كم كان صعبا علينا اليوم أن نرثيك وقد كنت بالأمس القريب بيننا تشحذ عزيمتنا وتشد صفوفنا، كم كان عسيرا على الكلمات أن تصف مشاعر الحزن التي انتابتنا ونحن نتلقى بالأمس خبر فراقك المحزن وفي الاعين حيرة وتساؤلات كيف استسلم الزميل والصديق والأخ في صراعه مع الموت وقد عهدناه جميعا صلبا قويا في مواجهة الرياح العاتية والعواصف... ما كنا نحسب الموت يداهمك وقد رأيناك تنتصر على المرض مرة بعد أخرى ورأيناك تعود الينا في كل مرة ضاحكا مستهزئا من الحياة، ماحيلتنا وتلك مشيئة الله ولا مرد لقضاء الله... كيف عسانا أن نتعود على فقدانك وقد كنت دوما حاضرا بيننا بعد أن دخلت مرحلة التقاعد قبل بضعة أشهر، لسنا نكشف سرا اذا قلنا ان جل الزملاء من الأجيال المتعاقبة الذين علموا الى جانبك لم يجدوا ما يكفي من الكلمات والعبارات لرثائك وهم أحوج ما يكونون اليوم لمن يعزيهم في مصابهم ولن نكشف سرا اذا قلنا أن رنين الهاتف لم يتوقف اليوم وأن أحر عبارات التعازي ظلت تتوافد على أبناء الدار من الجميع..بالامس ترجل فارس من فرسان القلم في الساحة الاعلامية التونسية مخلفا جيشا من جنود القلم وأصوات الإعلام الحر... مهما قلنا في رثائك فلن نستوفيك حقك أبو هويدة وقد كنت لنا الأخ والزميل والصديق وحتى الاب للكثيرين من الجيل الجديد الذين تحسروا على فراقك. سيدي علي ...عمي علي ...علولو كان لكل منا اسم يناديك به و كنت تسعد بها جميعا فلم تكن يوما ممن يتعلقون بالألقاب الزائفة . مسيرتك بين "الصباح الأسبوعي" و"الصباح" الام تشهد على مسيرة مشتركة لابناء الدار لم تخل يوما من المعاناة والألم ولكنها كانت من نوع المعاناة الممتعة في صراع يومي في ظل صاحبة الجلالة في أزمنة مختلفة .أبيت سيدي علي أيام معركة "الصباح "خلال الاعتصام الطويل من أجل كرامة الصحفي ومن أجل اعلاء حرية الرأي والتعبير الا أن تكون حاضرا وأن تشارك زملاءك رغم المرض والاعتصام يوما بيوم ثم أبيت الا ان تنضم اليهم في اضراب الجوع وتكون الى جانبهم حتى النهاية... نودعك اليوم أبو عاطف كما ودعنا من قبلك فارسا من فرسان القلم صاحب الحربوشة واللمحة الشهيرة محمد قلبي وفي قلوبنا حسرة وأعيننا دموع، عزاؤنا الوحيد في ذلك بقاء الدار الذي جمعت بيننا وتنافسنا في حبها والحفاظ عليها أن تظل "الصباح" مدرسة إعلامية صامدة كما أراد لها مؤسسها وأن تبقى دوما في نصرة الكلمة الصادقة، ان تواصل المعركة لكسب رهان الإعلام الحر الذي يتطلع اليه كل مواطن تونسي..آخر ما نهديك سيدي علي مقولة أمير الشعراء أحمد شوقي الناس صنفان موتى في حياتهم* وآخرون ببطن الأرض أحياء ولئن استسلمت بالأمس للموت فاننا نعلم أن ذكراك بيننا لا تزول ذاك عهد علينا... أيها الصديق العزيز، أب هويدة وعاطف وشريك ليليا ورفيقها في الحياة لقد فاجأتنا برحيلك بلا وداع ونحن في أمس الحاجة الى نصائحك ووقفتك وصدقك لمواصلة المسيرة الصعبة في مرحلة ما أحوجنا فيها للصمود، وداعا عمي علي..وداعا علولو وداعا سيديي علي..نم هانئا يا فارس القلم الذي ترجل باكرا دون سابق انذار..لن تغيب صورتك عن أذهاننا وأنت فرد من أفراد عائلة "الصباح "ستظل ذكراك عالقة بيننا جيلا بعد جيل لانك بكل فخر واعتزاز جزء منا والينا أبناء هذه الدار... اخيرا نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتغمدك بواسع رحمته و أن يغفر لك و أن يسكنك فراديس جنانك... انا لله و انا اليه راجعون