فتح خط جوي مباشر بين تونس و دوالا الكاميرونية    استشهاد خمسة فلسطينيين في قصف لطيران الاحتلال لمناطق وسط وجنوب غزة..#خبر_عاجل    أبطال إفريقيا: الأهلي المصري يقصي مازمبي الكونغولي .. ويتأهل إلى النهائي القاري    حالة الطقس لهذه الليلة..    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    طبيبة تونسية تفوز بجائزة أفضل بحث علمي في مسابقة أكاديمية الشّرق الأوسط للأطبّاء الشّبان    التعادل يحسم مواجهة المنتخب الوطني ونظيره الليبي    بعد دعوته الى تحويل جربة لهونغ كونغ.. مواطن يرفع قضية بالصافي سعيد    عاجل/ ايقاف مباراة الترجي وصانداونز    تسجيل مقدّمة ابن خلدون على لائحة 'ذاكرة العالم' لدى اليونسكو: آخر الاستعدادات    بنزرت: ضبط كافة الاستعدادات لإنطلاق اشغال إنجاز الجزء الثاني لجسر بنزرت الجديد مع بداية الصائفة    مدير عام وكالة النهوض بالبحث العلمي: الزراعات المائية حلّ لمجابهة التغيرات المناخية    توزر: المخيم الوطني التدريبي للشباب المبادر في مجال الاقتصاد الأخضر مناسبة لمزيد التثقيف حول أهمية المجال في سوق الشغل    بطولة الرابطة 1 (مرحلة التتويج): حكام الجولة الخامسة    البطولة الافريقية للجيدو - ميدالية فضية لعلاء الدين شلبي في وزن -73 كلغ    الرئيس المدير العام لمركز النهوض بالصادرات: واقع المبادلات التجارية بين تونس وكندا لا يزال ضعيفا وجاري العمل على تسهيل النفاذ إلى هذه السوق    أكثر من 20 ألف طالب تونسي يتابعون دراساتهم في الخارج    سيدي بوزيد: ورشة تكوينية لفائدة المكلفين بالطاقة في عدد من الإدارات والمنشآت العمومية    منظمات وجمعيات: مضمون الكتيب الذي وقع سحبه من معرض تونس الدولي للكتاب ازدراء لقانون البلاد وضرب لقيم المجتمع    الجزائر تسجل حضورها ب 25 دار نشر وأكثر من 600 عنوان في معرض تونس الدولي للكتاب    المؤرخ الهادي التيمومي في ندوة بمعرض تونس الدولي للكتاب : هناك من يعطي دروسا في التاريخ وهو لم يدرسه مطلقا    وقفة احتجاجية لعدد من أصحاب "تاكسي موتور" للمطالبة بوضع قانون ينظم المهنة ويساعد على القيام بمهامهم دون التعرض الى خطايا مالية    القضاء التركي يصدر حكمه في حق منفّذة تفجير اسطنبول عام 2022    افتتاح المداولات 31 لطب الأسنان تحت شعار طب الأسنان المتقدم من البحث إلى التطبيق    وزارة التجارة تقرّر التخفيض في أسعار فيتورة الصوجا المنتجة محليا    تضم فتيات قاصرات: تفكيك شبكة دعارة تنشط بتونس الكبرى    منوبة: الاحتفاظ بصاحب مستودع عشوائي من أجل الاحتكار والمضاربة    أحدهم حالته خطيرة: 7 جرحى في حادث مرور بالكاف    يلاحق زوجته داخل محل حلاقة ويشوه وجهها    عاجل/ إصابة وزير الاحتلال بن غفير بجروح بعد انقلاب سيارته    القلعة الصغرى : الإحتفاظ بمروج مخدرات    رقم قياسي جديد ينتظر الترجي في صورة الفوز على صن داونز    معتز العزايزة ضمن قائمة '' 100 شخصية الأكثر تأثيراً لعام 2024''    نابل: الاحتفاظ بعنصر تكفيري مفتش عنه    تراجع إنتاج التبغ بنسبة 90 بالمائة    هام/ ترسيم هؤولاء الأعوان الوقتيين بهذه الولايات..    