عرض اليوم حمادي الجبالي رئيس الحكومة المؤقتة برنامج عمل الحكومة لهذه السنة أمام أعضاء المجلس الوطني التأسيسي. وقد حضر هذه الجلسة أعضاء الحكومة وقد شدّد الجبالي على أهمية دور المجلس في هذه المرحلة الانتقالية...وقال انه وحكومته يعملون ليلا نهارا ويسعون لانفاق كل دينار في ما خصص له مطالبا في الان نفسه بان يجتمع الجميع من اجل التصالح والتحاور معا من اجل مستقبل تونس ودعا الى بعث مجلس حكماء للخروج مما فيه البلاد من ازمات وكان الجبالي قد وعد في وقت سابق بتقديم تصوّر وإنجاز لبرنامج عمل حكومته في ظرف لا يتجاوز 3 أشهر. وقال الجبالي أنّ الحكومة قد راعت في برنامجها مبدأين أساسيين يتمثّل الأوّل في قيام الحكومة بتشاركات جهوية ومركزية من خلال التشاور مع الجهات من ولاّة ونوّاب مجلس تأسيسي وخبراء على المستوى المركزي أمّا المبدأ الثاني فيتمثّل في الاستجابة إلى استحقاقات الثورة والإنجازات الشعبية. وفي هذا الإطار، أضاف الجبالي أنّ "هذه الاستحقاقات تبرز في المحافظة على كرامة الشعب التونسي المعنوية والحسية دون تمييز بين المواطنين مهما كانت انتماءاتهم". كما اعتبر الجبالي أنّ حريّة المعتقد والفكر واللباس والرأي هي مطالب أساسية طالب بها الشعب ولابدّ من تنفيذها مؤكّدا أنّه "لا يجب أن يبقى أحد في تونس جائع أو محروم فشعار الكرامة "الحرية والخبز" ". وأبرز كذلك الجبالي خلال هذه الجلسة الترابط الوثيق بين الحرية والتنمية والعدالة الاجتماعية. من جهة أخرى، قال رئيس الحكومة المؤقتة أنّ الواقع الذي وجدته الحكومة إثر مسكها زمام الأمور كان "واقع دمار شامل يصحّ في البعد الاجتماعي الذي شهد إهدار للمال العام وفساد في مختلف القطاعات وتفاوت في الجهات وكذلك البعد السياسي بعد أن عاشت تونس مرحلة استبداد". وقد اعتبر الجبالي أنّ "مرحلة البناء ستكون صعبة وطويلة" لهذا تمّ تقسيم الرؤية في البرنامج إلى برنامج عاجل ينفّذ هذه السنة وبرنامج على مدّة متوسّطة حدّد للسنة المقبلة وبرنامج على المستوى البعيد يقع تنفيذه الى حدود سنة 2030. الإصلاح السياسي والاجتماعي وشدّد الجبالي على ضرورة "رصّ الصفوف وبناء وفاق وطني داخل الشعب والنخبة وكل مكوّنات المجتمع المدني" معتبرا أنّ "البناء لا يكون من طرف واحد". كما أكّد الجبالي على ضرورة إسراع المجلس الوطني التأسيسي في وضع الدستور حتى يتمّ بناء تونس مضيفا أنّ "الدستور هو ساس البناء". وفي هذا الإطار، قال الجبالي أنّ "الدستور يجب أن يجمع أبناء الوطن وأن لا يفرّق بينهم" وأنّ هذا "شغل كبير ودونه ستكون تونس هي الخاسرة وستميل بذلك الكفّة إلى المجهول والعنف". كما أبرز الجبالي أنّ برنامج الحكومة قد حدّد في المجال السياسي مؤكّدا على أهمية تحديد المدّة النيابية لكلّ حكومة لبناء دولة ديمقراطية. في هذا السياق، أصرّ الجبالي على أن يحدّد المجلس التأسيسي تاريخا محددا الانتخابات بعد أن اقترحت الحكومة ان لا يتجاوز ربيع أو صيف السنة المقبلة كأقصى حدّ وأن يضع هيئة مستقلّة للانتخابات يرجع للمجلس البتّ في محتواها وشكلها. وقد اقترح الجبالي على المجلس الوطني أن يبت في مسالة الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري وأن يبتّ في مرسومها. كما أشار الجبالي إلى ضرورة وضع قانون ينظم الأحزاب والتمويل وكذلك الامر بالنسبة للبلديات وبعث مجالس جهوية يتمّ تعيينها بالوفاق والتشاور. وتحدّث الجبالي خلال الجلسة عن ملف الفساد عبر تفعيل هيئة عليا لمقاومة الفساد وإرساء مجمع قضائي مختص وتنظيم حوار وطني حول أهمّ الإصلاحات. وبيّن الجبالي تشتّت اللجان وضيق الوقت في السعي لجمع الاملاك المصادرة بحيث تقرر تجميعها في لجنة عليا معبّر عن "أمله في الرقي بالبلاد". أمّا على المستوى المتوسّط لبرامج الحكومة وفيما يتعلّق بالإصلاح السياسي، فقد أكّدت الحكومة على أهمية طرح الملفات الكبيرة على الحوار الوطني ووفاق حول التموقع الإقليمي لتونس والتخطيط للمرحلة القادمة لهدف ترسيخ البناء الديمقراطي. المجال الاجتماعي والاقتصادي وصف الجبالي الوضع الاجتماعي والاقتصادي في تونس بالفادح والدمار الأكبر باعتبار أنّ التفاوت الجهوي كبير ومخل ونسبة البطالة تجاوزت 19 % ونسبة فقر وصلت 24 % وفساد عمّ جلّ القطاعات والمؤسسات العمومية. وتطرّق الجبالي إلى الأموال الطائلة التي نهبت من البلاد وهرّبت إلى الداخل والخارج والتي أثقلت كاهل الشعب وليس الحكومة فقط.
