وفاة أكثر من غيرها. والجزئيات الملوثة في الهواء (PM2.5) فقد تسبب في 3 ملايين حالة وفاة في العالم سنة 2017 أي بنسبة 5.2 % من مختلف الوفيات التي عرفها العالم خلال تلك السنة. وقد ارتفع عدد الوفيات التي تعزى إلى هذه الجزئيات بنسبة 68 % بين عامي 1990 و2017. وفي تونس تتسبب الجزئيات الملوثة في الهواء في حجم الوفيات الأكبر من الأشكال الأخرى لتلوث الهواء ب5520 حالة في 2017 وهي تعرف تواصلا مستمرة وقد ارتفعت كما يظهر الرسم البياني المصاحب لمقالنا هذا بأكثر من 300 حالة في ظرف سنة واحدة من 2015 إلى 2016. أما التعرض للأوزون فيتسبب في 299 حالة وفاة في بلادنا أما تلوث الهواء داخل المنزل نتيجة لأساليب طبخ غير صحية فيتسبب في 21 حالة وفاة. وعلى الخريطة الخاصة بالتعرض للجزئيات العالقة في الهواء نلاحظ أن معدل تركيز الجزئيات في الهواء يصل إلى 38 ميكغرام/متر مكعب من الهواء. وتتجاوز بذلك المعايير التي وضعتها منظمة الصحة العالمية والتي تشير إلى أن حجم تركز هذه الجزئيات في الهواء لا يجب أن يتجاوز 10 ميكغرام/ متر مكعب من الهواء. تراجع معدل سنوات الحياة ولكن الهواء الملوث لا يتسبب في الوفاة فقط بل يؤثر في نوعية الحياة ومعدل أمل الحياة عند الولادة أو بعبارة أوضح يقلص من حجم معدل السنوات التي يمكن أن يعيشها إنسان في بلد ما. بالنسبة إلى تونس يصل حجم تأثير تلوث الهواء في أمل الحياة عند الولادة إلى 0.8821 سنة وتنتمي تونس بذلك إلى البلدان التي تتوسط معدل تراجع أمل الحياة عند الولادة ففي بعض البلدان الإفريقية يصل حجم التراجع إلى أكثر من سنة وفي بلدان متقدمة يكون أقل من معدل تونس بكثير. وكما أشرنا فإن تلوث الهواء يؤثر على نوعية الحياة وعلى صحة الإنسان، ومن الآثار الصحية قصيرة المدى التي يشير إليها الموقع هو أن التعرض لأكثر من ساعات قليلة إلى بضعة أيام يمكن أن يسهم في تهيج الأذن والأنف والحنجرة. عادة ما يختفي التهيج مع إزالة الملوثات. كما أنه يمكن أن يؤدي أيضا إلى تفاقم الأمراض التنفسية المزمنة مثل الحساسية والربو والتهاب الشعب الهوائية. في الأشخاص المصابين بأمراض القلب، يمكن أن يؤدي التعرض قصير الأجل للجزئيات الملوثة للهواء ( PM2.5) إلى نوبات قلبية، وعدم انتظام ضربات القلب ، وحتى الموت. أما على المدى الطويل يتسبب تلوث الهواء في أمراض أخطر. وفي سنة 2017 تسبب في 41 % عن الوفيات الناجمة عن مرض الرئة الانسدادي المزمن. و20% من الوفيات الناتجة عن السكري و16% من الوفيات الناجمة عن مرض نقص تروية القلب و19 من الوفيات الناجمة عن سرطان الرئة و11 % عن الوفيات الناجمة عن الجلطة الدماغية. وما يميز تلوث الهواء أنه يستهدف الجميع دون تمييز الغني والفقير على حد السواء والكبير والصغير، ولا يمكن أن يتم التصدي له إلى بشكل جماعي، خاصة أن المنظمات الدولية لمتخصصة تؤكد أن العمل على الحد من مسببات هذا التلوث تؤدي بالضرورة إلى تقليص آثاره الجانبية على صحة الإنسان وتهديده لحياته. أروى الكعلي