عشية يوم الإثنين 11 نوفمبر التقى السفير الأمريكي لدى تيرانا الكسندر أرفيزو مع رئيس الوزراء الألباني إيدي راما ووزير الخارجية في فيلا حكومية في العاصمة. وترددت أنباء عن أن الولاياتالمتحدة طلبت خدمة.. ليتبلور رد فعل عنيف بصورة غير مسبوقة بعد شهرين من تولي راما منصبه. كانت واشنطن تريد من ألبانيا الدولة العضو في حلف شمال الأطلسي التي يبلغ عدد سكانها 2.8 مليون نسمة استضافة عمليات تدمير 1300 طن من غازات الأعصاب السورية بموجب خطة تم الاتفاق عليها مع روسيا لمنع استخدام هذه الأسلحة في الحرب الأهلية السورية الدائرة منذ عامين ونصف العام. كانت ألبانيا خيارا أساسيا. فالدولة الفقيرة المطلة على البحر الأدرياتي التي يطلق عليها "الولاية 51" في اشارة للولايات الأمريكية الخمسين موالية بقوة لواشنطن وكانت أول دولة في العالم تتخلص من أسلحتها الكيماوية التي تعود للحقبة الشيوعية في عام 2007 وتحملت واشنطن معظم تكاليف هذه العملية التي بلغت 48 مليون دولار. وفي مواجهة موعد نهائي يحل يوم 15 نوفمبر للانتهاء من الخطة استمرت محادثات أرفيزو وراما حتى الواحدة صباحا. وفي اليوم التالي تجمع مئات المحتجين أمام السفارة الأمريكية يرددون "لا..لا..لا". وفي آخر لحظة ومع اتساع الاحتجاجات تراجع راما لتتوقف الصفقة المقترحة بنفس الوسائل الديمقراطية التي رحبت بها واشنطن حينما انهار الحكم الشيوعي. وقال راما في خطاب بثه التلفزيون يوم الجمعة الماضي "من المستحيل أن تشارك ألبانيا في هذه العملية". وبعد الرفض الألباني المفاجيء سارع الدبلوماسيون الأمريكيون إلى الخطة البديلة لاخراج الأسلحة الكيماوية من سوريا في غضون ستة أسابيع بموجب جدول زمني تم الاتفاق عليه مع روسيا أكبر داعم للرئيس السوري بشار الأسد بين القوى العالمية الكبرى. ويبرز الموقف التحديات التي تواجه خطة التخلص من غاز السارين وغاز الخردل وغيرهما من غازات الأعصاب القاتلة كما تلقي الضوء على حدود الدبلوماسية الأمريكية. في الوقت نفسه وجهت اتهامات إلى راما بالفشل في استباق المعارضة المحلية للصفقة. وقال دبلوماسي غربي كبير "كان من الممكن قول "نعم" كان راما يرغب في أن يقول "نعم" لكن في النهاية أصبح من المستحيل بالنسبة له أن يقولها." ومثل غيره ممن أجرت رويترز معهم مقابلات في هذا التحليل ليس مسموح لهذا الدبلوماسي بالحديث لذا طلب عدم ذكر اسمه. ورفض راما وأرفيزو اجراء مقابلات مع رويترز حول الموضوع عند الاتصال بمساعديهم. وتقول مصادر دبلوماسية إن راما كان يدرك أن ألبانيا أحد البدائل المطروحة لهذه العملية منذ سبتمبر أيلول حينما اجتمع وزير الخارجية الأمريكي جون كيري مع نظيره الروسي سيرجي لافروف واتفقا على الخطة في جنيف مما أدى لتجنب تهديد الولاياتالمتحدة بشن ضربات صاروخية في أعقاب هجوم بغاز السارين يوم 21 أوت في إحدى ضواحي دمشق. وكان راما الذي لم يمض سوى أيام على توليه منصبه حريصا على المشاركة في العملية. وكان سلفه سالي بريشا قد عمل بجد للحفاظ على العلاقات الجيدة مع واشنطن فسمح باستضافة سجناء من المعتقل الحربي الأمريكي في غوانتانامو الذي تعهد الرئيس الأمريكي باراك أوباما باغلاقه فضلا عن مئات من المعارضين الايرانيين في المنفي الذين ظلوا لسنوات طويلة في العراق. وفي عام 2003 وكنوع من التدريب قبل الغزو الأمريكي للعراق سمحت ألبانيا للطائرات الأمريكية بقصف مخابيء تنتمي لعهد أنور خوجة زعيم البلاد في الحقبة الشيوعية. ورغم أنه من غير المعروف ماذا ناقش راما على وجه التحديد مع السفير الأمريكي قال رئيس وزراء ألبانيا في وقت لاحق إن الاتفاق كان سيشمل تعهدا أمريكيا بإزالة العشرات من "بؤر التلوث" البيئي في ألبانيا وهو أرث يعود لحكم خوجة وعقدين من التوسع الصناعي بعد سقوطه. وقدرت الفوائد التي كان سيجنيها الاقتصاد الألباني بعشرات الملايين من الدولارات إذ ان تطهير بؤر التلوث الصناعي سيعزز الجهود التي تبذلها ألبانيا لتسويق نفسها كمقصد سياحي جديد على البحر الأدرياتي. لكن قبل أن يتمكن راما من الترويج للخبر ترددت تقارير عن أن ألبانيا قد تتحول إلى مقصد لتدمير ترسانة سوريا من السلاح الكيماوي. وكان أول من ذكر البانيا كمكان محتمل لتدمير المخزونات السورية "غلوبال سيكوريتي نيوزوير" وهو موقع اخباري يركز على الأسلحة النووية والبيولوجية والكيماوية والأمن وذلك يوم 31 أكتوبر الماضي. والتقطت الصحافة الألبانية التقرير خلال الأيام القليلة التالية وأكد وزير الخارجية ديتمير بوشاتي الاحتمال في مقابلة مع صحيفة "لوموند" الفرنسية في الرابع من نوفمبر. وعبر دعاة حماية البيئة عن قلقهم واستعانت جماعات الشباب بموقع فيسبوك لتعرب عن احتجاجها. وصعدت المعارضة تحركاتها واتهمت راما بالتفاوض سرا على اتفاق سيعرض الألبان للضرر. ووصف معارض بارز راما بانه "ايدي الكيماوي" على غرار ابن عم الرئيس العراقي الراحل صدام حسين المعروف باسم "علي الكيماوي" لمسؤوليته عن هجمات بالغاز على الأكراد في شمال العراق عام 1988. وفجأة تراجع راما عن موقفه. وأجرى مكالمة هاتفية مع وزير الخارجية الأمريكي جون كيري. يقول دبلوماسيون ومسؤولون ألبان إن كلا من راما وأرفيزو لم يتوقعا حجم المعارضة. كما فشل راما في الحصول على مساندة من شريكه في الحكومة الائتلافية أو من الرئيس الألباني. وقال مسؤول أمريكي "لقد كانت مهمة سهلة..لكنها تحتاج لحملة علاقات عامة صعبة". (رويترز)