- تونس ليست في حاجة إلى معارك جانبية ومسؤولة الاعلام في ايصال المعلومة لا تقبل المساومة في وقت ألحت فيه قنوات تلفزيونية تونسية والعديد من المواقع الاعلامية على رغبتها في استضافته للحديث عن برنامجه الانتخابي، دون أن تظفر – إلى حد يوم أمس- باجابة منه، أطل قيس سعيد الفائز الأول في الدور الأول للانتخابات الرئاسية التي كانت قد أجريت يوم 15 سبتمبر واسفرت عن صعوده وصعود المرشح عن حزب قلب تونس نبيل القروي، ليلة أول أمس على جمهور المشاهدين عبر قناة الجزيرة القطرية. وقد أجاب أستاذ القانون الدستوري الذي وصفت قناة الجزيرة على لسان المحاور بأن فوزه في الانتخابات كان زلزالا، على اسئلة تتعلق بالخصوص ببرنامجه الانتخابي كما أوضح بعض المسائل المتعلقة بما ينسب إليه من علاقات أو تحالفات مع تيارات سياسية وايديولوجية في البلاد. وهي المسائل التي تصر وسائل الاعلام الوطنية على طرحها عليه بشكل مباشر وعاجل، وذلك لعدة أسباب لعل من أبرزها الآتي: أولا، إن نتائج الانتخابات كانت مفاجئة. وقد كانت كذلك رغم أن جل التسريبات عن نتائج عمليات سبر الآراء حول الانتخابات الرئاسية ( الهيئة العليا المستقلة للانتخابات كانت تمنع نشر نتائج سبر الآراء قبل الانتخابات ) ترجح فوز المرشحين المذكورين. فقد كانت فرضية فوز قيس سعيد الذي يصر هو بنفسه وأغلب أنصاره على أنه لم يخض حملة انتخابية أو أنه بالأحرى قام بحملة لم تكلف الدولة مليما، في حين أن عددا من منافسيه أنفقوا أموالا طائلة قال عنها قيس سعيد في حديثه إلى قناة الجزيرة أنه كان من الأفضل لو أنفقت في مشاريع لصالح الشعب بدلا من أن تنفق في حملات انتخابية لم تؤد إلى شيء، تبدو صعبة التحقيق بالنسبة لعدد كبير من الملاحظين. وكذلك الامر بالنسبة لفرضية فوز المرشح الثاني نبيل القروي الذي صعد في نهاية الأمر إلى الدور الثاني رغم أنه قابع في السجن بتهمة التهرب الضريبي. وبالتالي فإن الفضول حول الشخصية قد ازداد واصبحت الرغبة قوية بدافع مهني أولا، وبدافع الاحساس بأهمية دور الأعلام ومسؤوليته في التعريف بالشخصية المتقدمة للانتخابات، للناخبين ، ثانيا، من خلال اخضاعها إلى عملية سين وجيم يمكن أن تؤدي بصاحبها في النهاية إلى تقديم بعض المفاتيح التي تساعد على فهم أكبر لشخصيته والتعرف على فكره وبرنامجه المعروض على التونسيين. ثانيا، إن فوز قيس سعيد غير المتوقع جعل الناس تسترجع شريط الصور القديمة بحثا عن شيء يمكن أن يفسر هذا الصعود المفاجئ. فقد نجح الرجل في أن يكون الأول أمام شخصيات ممثلة للعديد من العائلات السياسية ومن بينها شخصيات قادرة على حشد الناخبين بفضل ما تتمتع به من امكانيات مادية هائلة ودعم سياسي وحزبي واعلامي كبير. ثالثا، ان الرجل محاط بكم من الشائعات حول علاقته بتيارات سياسية وايديولوجية معينة من بينها مثلا تنظيم الاخوان أو السلفية في تونس أو مع حركات شبابية غامضة ناشطة بقوة على مستوى مواقع التواصل الاجتماعي وخاصة موقع الفايسبوك ومنها من هو مرتبط وفق بعض الملاحظين باجندة خارجية لاطراف لها مطامع في تونس وفي المنطقة المغاربية عموما. وكل هذه المعطيات وغيرها جعلت وسائل الاعلام والكلاسيكية منها بالخصوص والقنوات التلفزيونية تحديدا أمام رهان حقيقي وهو استدراج الرجل الغامض والشخصية قليلة الظهور في الاعلام إلى بلاتوهاتها ومواجهته بكل الاسئلة التي تمكن من المساعدة على حل ألغاز الشخصية التي تتصدر الاهتمام اليوم، بعد أن كانت في الحملة الانتخابية للدور الأول للانتخابات الرئاسية جد متكتمة وحريصة على أن تظهر أقل ما يمكن في الاعلام. ولنا أن نشير إلى أن احدى القنوات الخاصة وهي تحديدا، قناة الحوار التونسي ما فتئت ومنذ ظهور نتائج الدور الأول للانتخابات تتحدى قيس سعيد أن يحضر في البلاتوه وأن يخاطب التونسيين عبر القناة. وقد أغضبت