فيما ارتفع أمس عدد الوفيات جراء الإصابة بفيروس كورونا في الصين إلى 811 حالة، وبلغ إجمالي عدد المصابين 37 ألفا و198 شخصا ، اشرأبت أعناق شعوب العالم بانبهار شديد الى "المعجزة" الصينية ، بعد ان حطم هذا البلد المترامي الأطراف جميع قوانين البناء، وتمكن من إنشاء مستشفى لعلاج المصابين بمدينة "ووهان"، في غضون 10 أيام فقط، وافتتاحه أول أمس السبت المستشفى التخصصي الثاني لعلاج الفيروس القاتل ، الذي تقدر طاقة استيعابه 1600سرير، في انجاز مذهل ، ومدهش ، وغير مسبوق. البلد الذي بدأ تعداده السكاني يقترب من المليار والنصف - بعد ان بلغ 1,433,783,691 سنة 2019 - يواصل معركته "الشرسة" مع "كورونا" ، ويسابق الزمن لاحتواء "الفيروس" ، لم يحقق إنجازاته و"معجزاته" من فراغ ، وانما عبر قفزة نوعية ، حوّلته في أقل من سبعين عاما ، من دولة معزولة إلى واحدة من أعظم القوى الاقتصادية في العالم ، اذ ان البنك الدولي يؤكد ان أكثر من 850 مليون من الصينيين تمكنوا من الخروج من دائرة الفقر، وان البلاد تسير حثيثا للتخلص من آفاته بشكل كلي عام 2020 ، ليسجل هذا البلد في العام الجاري ، الإنجاز الذي خطط وهندس له وعمل من أجله طويلا . وفي ظل هذه الأرقام المذهلة ، وما يعيشه هذا العملاق الاقتصادي من سباق ضد الساعة ، عادت بي الذاكرة الى زيارة قادتني سنة 2016 الى هذا البلد ، على مدى أسبوعين ، اطلعت خلالها على مظاهر هذه "المعجزة" في 3 مقاطعات ، لأقف على إيقاع آخر ، ونسق مختلف ، وأكتشف ثقافة مغايرة ، و"ماكينة" بدوران آخر . وعقلية لا تشبهنا ، بعيدة عنا . في تلك البقعة من الكرة الأرضية شعرت بالدوار والغثيان وذاكرتي تتصفح أوراق أوضاعنا المزرية ، وأنكساراتنا، وخيباتنا ، ونكساتنا ، وصدماتنا ، هناك حيث إيقاع الحياة مضبوط ومعدل أكثر من "المنقالة" السويسرية ، لا اشاعات "فايسبوكية" ، ولا "جيوش" الكترونية ، و لا "أوكار" تطرف عنكبوتية ، لا تفاهات ولا سخافات ، لا سقطات ولا مهزلات ، لا اتهامات ولا خيانات ، لا اكتظاظ في الطرقات ولا "دز ولا لز" في الحافلات والقطارات ، لا انتهازية ، ولا نعرات جهوية. المقاهي عندهم مكان لعقد الشراكات وليس لمعانقة "الجباد" و"قرقرة" الشيشة، لتطوير الأعمال وبعث المشاريع لا للعب "الشكبة" و"الرامي" و"البيلوت"، للبحث عن آفاق جديدة لا ل"الركشة" قرب "الويفي" ، لمناقشة آخر المستجدات ، لا للهث من أجل العثور على زاوية ل"التمعشيق" وتبادل الهمسات وحتى اللمسات والقبلات . الشاب الصيني يعصر "مخه" من أجل تحسين وضعه ومزيد التطوير ، لا "يعتصر" لخلق ابتكارات جديدة في السلب والبراكاجات" والتحيل ، هناك لا أحد يعاكس ، ولا منحرف يشاكس ، العمل عبادة لا تأخير ، ولا ثقافة "تكركير" . ما نراه نحن معجزة ، يرونه أقل من عادي ، بل انهم يجاهدون ويكابدون ، ليلا نهارا ، خلية نحل ، و"ماكينة" لا تعترف بغير الانتاج ، حتى النساء هناك في الغرب الصيني ، تعمل في حضائر البناء ، تحت درجة حرارة 48 ، نعم يعملن في "المرمّة" بأجسادهن النحيفة والنحيلة ، في مشهد غير مألوف عندنا ، وغريب عنا . المعجزة الصينية لم تتحقق من فراغ ، وانما تجسدت بالتخطيط والتنظيم ، لا بالشعارات الجوفاء والخطب العصماء ، بالكد والاجتهاد لا بالمناورات والصراعات ، بالعمل من أجل المصلحة الوطنية ، لا بالحسابات الحزبية ولا بالاجندات السياسية ، هناك لا مشاريع معطلة ، ولا قرارات مرتجلة ، لا مديونية ولا أزمة مالية. صحيح ان البون شاسع ، والمقارنة لا تجوز على جميع المستويات ، بين عملاق اقتصادي يحصد النجاح تلو النجاح ، وبلد مازالت تعصف به الأزمات والخيبات ، وتمزقه الصراعات والانقسامات ، لكن في الأثناء "تُهاجمك" عديد الأسئلة الحارقة ، الى متى ونحن نطمح ونرنو ونحلم بالخروج من النفق المظلم ؟ ، الى متى وهذه البلاد "غارقة" في مستنقعها ؟ ، الى متى والتونسي يعيش على وقع الضبابية والمؤشرات السلبية ؟ ، الى متى ونحن نتجرع مرارة أمرّ من مرارة الحنظل ؟. بمجرد تذكر أوضاعنا المأساوية ، يزداد احباطنا ، و يتعمق يأسنا ، حكومة سقطت وأخرى تتجاذبها الانقسامات ، أحزاب تدعي الثورية و"العفة" والنظافة و"الطهورية" ، في حين ان جميعها "تتناطح" من أجل المحاصصات والكراسي ، سياسة خارجية "تائهة" وديبلوماسية متذبذبة ، ولا تتحدث عن سياسيينا لانهم سبب نكساتنا وخيباتنا ، وأينما وليت وجهك يحاصرك الفشل الذريع. آه يا وطني "الجريح" متى سينبلج الفجر ، وتُعدّل البوصلة ؟؟؟