الاستاذ وضاح خنفر المدير العام السابق لقناة الجزيرة شخصية سال حبر كثير حولها خلال العقد الماضي في جل البلدان العربية .. بعد تطويره السريع لشبكة مراسلي القناة الميدانيين خاصة في حروب افغانستان ولبنان والعراق وفلسطين ..ثم في بعد الدور الذي لعبته في مواكبة تحركات المعارضين والنقابيين والاحتجاجات الشعبية وثورات " الربيع العربي ".. على هامش زيارة الاستاذ وضاح خنفر الى تونس حيث شارك في ندوة نظمتها جمعية " الاعلام والديمقراطية " تحت عنوان :" اي اعلام نريد ؟ " كان معه الحوار التالي : - عرفتم عن قرب الرئيس المنصف المرزوقي وزعامات "الترويكا" وجل الشخصيات القيادية الفاعلة الان في المجلس الوطني التاسيسي وفي الحكومة ..كيف تقيمون الوضع السياسي والامني في تونس ؟ - المؤشرات في تونس مشجعة جدا رغم بعض مظاهر التوتر العابرة .. التي تفرضها المرحلة الانتقالية .. ان التحالفات ضرورة مطلقة .. والذي يجري في تونس منذ اكثر من عام و4 اشهر تاريخي ومهم جدا على كل المستويات ..وهو يؤكد ان الشعب العربي جدير بالاصلاح السياسي والتغيير الديمقراطي والتفاعل مع طلبات الملايين التي نزلت الى الشوارع في ثورة شعبية تلقائية غير مسبوقة .. ومن ابرز ما شدني في التجربة التونسية حرص احزاب وشخصيات سياسية وثقافية بارزة على التوافق وعلى البناء المشترك لمستقبل البلاد بصرف النظر على اختلاف مرجعياتها الدينية والفكرية والسياسية والحزبية وتناقضاتها في فهم الاسلام والتراث الاسلامي والشريعة والعلمانية والشيوعية والليبيرالية والتجارب السياسية المعاصرة عربيا ودوليا .. ان خيار تشكيل ائتلاف من 3 احزاب علمانية واسلامية مدعومة بشخصيات مستقلة تطور مهم جدا ليس بالنسبة لتونس فقط بل لكل المنطقة العربية والاسلامية ..لان نجاح التغيير ومسار الانتقال من انظمة الاستبداد والفساد الى نظم ديمقراطية وشفافة يتطلب جهدا مشتركا وتوافقا بين كل التيارات الاسلامية والعلمانية التي اهدرت طاقاتها خلال العقود الماضية في صراعات ثانوية وهامشية ..
الشريعة ..والاسلام والدستور؟ - لكن البعض متخوف في تونس ومصر وليبيا بسبب بروز الظاهرة السلفية بعد الثورات العربية وصعود زعاماتها ..وتورطها في عمليات تكفير وتلويح بالعنف المخيف ؟ - هناك سلوكيات وظواهر تدعو الى الانشغال خاصة في مصر حيث اصبح السلفيون طرفا في بعض التوترات ..في بلد تسببت فيه سياسات النظام السابق في تشجيع التطرف والجهل والامية بما في ذلك في العلوم الاسلامية ..وهو ما استفاد منه رموز الجماعات السلفية المتشددة التي شجعتها جهات تابعة للنظام السابق وهمشت المفكرين المعتدلين والمستنيرين مثل الاستاذ فهمي هويدي .. لكنكم في تونس محظوظون لان التيار الاسلامي السائد معتدل ورموزه تؤمن بالتوافق مع العلمانيين واليسار وكل التيارات الفكرية والحزبية..وقد بادرت باتخاذ قرارات شجاعة مثل قرار عدم التنصيص على الشريعة في الدستور..مقابل اعتماد الفصل الاول في دستور 1959 الذي ينص على ان تونس دولة مستقلة الاسلام دينها والعربية لغتها والجمهورية نظامها .. هذه الخطوة التقدمية مهمة جدا وينبغي تفسيرها للاحزاب والقوى السياسية في المشرق العربي وفي ليبيا ومصر عساها تقوم بخطوات مماثلة لها عند تطوير دساتيرها..لان غالبية الناس يخلطون بين الاسلام ومقاصد التشريع الاسلامي من جهة ومصطلح "الشريعة " الذي يفهموم منه بعض الاحكام التي لا تمثل الا صفر فاصل من الاسلام .. تخوفات من اجهاض الثورات ؟ - لكن البعض متخوف في تونس ومصر وليبيا واليمن من سلبيات عديدة ومن اجهاض الثورات واعادة انتاج النظم السياسية والاقتصادية السابقة..والانتقال من استبداد سياسي الى استبداد ديني .. - التخوفات موجودة ..خاصة ان الشخصيات السياسية التي استلمت الحكم في بلد مثل تونس حديثة القرب مع الفعل السياسي الرسمي .. وهذا ينطبق على العلمانيين والاسلاميين في حكومة "الترويكا" والمجلس الوطني التاسيسي وفي الادارة.. لكن تجميع الخبرات وتوزيع الاعمال بين معارضي الامس بمختلف تياراتهم مهم جدا .. صحيح ان العمل ضمن فريق " فسيفسائي " سياسيا ليس مريحا دائما ..خاصة بالنسبة لطرف سياسي وحزبي كان يمكن ان يشكل حكومة لوحده او ان يشكل تحالفات وفق شروطه واجندته.. لكن التجربة التوافقية مهمة ..ولا بد من دعمها .. نحن لم نعمل سابقا ضمن جبهات سياسية توافقية .. فقد فرقتنا انظمة الاستبداد والفساد ومزقتنا .. لكننا جميعا في حاجة اليوم الى اجماع سياسي على القيم وعلى قواعد اللعبة السياسية المشتركة ..وعلى تقديم مصلحة الدولة والشعب على المصالح الحزبية .. في بريطانيا او فرنسا وامريكا مثلا ثوابت سياسية للدولة والحكومة وان تغير حزب الاغلبية الفائزة في الانتخابات .. لان الدولة لها ثوابتها..وتغييرها لا يعني هدم كل ما بناه الاخر.. 3 مخاطر - لكن من بين نقاط الضعف الفادحة بعد الثورات العربية وفي الفريق الذي استلم الحكم بما في ذلك في تونس ان غالبية رموزه العلمانية والاسلامية ليس لديها اي خبرة في تسيير الدول وشؤون الادارة ..بل ان بعضها تحمل حقائب استراتيجية بعد حوالي 30 عاما قضاها بين السجون والمنافي و الاضطهاد؟ الم يكن ذلك خطا؟ - اعتقد انننا نمر بمرحلة انتقالية دقيقة ..تتميز بعدة مخاطر تواجه الثورات العربية ومن بينها الثورة التونسية.. من ابرز هذه المخاطر : تهديدات "فلول" الانظمة السابقة ، وقلة الخبرة السياسية والمهنية للحكام الجدد وانفلات الاحلام الشعبية ..اي سوء فهم الشعب لتحديات المرحلة اقتصاديا وتطلعهم الى ان تقدم لهم الدولة حلول سحرية وفورية لمشاكلهم ومشاغلهم .. وفي كل الحالات لابد للقيادات التي افرزتها الانتخابات ان تفهم وان تقنع الراي العام بان هذه المرحلة النتقالية ضرورية رغم حالة الاضطراب الظرفية.. واتمنى ان يتسم قادة الاحزاب العلمانية والحركات الاسلامية التي صوت لها الشارع العربي بمزيد من رحابة الصدر في التعامل مع الواقع ..وان يتعلموا من خصومهم ويفهموا ان التوافق من ابرز شروط نجاحهم ونجاح الثورات الشعبية .. ليس لهم خبرة ولا كفاءة ؟ - وهل لا تعتبر ان من بين اخطاء زعامات المعارضة السابقة التي وصفتها بنقص الخبرة والمهنية انها سلمت حقائب فنية واستراتيجية في السلطة لمن لا خبرة لهم في الادارة والعمل الحكومي ؟اليس في ذلك تقديم للولاء على الكفاءة ؟
