تونس – الحوار نت: تعتبر تونس الدولة العربية الوحيدة التي رخّصت لمهنة العرّافين أو الأطباء الروحانيّين أو المشعوذين والسحرة، وهو الاسم الصحيح لغة واصطلاحا، ما نتج عنه ازدهار كبير لهذه "التجارة" المنبوذة عرفا والمحرّمة شرعا، كما سمح هذا التقنين بتدفق العديد من مشعوذي البلدان الأخرى على بلد عقبة والزيتونة ليستقرّوا بها ويستغفلوا شريحة غافلة من شعبها ثم لتكون أرض العلم والتنوير نقطة استقطاب لسياحة السحر والشعوذة والتدجيل. تقول واحدة من العرّافات اللواتي ذاع صيتهنّ ولديها مكتبين واحد بفرنسا والآخر بتونس أنّها "تخرّجت من كلية الإيمان بالله تعالى" ونسبت إلى نفسها أشياء لم تنسب حتى إلى الأنبياء والرسل، فقد ادعت أنّه بإمكانها معرفة أسرار الماضي والمستقبل..
عرّافة تونسية أخرى تنشط في هذا المجال وأسهم اسمها داخل وخارج البلاد تناطح السحاب، كانت قد احتجّت وعبّرت عن انشغالاتها من الدخلاء على الميدان وحذّرت منهم، بل وذهب بها الأمر إلى تقديم بعض أوصافهم وأفعالهم وطريقة عملهم لكشفهم أمام الناس حتى يتجنبوا شرورهم على حدّ قولها، هذه العرّافة قالت بأنّ الأمر يختلف معها وأنّها وصلت إلى مكانتها المرموقة بفضل دراستها لعلم الفلك وعدّة تخصّصات أخرى، وأشارت إلى أنّها عضو فاعل في الاتحاد العالمي للفلكيّين الروحانيّين بباريس وعضو الأكاديمية العالمية للحكماء ببرلين.
من بين الحالات التي "عالجتها" أو بلغة أصح تعاطت معها هذه "المثقفة الأكاديمية" حالة طالما استشهدت بها في لقاءاتها الصحفية أو ندواتها الخاصّة.. الرواية تقول "بأنّ سيدة ثريّة وجميلة لجأت إليها دون علم زوجها لتخبرها بأنّ بطنها انتفخ وحين عُرضت على الأطباء أخبروها بأنّه حمل كاذب، وكان أن عرضت نفسها على هذه العرّافة التي اكتشفت بأنّ جنيّا يعشقها وقد اغتصبها وحملت منه، فترجتّها المرأة أن تسقط لها الجنين حتى لا يفتضح أمرها، لكن العرّافة رفضت لأنّها تخشى عليها من غضب الجني وربما لأنّها "تخشى الله سبحانه وتعالى وتعرف أنّ الإجهاض حرام شرعا"، وتضيف العرّافة أنّها ساعدت المرأة عندما جاءها المخاض ولم تستطع أن ترى الجنين لأنّ أباه خطفه بسرعة وغاب وأنّها بفضل ما لديها من خبرة وقوة خارقة وطلاسم "هكذا قالت" تمكّنت من إبعاد الجني وعاشت المرأة بسلام وأمان.
إذا ما كانت هذه صفوة العرّافين وطبقتهم المثقفة والتي "تخشى الله" فكيف ستكون تصرّفات العرّاف المُنحلّ الأمّي "الخليقة"؟!
لقد توسّعت طبقة المنتفعين من مساحة الشعوذة والسحر التي أفردتها السلطة لشعبها، ربما في إطار مكافحة البطالة والجريمة والحرقة، فبعد أن كانت تضمّ الحابل والنابل توسّعت لتضمّ حابل الحابل ونابل النابل، توسّعت بفضل تحالف بين الدجّالين والصحافة الصفراء التي تروّج لهم وتسترزق من زعافهم.