تقلص العجز التجاري الشهري    الشابّة: يُفارق الحياة وهو يحفر قبرا    13 قتيلا و354 مصابا في حوادث مختلفة خلال ال24 ساعة الماضية    السعودية على أبواب أول مشاركة في ملكة جمال الكون    فريق عربي يحصد جائزة دولية للأمن السيبراني    أخصائي في أمراض الشيخوخة: النساء أكثر عُرضة للإصابة بالزهايمر    وزارة المرأة : 1780 إطارا استفادوا من الدّورات التّكوينيّة في الاسعافات الأولية    تُحذير من خطورة تفشي هذا المرض في تونس..    دورة مدريد : أنس جابر تنتصر على السلوفاكية أنا كارولينا شميدلوفا    هرقلة: الحرس البحري يقدم النجدة والمساعدة لمركب صيد بحري على متنه 11 شخصا    أمين قارة: إنتظروني في هذا الموعد...سأكشف كلّ شيء    عاجل : القبض على منحرف خطير محل 8 مناشير تفتيش في أريانة    وصفه العلماء بالثوري : أول اختبار لدواء يقاوم عدة أنواع من السرطان    "تيك توك" تفضل الإغلاق في أميركا إذا فشلت الخيارات القانونية    الرابطة الأولى.. تعيينات حكام مباريات الجولة الأولى إياب لمرحلة "بلاي آوت"    تنزانيا.. مقتل 155 شخصا في فيضانات ناتجة عن ظاهرة "إل نينيو"    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    إثر الضجة التي أثارها توزيع كتيّب «سين وجيم الجنسانية» .. المنظمات الدولية همّها المثلية الجنسية لا القضايا الإنسانية    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    تتويج السينما التونسية في 3 مناسبات في مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد الغرياني: نعم اتصلت ببن علي بعد الثورة ..
نشر في الصباح نيوز يوم 03 - 07 - 2014

في مقابلة خاصة بموقع "إيلاف" ،قال إن قانون العدالة الانتقالية لا يخدم مصلحة البلاد بتضمّنه فصلًا وحيدًا يتحدّث عن المصالحة وهيمنة الانتقام والتشفّي، كما تمنى فتح أرشيف البوليس السّياسي لكشف المعارضين الذّين تعاملوا مع هذا الجهاز.
ويرى الغرياني أن تونس تتّجه نحو ديمقراطيّة فعليّة، "وكان الأفضل لتونس الإصلاح مع المحافظة على استمرارية الدولة عوض التّفكيك الكلّي والثورة".
وفي ما يلي الحوار:
ما رأيكم في المشهد السّياسي بعد سقوط نظامكم ؟
المشهد السّياسي الذي أفرزته الثورة مبني على قوى سياسيّة غير جديدة على المجتمع التّونسي، بعضها كان موجودًا في حكم يضيّق على الحريّات والعمل السّياسي وأخرى لا. هذه القوى استعادت اليوم دورها في إطار الشّرعيّة القانونيّة، كالحركة الإسلاميّة التي كانت محظورة، وكعدد من الأحزاب اليساريّة، وبالتّالي ليس هناك تغيير على السّاحة السياسيّة، بل ما حصل هو التّشريع القانوني لهذه القوى السّياسيّة. وبقي المجتمع التّونسي على انقساماته الإيديولوجيّة والعقائديّة التي ظهرت للعلن بعدما كانت خفية في الماضي.
ورغم الفشل بسبب الاختلافات السياسيّة في محاولات إيجاد أرضيّة تفاهم بين الفرقاء السياسيّين، فإن تونس نجحت في إدارة المرحلة الانتقالية مقارنة بدول مجاورة.
