بعد إعلان الجيش المالي في مارس 2013 عن مقتل القيادي في "تنظيم القاعدة في بلاد المغرب" مختار بلمختار أو "الأعور"، تأكد أن بلمختار لم يمت وهو إلى الآن يواصل أنشطته المسلحة في أرجاء عديدة من دول المغرب العربي بين موريطانيا وليبيا. وبعد أن أعلن الرئيس المالي إبراهيم بوبكر كايتا في وقت سابق أسفه عن وجود بلمختار في ليبيا في تصريح صحفي، تمّ نشر بيان في عدة مواقع إسلامية متشددة على الأنترنت يؤكد تجديد "الأعور" بيعته لتنظيم القاعدة عبر تأكيده على طاعة أوامر أيمن الظواهري الشخصية الأولى في التنظيم منذ مقتل أسامة بن لادن. وجدّد القيادي الإسلامي المتطرف الجزائري مختار بلمختار الذي احتل تنظيمه شمال مالي طوال أشهر من العام 2012، تأكيد ولائه لزعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري وذلك في بيان نشر الأربعاء على مواقع إسلامية متعددة، وقد حمل البيان المنشور توقيع الكتيبة التي يقودها بالمختار وهي "الموقعون بالدماء"، وهي كتيبة تعتبر من أخطر الميليشيات المتطرفة المسلحة في شمال أفريقيا ودول جنوب الصحراء، نظرا إلى العمليات التي قامت بها والتي من أبرزها الاعتداء على الموقع الجزائري النفطي "عين أميناس" في جانفي 2013، والذي كشف عن وجود عناصر من جنسيات مغاربية مختلفة أهمها تونسيون وجزائريون وموريطانيون. وقد ورد في البيان قول منسوب إلى بلمختار، يشدّد فيه على انتماء الموقعين بالدم إلى التنظيمات المشكلة للقاعدة، مشيرا إلى ثقة الأعور في أيمن الظواهري وبيعته له، قائلا "نؤكد ثقتنا وولاءنا لنهج أميرنا الشيخ أيمن الظواهري لأننا مقتنعون بصوابية نهجه". وقد أكد العديد من المتابعين للحركات الإسلامية وخاصة المسلحة منها، أن الأسلوب الذي يعتمده مختار بلمختار في هجوماته الإرهابية رغم تميزه النسبي عن الهجمات التقليدية للقاعدة، إلا أن المنهج والتبريرات واختيار الأهداف والتوقيت يحمل طابع القاعدة نفسه. وكان مختار بلمختار، المعروف باسم "الأعور" المنحدر من ولاية "غرداية" وسط الجزائر، قد التحق بصفوف الجماعات الإسلامية المسلحة في الجزائر بداية التسعينات (والذي شارك في العديد من العمليات الإرهابية بالجزائر لمدة سنوات أطلق عليها "العشرية السوداء")، وذلك قبل أن يصبح أحد مسؤولي تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، إلى أن قرر تشكيل تنظيم "الموقعون بالدماء" سنة 2012، ليقود بعدها هجوما هو الأعنف من نوعه على مواقع نفطية جزائرية في جوان 2013، والذي خلف عشرات القتلى من العمال الأجانب والأمنيين من جهة والإرهابيين المهاجمين من جهة أخرى. وقد جاء في البيان الذي جدد فيه الأعور ولاءه لتنظيم القاعدة، جملة من الإشارات إلى عمليات التنظيم في العديد من الأقطار العربية خاصة سوريا، في استتباع لسلسلة المواقف التي أشار إليها أيمن الظواهري حول الصراع في سوريا وكيفية أداء تنظيم القاعدة هناك. ففي منتصف أفريل الماضي، حذر زعيم القاعدة الظواهري من "الاقتتال بين المجاهدين" ضدّ النظام السوري، وذلك غداة توجيه تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" "داعش" الذي يخوض معارك ضد تنظيمات إسلامية متطرفة أخرى في سوريا هجوما غير مسبوق على قيادة القاعدة، متهما