الأمر وصل إلى درجة كبيرة من التردي كيف لا وهذا خريج سجون من الوسط الغربي فتح مع زميله محلا للتدجيل، وهو المتورّط في قضيّة أخلاقيّة شنيعة قضى بموجبها 5 سنوات في السجن، يخرج ليصبح في لمح البصر قبلة ربّات البيوت والموظفات وزوجات رجال محترمين وأمهات لأبناء في عمر الزهور.
بات هناك بونا شاسعا في تونس اليوم بين التحصيل العلمي في مجال ما وبين الثقافة حتى أنّك أصبحت تجد حاملا أو حاملة لشهائد عليا يترقّب دوره يكبّه النعاس، جالسا على كرسي رث يتطلع متى ينعم عليه مشعوذ جاهل ببعض الدقائق التي سيبوح له فيها بأسراره العائلية وتفاصيل خاصة عن الأم والأخت والزوجة والابنة... كل هذا والدجال يروي فضوله من أسرار العائلات ويتمتع بغباء جامعية أو جامعي جاهل، وينعم بأموال المغفلين.
مدراء مؤسسات ورؤوساء نوادي، ممثلين وساسة منهم من يلعب بثوابت الشعوب ومنهم من يسوم الناس العذاب، منهم من يمتص عرق "الخدّامة" كل هؤلاء بأطقمهم الأنيقة الفاخرة أو فساتينهنّ الباهظة وأنفتهم المصطنعة.. كل هؤلاء لعبة في يد مشعوذ أفّاك، "نخبة" القوم هذه يحكم عليها دجال بأكل الزرزومية والفكرون وأم البوية وبكشاش... غريب ما وصل إليه حالنا في تونس، وزير "يغزغز" في خنفوس ميت، وفنّانة مشهورة تسف عظام الموتى بقرار من مشعوذ جاهل عثر على من هو أجهل منه.
من فرط انتعاش الشعوذة في تونس، اتجه أرباب المهنة إلى التخصّص فهذا صيته ذاع في التداوي بالأعشاب اختصاصي أمراض مستعصية، والآخر في "الرقية الشرعيّة"، وثالث في مكافحة العنوسة.. وغيره في تطويع الرجل لزوجته، أيضا هناك مختصّون في الثروة والجاه والمناصب السياسية وموسم هؤلاء سيزدهر مع اقتراب استحقاق الانتخابات البلدية... شريحة أخرى اختارت العمل مع بنات المصانع ووطّدت علاقتها مع عانس تبحث عن زوج، وزوجة تتطلع لإخضاع زوج.
أمّا المبكيات المضحكات هو ما يقدم عليه البعض من فتح دكاكين قرب المؤسسات التعليميّة من أجل لمّ شمل هذه التلميذة على ذاك التلميذ وتلك على هذا، وجلّ المطالب تدور من جهة حول "أريده أن يعود إليّ"، ومن جهة أخرى "استعصت أريد أن أطوّعها"، ومن غرائب ردود أحد الدجالين حين عوتب في استعماله للشعوذة والسحر من أجل الإيقاع بتلميذات صغيرات فريسة للمنحرفين قوله "إنّي أجعله يقسم على المصحف قبل أن أذلل له الفتاة أنّه إذا أنهى دراسته وتحصّل على عمل لن يتركها وما نطيحش هالو حتى يعاهدني" هكذا قال أحدهم..
رواج هذه الجرائم تتمّ عبر الصحف مثلما تتمّ عبر الدعاية التي يقوم بها الجناة وأعوانهم، وكلّ يطلق العنان لخياله.. والغريب أنّ جمهرة من الناس أصبحت تصدق الأخبار الخرافية وتكذب الخبر المسلم، فكيف يصدق أحدهم حين يدّعي أنّه وراء كساد كليب الفنانة الفلانية وأنّه عطّل احتراف اللاعب الفلاني في أوروبا، وأنّه وراء الإصابات المتتابعة للاعب الفريق الفلاني..!!
هكذا يتمّ العبث بالصبايا وبالمثل وبالعلم وبالثقافة وبالدين.. تحت الرعاية السامية لدولة القانون والمؤسسات.