◄ الاقتصاد المُوازي استحوذ على 80 % من السّيولة البنكية صعوبة الوضع الاقتصادي وآفاق الإصلاح كانا محور لقاء جمعنا بالأستاذ الجامعي والخبير الاقتصادي فتحي الجربي الذي أشار من بين ما أشار اليه أن مديونية الدولة تبلغ 70 % من الناتج الداخلي الخام، مبينا أن المؤشرات التي تمّ اعتمادها من قبل الحكومات المتعاقبة منذ الاستقلال إلى اليوم هي مؤشرات وأرقام مغلوطة لا سيّما تلك الصادرة عن البنك المركزي والمعهد الوطني للإحصاء. وأضاف الجربي أن ارتفاع المديونية ناتج عن خطإ في احتساب الديون، بما أن الهياكل الرسمية لا تعلن سوى عن الديون التي يتم استخلاصها على المدى البعيد؛ فيما يقع التغافل عن الديون التي يستوجب تسديدُها على المدى القصير، بالإضافة إلى ديون الاستهلاك، أي ما يتم شراؤه من معدات وآلات من قبل مؤسسات الدولة وتستخلص على أقساط. وشرح "فتحي الجربي" في ذات السياق أن هيكلة الاقتصاد التونسي هشّة، وأن تدحرج الحكومات نحو الاقتراض من شأنه أن يعمّق من الأزمة لا سيما وأن هذه القروض لا تسخّر لتحقيق التنمية في الجهات الداخلية التي تزخر بخيرات جمة، وإنما لتغطية مصاريف الدولة، وهو ما يعمّق من المديونية، ومن تبعيّة الدولة للمؤسسات المالية العالمية. وبشأن تواصل تخفيض الترقيم السيادي لتونس من قبل وكالات التصنيف العالمية، كشف محدّثنا أن الحديث عن تردّد البنوك المانحة في اسناد القروض لتونس هي مغالطة بل وأكذوبة كون هذه البنوك (على غرار البنك الدولي والصندوق النقد الدولي والبنك الافريقي للتنمية...) أنشأت بالأساس لدعم الدول التي تعاني من مشاكل اقتصادية، وأوعز "الجربي" تردّد هذه البنوك في صرف القروض المسندة لتونس لضعف السّيولة لديها بما أنها أصبحت ملجأ عدد هام من دول العالم التي تعاني من تبعات الأزمة الاقتصادية التي اندلعت منذ 2008. وعلى غرار مختلف بنوك العالم تقع البنوك المانحة تحت وطأة الأزمة العالمية وهو ما يفسّر عجزها عن تلبية عدد من الدول بصورة عاجلة. وحول مشروع ميزانية الدولة أفادنا الخبيرالاقتصادي أنه بني على فرضيات خاطئة وتحديدا فيما يخصّ التناقض الكبير بين حجم موارد الدولة وحجم النفقات باعتبار أن الحكومة ركزت على موارد مشكوك في امكانية الحصول عليها في ظل ما يعرفه الاقتصاد من تراجع للصادرات أمام ارتفاع الواردات؛ بالإضافة إلى التضخم المهول الذي تعرفه الأسعار، دون نسيان تعطل عجلة الانتاج في عدد من المؤسسات بسبب الاضرابات العشوائية التي تعتبر ضربة قاسية للاقتصاد الوطني والتي تؤدي إلى نتائج كارثية. وواصل محدّثنا قائلا:'' إن نسبة عجز الميزانية ليست 6 % مثلما أعلن عن ذلك وزير المالية إلياس الفخفاخ، بل هي أعلى من ذلك بكثير، وتتراوح بين 30 % و 40%. ويعود ذلك إلى ارتفاع المصاريف لا سيما منها التضخم غير المبرّر لمصاريف الدولة في الوقت الذي تحجم فيه المؤسسات المالية العالمية عن صرف القروض المتفق عليها. من جهة أخرى اعتبرالجربي أن قانون المالية الجديد سيمحُق المقدرة الشرائية للطبقة الوسطى والفقيرة بسبب الترفيع في عدد من الضرئب وابتداع أخرى، مبيّنا أنه مقابل إجبار هؤلاء على الدّفع يتهرّب السواد الأعظم من أصحاب المهن الحرّة وأصحاب الشركات عن الدفع وهو ما يخلق عدم توازن في استخلاص الضرائب؛ وهذا يترجم ضعف العائدات. واعتبر فتحي الجربي أن الوضع الاقتصادي لم يعد يحتمل أكثر، ويستوجب إيجاد حلول عاجلة وفعّالة، مؤكدا أن البداية تكون عبر محاربة الاقتصاد الموازي من خلال التصدي للتهريب والتجارة الموازية التي استحوذت على جزء هام من السيولة البنكية وهو جزء مقدر بنسبة 80% . وذكر أن التغاضي عن المهرّبين والتجارة الموازية هو ضرب للاقتصاد الوطني القائم على التجارة المهيكلة والانتاج الصناعي والفلاحي المحلي، وهو ما يعتبر ضربا للمنظومة البنكية بما أن المعاملات المالية للاقتصاد الموازي تتم خارجها. جريدة "الصباح" الصادرة يوم الثلاثاء 17 ديسمبر 2013