إياها بالانحراف عن المنهج الجهادي. وتحدّث الظواهري عن اختلاف في المنهج بين القاعدة والدولة الإسلامية موضحا ان "منهج تنظيم القاعدة هو التركيز على أمريكا وحلفائها الصليبيين والصهيونيين وعملائهم وترك المعارك الجانبية". وهو ما أكد عليه الأعور في بيانه الأخير قائلا إن المنهج الذي يتوخاه هو الاحتياط في الدماء وتجنب العمليات التي قد تسفك فيها دماء بغير حق في الأسواق والمساجد والأحياء السكنية وبين الجماعات المجاهدة سواء في سوريا أو غيرها"، متناسيا أعداد الضحايا الهائلة التي خلفتها هجومات وتفجيرات تنظيم القاعدة في بقاع متعددة من العالم وليس فقط الوطن العربي. ويخوض تنظيم "داعش" منذ مطلع جانفي معارك عنيفة مع تشكيلات أخرى من المعارضة السورية المسلحة على رأسها "جبهة النصرة" الفرع السوري لتنظيم القاعدة وقد أشار مختار بلمختار إلى تلك المعارك متخذا الموقف نفسه الذي أعلنه الظواهري. وأفادت مصادر أمنية قبل أسبوعين أن بلمختار (الأعور) انتقل إلى ليبيا حيث يطمح إلى أن يسيطر من هناك على منطقة الساحل، وتعد ليبيا في هذه الأثناء معقلا للجماعات الجهادية المتطرفة نظرا إلى الوضع الأمني غير المستقر وضعف سيطرة الدولة على أطراف واسعة من البلاد، وصلت إلى حدّ أن ليبيا توفر "المناخ المناسب للتدريب والتزوّد بالمال والسلاح والمقاتلين، مع وجود مخزون بشري كبير من القادرين على التعبئة والتحريض وغسيل الأدمغة لكل الوافدين الجدد على تلك المعسكرات. ويشير العديد من المراقبين أن وجود مختار بلمختار في ليبيا منذ مدة دليل على أن القاعدة تستجمع "شظايا المجموعات التكفيرية والجهادية لتكوين جبهة واسعة تعود من خلالها إلى الهجمات الإرهابية وعمليات الاختطاف واستعمال الرهائن للمقايضة بالمال كما هو معهود عن سلوكات القاعدة في بلاد المغرب". وبالعودة إلى الحديث عن تصريحات وبيانات لبلمختار، فإن الأخبار التي راجت منذ ما يزيد عن السنة حول مقتل أو اعتقال بلمختار (في الثاني من مارس 2013 على يد الجيش التشادي أو المالي)، قد تمّ تكذيبها، ما يؤكد صحة تصريحات قيادات قاعدية في تكذيب تلك الأخبار. ورغم أن بلمختار لم يبايع بن لادن ولا وريثه في قيادة القاعدة أيمن الظواهري إلا في المدة الأخيرة، فإنه أعرب عن إعجابه بالرجلين في أوقات سابقة. كما طرح آراء جهادية تقليدية تؤهله للانتساب إلى "القاعدة". وبالتالي فإن بلمختار يشكل جزءا من المشهد المتشظي للتطرف الإسلامي في المنطقة، الذي يشبه في بعض النواحي أيام الفوضى التنظيمية في أوائل التسعينات قبل أن يذيع صيت بن لادن أو ينجح في تحقيق قدر من الوحدة المؤقتة وإن كانت جزئية بين الفصائل المتعدّدة التي اختارت التطرف والعنف نهجا لها. وما يؤكد هذا الرأي هو أحد المطالب التي قدمها بلمختار، كما أفادت التقارير، وهو الإفراج عن "الشيخ عمر عبد الرحمان"، الإسلامي المصري الذي سجن في الولاياتالمتحدة بعد هجوم 26 فيفري 1993 على مركز التجارة العالمي في نيويورك. وبعد مشاركته في القتال في أفغانستان ضد القوات السوفياتية عاد بلمختار إلى الجزائر ليلتحق بصفوف الإسلاميين الجهاديين، وليصبح من بعدها زعيما لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. (العرب اللندنية)