وتساءل الجبالي عن الدولة التي تستطيع أن تقضي على البطالة في سنة في ظلّ توجّه أصابع الاتهام للحكومة بأنّها لم تتّخذ الإجراءات اللازمة للقضاء على هذا المشكل". ولمجابهة الوضع الاجتماعي والاقتصادي حدّدت الحكومة 3 مراحل باعتبار أنّ الاقتصاد يمرّ بأزمة لا بدّ أن تواجه بكلّ "شجاعة وصرامة" "فتونس تعيش مرحلة الإنعاش"، على حدّ قول الجبالي، ولهذا يجب أن تتضافر كلّ الجهود من رجال أعمال وجهات و"حكومة لا تتهرّب من مسؤولياتها". وأبرز الجبالي السمة البارزة لرؤوس الأموال التي تتّسم بالتخوّف والانكماش فرجال الأعمال والذين اعتبرهم الجبالي "رجال العمايل" مازالت لدى بعضهم "عقلية الاستبداد". كما أكّد الجبالي أنّه بغياب رأس المال لا بدّ على الدولة أن تسخّر المال العام لمعالجة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية. وقد رفض الجبالي فكرة كثرة التداين وأنّه حتى وإن تداينت تونس فيجب استثماره في التنمية الجهوية والبنية التحتية والتشغيل. وعن أولويات الحكومة قال الجبالي أنّ "الحكومة مطالبة بالتنمية في الجهات المحرومة والتشغيل والتجهيز. وبلغة الأرقام أثبت الجبالي أنّه لأوّل مرّة في تاريخ تونس تبلغ ميزانية التنمية 6200 مليون دينار أي بزيادة تقدّر ب 1200 مليون دينار على الميزانية الأصلية حيث تمّ توزيع قرابة 75 % من الاعتمادات على الجهات المحرومة. كما قال الجبالي أنّ قسط التشغيل بلغ 511 مليون دينار مع أمل تشغيل أكثر من 75 ألف. وأثبت الجبالي وجود تقدّم وتحسّن في بعض القطاعات مثل السياحة والصناعة والتصدير رغم أنّ هناك أطراف تقول بأنّ تونس سوف "تصير في داهية " لكن المؤشرات إيجابية وقد بلغت نسبة النموّ 2 % بعد أن كانت 2.2- %. وفيما يتعلّق بإعلام الحكومة وليس التلفزة فقال الجبالي بأنّه ناقص فالحكومة تعمل بصمت ليلا نهارا على الميدان لرصد كلّ دينار في مكانه. وأكّد الجبالي أنّ الهدف من التمويل العمومي هو خلق تنمية ومواطن شغل وبناء البنية التحتية وله شروط تحدّده كالآتي: - لا يجب أن تتواصل هذه الفترة طويلا بل يجب أن تقف عند حدّ معيّن. - يجب أن يسيّر نحو التنمية والبنية التحتية و هو ليس للكماليات. - يجب على الجميع أن يقدّموا تضحيات وهو نداء موجّه للرأس المال الوطني.
