*معالج روحاني مهنة جديدة تستهوي الشباب ! *جلسات العلاج بمئات الدنانير والنساء زبائن أوفياء تطرقت الشقيقة "الصباح الأسبوعي" في عددها الصادر اليوم الإثنين إلى مسألة الرقية الشرعية بين الدّين والشعوذة. وفي ما يلي نص المقال كاملا : لا تخلو المجتمعات في الغرب و الشرق و بالخصوص المجتمع العربي من ظاهرة السحر والشعوذة والدّجل بمختلف أشكاله؛ من قراءة الفنجان إلى قراءة الكف.... و قد أكّدت تقارير إعلامية مختلفة حتى منذ ما قبل الثورة ولع التونسيّين بأعمال السحر وهوسهم بمعرفة خفايا المستقبل؛ وهو ما أتاح الفرصة للمتمعّشين من مهن «العرافة» ليكدّسوا ثروات طائلة من خلال مهنتهم التي هي في نهاية المطاف ضحك على ذقون المغفلين من البسطاء والسذّج. وكلنا يتذّكر تلك العناوين المثيرة، المكتوبة «بالبنط العريض» والتي تصدّرت أغلب الصفحات الأولى لجرائدنا اليومية والأسبوعية عارضة عمليّات احتيال غريبة وأحيانا طريفة، ذهب ضحيّتها مواطنون انطلت عليهم حيل المحتالين والدجّالين. والملفت للانتباه أن ضحايا الدجّالين في أغلبهم هم من المثقفين والمتعلّمين!! تقليعة ما بعد الثورة.. بعد الثورة في تونس، فقد العرّافون «التقليديّون» من الذين يمتهنون السحر و«الشعوذة» سوق الشغف بمعرفة الغيب المكتظّ دائما بالزبائن لصالح منافسين جدد. انهم المعالجون الروحانيّون، أوأولئك الذين يحترفون «الرقية الشرعية»، أو العلاج بما أنزل الله من آيات قرآنية اعتمادا على قوله تعالى في الآية الكريمة: «وننزّل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين». والمقصود ب«الرقية الشرعية» قراءة الآيات القرآنية أو الأدعية مع النفث على الموضع الذي يتألم منه الجسد (أو على المريض المراد رقيته)، وتُعتبرمن أساليب العلاج الشائعة في العالم العربي و الإسلامي. أغلب المعالجين الرّوحانيين، ممّن يدّعون قدرتهم على معالجة أكثر الأمراض المستعصية والمميتة أحيانا والتي عجز حتى الأطباء عن إيجاد ترياق الشفاء لها، هم من الشباب المتديّن الذي يمارس مهنة العلاج الروحاني، إمّا عن حسن نية أوبرغبة صادقة في جعل كلام الله هو البلسم الشافي من كل الأمراض التي تعتبرابتلاء من الله لامتحان صبر عباده الصادقين . اليوم لم يعد هؤلاء يعتمدون على طرق الإشهار التقليدية للتعريف بأنفسهم للزبائن من خلال تلك الإعلانات التي كانت تملأ صفحات الجرائد ، بل أصبحوا يعتمدون على طرق أكثر حداثة تأخذ بسبل التطوّر التكنولوجي. فيكفي أن تتصفّح «الانترنات» لتطالعك يوميا عشرات الصفحات المختصّة في المعالجة الروحانية باعتماد «الرقية الشرعية» عبر مواقع التواصل الاجتماعي وخاصّة موقع «الفايسبُوك». التسويق الافتراضي .. عشرات الصفحات وآلاف المتابعين لأخبار الرقاة والمعالجين الروحانيّين. صفحات توشّحها آيات قرآنية وفتاوى تقرّ بجواز الرقية شرعا، لمنظّر السلفية في الجزيرة العربية «ابن عثيمين خاصّة لفتواه الشهيرة التي تتقاسمها أغلب الصفحات على «الفايسبُوك» والتي يقول فيها: «هذا العمل جائز، أي للإنسان أن يكتب القرآن بمداد يجوز شربه ، ثم يوضع هذا المكتوب في ماء ويرجّ، ثم يشرب، وقد كان بعض السلف يفعلون ذلك». تلك الصفحات عادة ما تضع عناوين وأرقام هاتف المعالجين الروحانيّين، لتسهيل التواصل مع الزبائن. وقد جرّبنا الاتصال بأحدهم ويدعى (ع.