وبعد تجربة 23 أكتوبر وتجربة الترويكا وخروجها من الحكم، وظهور حركة نداء تونس كحركة سياسيّة نجحت في إعادة التّوازن للسّاحة، أعتقد أن الانتخابات القادمة ستتغيّر فيها موازين القوى، خصوصًا أن حركة نداء تونس تستمدّ قوّتها من كونها حركة تسعى لاستكمال المشروع الوطني، الذي يرتبط به المجتمع التّونسي منذ الاستقلال، خصوصًا أن زعيم الحزب الدستوري مرّ بالعديد من التّجارب السّياسيّة من المرحلة البورقيبيّة التي رأى أنّها تفتقد للديمقراطيّة ممّا دفعه للخروج عنه وشارك في حكم بن علي وبعد ذلك انسحب، وبالتّالي الباجي قائد السّبسي رجل له مصداقيّة سياسيّة، والكاريزما التي يتمتّع بها لعبت دورًا في إحياء أمل التّونسيّين، بتأسيس حركة نداء تونس التي تتكوّن من الدّستوريّن والتجمّعيّين ومن يساريّين ومستقلّين.
وفي ما يخصّ من تعلّقت بشأنهم قضايا وتجاوزات، هناك عدالة انتقالية تتكفّل بهذا الموضوع، ولا يمكن أن نبني ديمقراطيّة على أسس إقصائيّة منذ البداية.
ونحن في تونس خرجنا من مرحلة الاستبداد، لكن حين نرى هذه النّزعة الإقصائيّة يتملّكنا خوف كبير من استبطان مشروع استبدادي آخر قد يكون أخطر.
تفطّنت لهذا الخطر قوى سياسيّة عدة عند التّصويت على فصل العزل السياسي، إذ هناك من تحمّس له، وهناك أطراف فاجأتنا بتعاملها مع العزل السياسي ولم نتوقّع أن يكون موقفها على ذلك النحو وتصرّفت بعقلانيّة.
لكن هناك قراءة لإسقاط فصل العزل السياسي تقول بأنّه صفقة بين النّهضة والتجمّعيّين تشكّلت ملامحها منذ الحوار الوطني. ما رأيكم؟
الموقف من الإقصاء تضمّن جانبين مهمّين، فهناك من تعامل مع الإقصاء بعمق إستراتيجي بمعنى أن العودة إلى الإقصاء هي عودة للدّكتاتوريّة، واعتماد خيار التعامل مع ملف النّظام القديم بشكل يخدم الانتقال الديمقراطي والمصالحة الوطنيّة والتعايش بين جميع التونسيّين ويقطع الطّريق أمام الفتنة، فلو مرّ قانون العزل السياسي لا قدّر الله، فيمكن أن تدخل البلاد في حالة تصادم أو حتى حرب أهليّة، وهناك من تعامل مع قانون الإقصاء بخلفيّة الحسابات الانتخابية وليس بصفة مبدئيّة.
هل تقصدون رئيس المجلس التأسيسي مصطفى بن جعفر وحزبه التكتّل الديمقراطي ؟
أقصد كل القوى السياسيّة التي ساندت الإقصاء لإعتبارات انتخابية، ولشلّ ما يُسمّى بقوى النّظام القديم، التي ما زالت في اعتقادهم قويّة ولها دور، ووضعها تحت حالة الخوف والتحكم في مصيرها خوفًا من عودتها للحكم وإنتاج دكتاتوريّة جديدة، عبر قرار مهين للشّعب، بالنّظر لكون المجلس التأسيسي منتخباً والانتخابات شارك فيها الدّستوريّون والتجمّعيّون وليس من المعقول أن يُقصي من شارك في انتخابه.
فقانون العزل كان انتقائيًا وفيه تجنٍ كبير على التّونسيّين، كما القوانين التي كان يمرّرها النّظام السّابق لمحاصرة السياسيين.