برنامج طموح كما اعتبر الجبالي جملة الإصلاحات "بالطموحة وليست بالهينة" خاصة في هذا الظرف الذي تعيش فيه تونس. ووعد الجبالي بتنفيذ هذه الإجراءات مع ضرورة التركيز على أولويات الحكومة الخمسة والتي تتمثّل في الحدّ من معاناة الجهات المحرومة والفئات الضعيفة من خلال رفع منحة العائلات المعوزة من 70 دينار إلى 100 دينار وبناء المساكن الاجتماعية إلى حين توفير بيت لكلّ عائلة ، مؤكّدا أنّ الحكومة لن تواصل دائما إعطاء المنح على المستوى المتوسّط والبعيد لتعوّض بمصدر للعيش الكريم. أمّا الأولوية الثانية لحكومة الجبالي فهي التشغيل والتكوين أين ستسعى إلى انتداب ربّما أكثر من 25 ألف عاطل عن العمل من خلال انشاء 60 مشروع كبير بمعدّل مشروعين في كلّ ولاية وخاصة في المناطق المحرومة. وتتمثّل الأولوية الثالثة في الحرب على غلاء المعيشة والأسعار المرتفعة وقد قال الجبالي أنّ تفكّك المنظومة الحزبية "التجمّع" الذي كان يتحكّم في جزء لا بأس به من مسالك التوزيع ومازال إلى حدّ الآن قد أثّر سلبا على الأسعار، مضيفا أنّ الإخلال الأمني كذلك وعمليات التهريب المتواترة من القطر الليبي الشقيق والتي لا دخل للسلطات الليبية بها هي أيضا من بين المسبّبات. كما أكّد الجبالي على وجود عصابات تقوم بالتهريب وخاصة للمواد المدعّمة التي تمرّ عبر الحدود. وللتصدّي لهذه الظاهرة تحدّث الجبالي عن الاتفاقية بين تونس وليبيا لوضع مراقبة مشدّدة على الحدود بين البلدين. وشدّد الجبالي في هذا السياق على عمل الحكومة التي لن تدّخر جهدا من أجل التخفيض في الأسعار قبل حلول شهر رمضان معتبرا أنّ التونسي لا يمكنه "تحمّل غلاء قفّته". وقد اعتبرت الحكومة ملف الضحايا ومسألة الفساد رابع أولوية لها رغم تأخّر حلّ هذا المشكل وخاصة فيما يتعلّق بملف الجرحى والشهداء والعفو التشريعي. وقال الجبالي أنّ العفو سيتمّ تفعيله مؤكّدا على أنّه لن يبقى أحد في تونس حقّه مهضوم. وحول ملف الفساد أعلن الجبالي أنّ المجمع القضائي سيعجّل النظر فيه بعدالة لطيّ الملف حتّى تدخل الحكومة في المصالحة ولكن بعد المحاسبة. ومن آخر الأولويات للحكومة هي الأمن في بعده الشامل والذي يرى الجبالي أنّه "لا تنمية ولا سلم اجتماعي ولا استثمار دون أمن" مضيفا أنّ "هنا يكون الأمن الجمهوري". وقال الجبالي في هذا السياق أنّ كلّ رجال الأعمال الذين تناقشوا مع الحكومة أكّدوا على ضرورة توفير الأمن كشرط.
رفض سياسة العصا
وعبّر الجبالي عن رفضه لسياسة العصا معتبرا أنّه لا وجود لحكومة ديمقراطية تضرب أبناءها. ومن جهة أخرى، شدّد الجبالي على ضرورة الحدّ من الإضرابات والاعتصامات العشوائية مضيفا أنّ حرية التظاهر والاعتصام والتعبير مكفولة. كما أبرز الجبالي وعي الحكومة بأنّ هذه الإضرابات تأتي من مظالم اجتماعية واقتصادية ولكن على المجتمع أن يعي بأنّ الدولة لا يمكن أن تستقرّ في ظلّ انخرام أمني يخدم مصالح ضيقة. وأكّد الجبالي أنّ الحكومة لن تستسهل في مسالة الأمن ولا يعني أنّها ستتعسّف خاصة بعد أن لاحظت وجود تطاول على الدولة وسلطة الدولة. ودعا الجبالي إلى ضرورة التفاؤل بالمستقبل باعتبار أنّ تونس تعيش "مرحلة مخاض" تتعلّم فيه الديمقراطية التي تعتبر ثقافة وتقاليد. كما اعتبر أنّ ظاهرة العزوف عن العمل والتواكل تحتاج إلى ثورة ثقافية ثورة قيم كما دعا الجبالي إلى الترفّع ورسم صورة تونس الجميلة أمام العالم والمصالحة الوطنية وكذلك المصالحة مع وسائل الإعلام من الطرفين داعيا بذلك رجال الإعلام للتصالح مع ثورتهم. وقد وجّه الجبالي رسالة إلى رجال الأعمال مفادها أنّ "على من أفسدوا أن يتوبوا بالعمل وأن يدركوا أنّ هذه الثورة جاءت لتغيّر ما بالعقول". ودعا الجبالي أيضا حكماء تونس "رجالها الكبار" إلى ضرورة بعث مجلس حكماء تونس يتمّ العودة إليه في الأزمات يجمع ولا يفرّق. وفي نهاية الجلسة عبّر الجبالي عن أمله في أن تكون هذه الفترة الانتقالية فترة بناء تفتح الآمال أمام شباب تونس.