د)، وبعد محاولات كثيرة لانشغال الخط، تمكنّا من الحديث معه، وقد أخبرناه بأوّل قصّة خطرت ببالنا وهي ان قريبة لنا تجاوزت الأربعين ولم تتجزوّج، وقد أخبرت أنها ضحيّة لنوع من السحرالأسود دفن في قبر مهجُور؛ فصمت "المعالج" لبرهة وكأنه يفكّر في ردّ مناسب، ثم قال: إن الحالة ليست مستعصية وإن هذا النوع من السحر منتشر في تونس؛ وقد تمكّن بفضل بعض الآيات القرآنية من فكّ طلاسم هذا السحر والمطلوب فقط هو اتصال القريبة به مباشرة (ذكر لنا العنوان) لإجراء جلسات علاج بالقرآن وسيزول السحر، وبالنسبة إلى مقابل أتعابه (وهنا الصدْمة) فإنه ذكرأنها ستكون في حدود 300 دينار؛ لكن العلاج قد يطول وترتفع الأجرة قليلا، وعلّل ذلك بأن السحرالمدفون في قبر مهجورلا أحد يعلم مكانه وذلك من أصعب أنواع السحرالذي يتطلّب مجهودا خارقا ولا يقتصر على «الرقية الشرعية» فقط بل يتطلّب الاغتسال بمياه ذات خاصّية فريدة واستنشاق نوع من البخور المستورد من مناطق بعيدة وهذا كلّه مُكلف ماديا. وسائل الإعلام بدورها شجّعت على هذا النوع من المعالجين، حيث عمدت بعض البرامج الاجتماعية في بعض قنواتنا الفضائية إلى تقديمهم في صورة «المنقذ» من السحر بأنواعه وخاّصة ممّا يسمّى ب«السحر المدفون» والذي تُسهب صفحات الرقية والمعالجة الروحانية على «الفايسبُوك» في الحديث عن أعراضه كوجع الرأس الشديد و«زغللة» العينين والضعف العام وعدم القدرة على القيام بالأعمال العادية أو عوارض أخرى كالاختناق أثناء النوم ورؤية المقابر والأموات في المنام !!! علما أن هذه الأعراض قد تكون أعراضا شائعة لأمراض نفسيّة وبدنية معروفة وليست بالضرورة عوارض لسحر مدفون. وقد وصلت الجرأة ببعض المعالجين الروحانيين في برنامج تلفزي إلى الاستئذان من الهياكل المعنيّة وعلى الهواء مباشرة!! السماح له بفتح قبرامرأة ميتة لإزالة السحرالذي تعاني منه شقيقتها. هذا الطلب الغريب لم يستفز أي سلطة معنية للتدخّل أو للتثبت في ما هل وقعت حوادث مشابهة مسّت بحرمة الموتى من أشخاص يدّعون أنهم يعالجون بالقرآن والسنة أم لا؟ وهكذا نراهم لا يحترمون أهم مبادئ الشرع وهو حركة الموتى!! الشيخ فريد الباجي ل"الصّباح الأسبوعي" : 90 %هم مشعوذون ولا يفقهون من الدين شيئا!! حول ظاهرة انتشار ظاهرة "الرقية الشرعية" أو ما يسمّى ب«المعالجين الروحانيّين» في تونس خاصّة بعد الثورة، اتصلت الصّباح الأسبوعي بالشيخ فريد الباجي، رئيس«دارالحديث الزيتونية»، فأفادنا بأنه حسب متابعته لوضع «الرقية الشرعية» في تونس يكاد يجزم أن 90 % من هؤلاء المدّعين بقدرتهم على بالمعالجة ب«الرقية الشرعية» هم من المشعوذين الذين يستغلون سذاجة وبساطة بعض الناس لجني الأموال الحرام... ويضيف الشيخ فريد الباجي أنّ «الرقية الشرعية» علم واسع يحتاج إلى إتقان وحفظ للقرآن الكريم، ويُشترط أن لا نلجأ إليها إلا بعد أن يرفع الأطباء أيديهم عن المريض، فالإسلام و الشرع شجّعا على العلم والمعرفة». وسألنا الشيخ عمّا يفسّرالإقبال المتزايد على «الرقية الشرعية « فأشار إلى أنه قد يتبيّن أحيانا أن المريض يشكو من ضعف في علاقته الروحانية مع ربّه، والرقية هنا يمكن أن تعالج ذلك الضعف، وقد أكّد محدّثنا بقوله إنّ الانسان قد لا يحتاج الى معالج اذ يمكنه أن يعالج نفسه بنفسه بالقرآن وبالآيات الكريمة. وعن رأيه في الترّهات التي يأتيها البعض بدعوى العلاج الروحاني ، قال الشيخ : إنه بالنسبة إلى هذه البدع ك(ذبح الديك أو نبش قبورالموتى) يعتبر ذلك من المحرّمات وهو مخالف للشريعة التي دعت صراحة الى احترام الموتى، وبالتالي ذلك يتعدّى حدود الله. وختم الشيخ فريد الباجي حديثه بالقول إن الشعب التونسي يميل إلى العلاج الروحاني ويقبل عليه بسبب كثرة الاضطرابات الروحية والنفسية التي يمرّ بها في هذه المرحلة الدقيقة والحرجة؛ لكن هناك من يستغلّ ضعف الناس للتحيّل عليهم وإيهامهم بأشياء ما أنزل الله بها من سلطان وأولئك هم من يجب ردعُهم.