- الكفاءة والخبرة مطلوبتان .. والتجربة السياسية ضروية جدا .. لكن يمكن ان نسجل ان للمعارضين العلمانيين والاسلاميين رصيد سياسي وخبرة وذاكرة سياسية عربية واقليمية ودولية .. بعضهم شارك في الحكومات و عرف المعارضة والسجون والمنافي لكنه كان دوما منخرطا في الحياة السياسية .. تنقص غالبيتها الخبرة والتجربة ..لكن اكتساب القدرة على التعامل مع الادارة والدولة من الداخل ممكن عبر الانخراط في العمل الاداري والحكومي .. والعمل التوافقي في الدولة التونسية بعد انتخابات 23 اكتوبر نموذجي .. ومرة اخرى اقول : "نحن محظوظون لان الربيع العربي بدا في تونس ".. سياسة المكيالين في " الجزيرة "؟ - نمر الان الى تجربتك خلال 8 سنوات على راس قناةالجزيرة القطرية التي اصبحت من اكثر الفضائيات تاثيرا عربيا ودوليا عبرقنواتها المتعددة الاختصاصات واللغات .. ماهي رايك في الاتهامات المهنية الموجهة الى قناتكم .. ومن ابرزها " الصبغة الانتقائية " في التعامل مع الملفات والاحداث ..لا سيما بعد غضكم الطرف عن احداث البحرين؟ - كنت مؤتمنا على السياسية التحريرية للجزيرة خلال 8 اعوام وتراست هيئة التحرير وتابعت عن قرب توجهات مختلف غرف التحرير التابعة للشبكة .. واعتقد ان نجاح " الجزيرة " كان ولا يزال بسبب متابعتها اهتمام الجمهور..وتمسكها بالمهنية والمصداقية وبالانحياز للمبادئ وانفتاحها منذ تاسيسها على الراي والراي الاخر ..دون اي وصاية من اي جهة بما في ذلك من النظام القطري ..رغم اغلاق عدة دول عربية من بينها تونس مرارا لسفاراتها في الدوحة ..كليا او جزئيا .. اهم ما نفتخر به في الجزيرة هو المهنية ..رغم الضغوطات التي مورست علينا من قبل الانظمة الاستبدادية ومن قبل جهات عالمية ..ورغم قصف مقراتنا في حربي افغانستان والعراق .. لقد اخترنا دوما عدم الخلط بين دور الصحفي والشاشة والصعوبات المهنية والضغوطات السياسية التي اعترضتنا.. - وماذا عن تهمة " سياسة المكيالين " في التعامل مع الثورات العربية بسبب صمت الجزيرة عن "ثورة الشعب في البحرين" ؟ - بالنسبة لانتفاضةالبحرين نحن القناة الوحيدة التي غطتها من الميدان في الدوحة ..لكن اهتمامنا بها تراجع لاحقا لما تحرك الملايين في مصر واليمن وسوريا في وقت كنا نتابع فيه تطورات الوضع في تونس ما بعد الثورة والاحتجاجات الاجتماعية والنقابية والسياسية في جل دول المنطقة .. كما اعترضنا مشكل كبير انفردت به البحرين تمثل في انقسام الشعب : غالبية السنة مع الحكومة وضد الاحتجاجات وغالبية الشيعة ضدها ومع الانتفاضة .. اعتراف بالخطا - هل لا تعترف بكون الجزيرة اتركبت اخطاء مهنية فادحة في عهدك ؟ - الاعتراف بالخطا واجب .. ونحن عند حرصنا على السبق الصحفي يقع بعض مراسلينا او صحفيينا في خطا كنا دوما نصححه ونعتذر للجمهور دون عقد .. ومن ابرز اخطائنا واخطاء كل وسائل الاعلام الدولية اننا لم نتوقع الثورتين التونسية والمصرية .. فشلنا في ذلك والعالم اجمع توقع ان الامر يتعلق خاصة باحتجاجات اجتماعية..بما في ذلك الجزيرة التي كانت سباقة في ابراز احداث سيدي بوزيد وما تبعها من تحركات في بقية الجهات داخل تونس بالاعتماد على معلومات وصور بثتها المواقع الاجتماعية كنا نقر اننا نتعامل معها بحذر بحكم خصوصيتها " واحتمال توريطنا في الخطا.. مابعد الجزيرة؟ - اخيرا ..ماذا عن الاستاذ وضاح خنفر في مرحلة ما بعد الادارة العامة للجزيرة ؟ - مثلما لاحظتم خلال زيارتي السابقة الى تونس التي التقيت فيها الرئيس محمد المنصف المرزوقي وعددا من المسؤولين وممثلي المجتمع المدني في تونس فان من اولوياتي حاليا دعم اطر الحوار الثقافي والفكري في المنطقة عبر "منتدى الشرق" .. في نفس الوقت اقوم مع مجموعة من الخبراء في الاعلام والاتصال بتطوير منهج اعلامي علمي عربي لنضع ذلك في خدمة الشباب والاعلامي العربي ..