القناة على ما يبدو أنصار قيس سعيد الذي اعتبروا طريقة التعامل مع مرشحهم غير لائقة، حتى أنهم قاموا بهجمة على صفحتها الرسمية على الفايسبوك كان من بين نتائجها أن انخفض عدد المنخرطين في الصفحة والمتابعين لها بشكل ملحوظ. لكن قيس سعيد فضل قناة الجزيرة القطرية على القنوات التونسية وتوجه إلى الناخبين عبر قناة اجنبية. ولو فرضنا أن القانون لا يمنع ذلك على اساس أن الحملة الانتخابية للدور الثاني للرئاسية لم تنطلق بعد، فإن السؤال، هل من حق قيس سعيد أخلاقيا، أن يتجاوز وسائل الاعلام المحلية وأن يفضل عليها قناة أجنبية في حين أن الرهان هو تونسي بحت. ثم، ألا يكون في هذا الاختيار رغبة في توجيه رسالة قد لا تكون جيدة بخصوص الاعلام التونسي وقد لا تنصف الصحافة الوطنية. فالسؤال يطرح بقطع النظر عن نوايا الرجل وبقطع النظر عن تقييمنا لقناة الجزيرة وبقطع النظر عن الخط التحريري المعروف لهذه القناة والذي يساند تيارا سياسيا وايديولوجيا داخل البلدان العربية ضد بقية التيارات. وقرار التوجه إلى الناخبين عبر هذه القناة الأجنبية له توابعه وهو يفتح الباب على عدة قراءات منها ما هو متعلق بالمهنة ومنها ما هو متعلق بتوجهات المترشح في حد ذاته. مهنيا، وهو الأمر الذي يهمنا في هذا السياق، إننا نعتبر في تفضيل قناة الجزيرة القطرية على القنوات التونسية تفضيلا لخطها الاعلامي واستحسانا لنوعية عملها. ونحن اذ كنا لا نشكك في مهنية قناة الجزيرة من باب احترام المهنة وآدابها، فإننا لا نمنع أنفسنا من استنتاج أن المرشح للرئاسة قيس سعيد اعتبر أن قناة الجزيرة ربما تكون طريقا أقصر للوصول إلى ناخبيه ووسيلة ربما تكون أفضل لتوضيح بعض المسائل أو لتفسير بعض التوجهات والمواقف والافكار التي تبدو غير واضحة للبعض. إننا نعتبر كذلك أن اختيار قناة الجزيرة مؤشرا على نوعية التعامل مستقبلا مع الاعلام التونسي. فإن كنا لا ننكر أن الاعلام له نقائصه، مثلما له مزاياه ولولا الاعلام الوطني لما تعرف الناس إلى استاذ القانون الدستوري قيس سعيد ولما تعرفت عامة الناس إليه لاسيما وأن اساتذة القانون الدستوري في تونس كثر ومن بينهم من درّسوا المرشح للانتخابات الرئاسية ومنهم من اشتغل معهم حول مسائل قانونية قبل الثورة وبعدها، فإن اعلامنا يبقى مرآة لما هو موجود في الساحة ولا نستثني في هذا الباب الحياة السياسية. وإن كنا نحترم خيارات كل طرف، فإننا في نفس الوقت لا نعتقد أن اختيار المرشح قيس سعيد وهو رجل قانون ويبني حملته وبرنامجه على مبادئ القانون، التوجه للناخبين عبر قناة الجزيرة قرارا اعتباطيا، وإنما هو بالأحرى قرار مدروس وله مقاصده واهدافه. وإننا من جهتنا أذ نؤكد أننا على نفس المسافة من كل الأطراف السياسية ونتمنى على كل وسائل الاعلام الوطنية أن لا تدخل في تجاذبات وصراعات سياسية، فإننا نعرب عن تخوفنا من أن تكون هناك رغبة في الدخول في مواجهة مع الإعلام الوطني. وهي مواجهة لن تفيد أي طرف من الأطراف بما فيها الأطراف السياسية التي نعتقد انه يهمها أن تخصص الجهد بالكامل والوقت بالكامل لخدمة التونسيين، إن حدث وفازت بطبيعة الحال في الدور الثاني من الانتخابات. ولنا أن نشير كذلك إلى ان كلامنا يهم أيضا المرشح الثاني السيد نبيل القروي. إذ نتوقع من هذا وذاك ، في حال وصول أحدهما إلى قصر قرطاج، ان يجنب التونسيين معارك جانبية نحن في غنى عنها. فلا نحن في نصرة هذا ولا في نصرة ذاك. ولا نحن في حرب مع هذا أو ذاك. مقابل ذلك، لا نتردد في التوجه إلى المرشحين وإلى بقية الفاعلين في الحياة السياسية بالتوضيح التالي: أن مسؤولية الاعلام في ايصال المعلومة إلى المتلقي، بأسلوب مهني وحر ومسؤول، مسؤولية لا تقبل المساومة وهي مسؤولية لا تقل خطورة، بمعنى الأهمية ، عن مسؤولية اي طرف في الدولة مهما كبر شأنه وعلا مقامه. حياة السايب