هل لديكم ما تقولونه عن قانون العدالة الانتقالية؟
تم إعداد هذا القانون وتمريره بسرعة في غرف مغلقة بين أطراف يغلب عليها الطّابع الانتقامي، وهذا بطبيعة الحل سيفرز قانونًا منحازًا. كما أنه لم يكن ناتجًا عن حوار وطني معمّق كما انتظرنا، واستصداره بعد 3 سنوات من الثّورة وبعد أن دب الوفاق من جديد بين كلّ التونسيّين سيقسّمهم من جديد إلى ظالم ومظلوم وجلّاد وضحيّة عبر هذا القانون الذي لا نرى فيه سوى رغبة في التشفّي، موجودة لدى بعض الأطراف، وخلق معاناة جديدة لمئات العائلات التّونسيّة، وإلّا فما معنى أن يوجد فصل وحيد في هذا القانون يتحدّث عن الصّلح؟
لم يتعرض رجال الأعمال على مرّ تاريخ البلاد للابتزاز، كما تعرّضوا له خلال هذه المرحلة، والتجمّعيّون الذين يتحدّثون عنهم انتقلوا في عديد من الحالات من منازلهم خوفًا على حياتهم، وهذه الأوضاع يمكن أن نجد لها تبريرًا خلال المرحلة التي تبعت سقوط النّظام السّابق، ولكن الآن لا، هم يعلمون جيّدًا أن التجمّع لم يكن حزبًا إجتثاثيًا بل ما عاشته تونس هو نظام يقوم على الحكم الفردي التّسلّطي، وفي الوقت نفسه كان لدينا دستور جيّد، صحيح أنّه يُعطي للرّئيس صلاحيّات واسعة، ما شكّل مدخلًا للحكم الفردي، لكنّه لم يكن يستوجب الهدم، فقط بعض الإصلاحات العميقة، يعني البلاد لا تستوجب هدمًا وبناء وهذه عقليّة ثورجيّة خطيرة كانت يمكن أن تؤدّي إلى انفجار الوضع في تونس.
في حال فُتح أرشيف البوليس السّياسي، هل تطرأ تغييرات على المشهد في تونس؟
لا أعلم شيئًا عن محتوى أرشيف البوليس السّياسي، ولم أتحمّل مسؤوليّة تُمكّنني من الإطّلاع عليه. لكن لم يكن في تونس بوليس سياسي فقط، كانت هناك مخابرات تعمل على الحفاظ على أمن الدّولة ومتابعة المعارضين أنفسهم كانت في هذا الإطار، وخاصّة في علاقتهم بالخارج. لكن بحكم سيطرة الهاجس الأمني على النّظام، انحرف هذا الجهاز ونتج عن ذلك خلط بين حريّة العمل السّياسي وحريّة التعبير والجرائم التي يمكن أن تخلّ بالأمن القومي، ووُظّف هذا الجهاز لخدمة النّظام.
وأتمنى الكشف عن هذا الجانب حتى لا يقع اللّوم على التجمّعيين فقط لتزويدهم هذا الجهاز بالمعلومات.
ولا يمكن نظريًا إدانة النّظام لتسخيره معارضين لتزويده بالمعلومات، حيث من المؤكّد أن لجهاز البوليس السّياسي شبكات في كل الأحزاب والمنظّمات الحقوقيّة في الدّاخل والخارج، لكن يجب الحذر في التّعامل مع هذا الموضوع حتى لا تندلع فتنة في البلاد.
أثار تعيين سهام بن سدرين على رأس هيئة الحقيقة والكرامة انتقادات عديدة. ما رأيكم؟
تعيين بن سدرين يعود للمجلس التأسيسي، وما أستطيع قوله أنا أو غيري ممّن يوصفون بعناصر النّظام السّابق أن ليس لدينا أي خوف من هيئة الحقيقة والكرامة أو من يرأسها، بل ما يهمّنا هو المنهجيّة التي ستتّبعها.
أتمنى مراجعة قانون العدالة الانتقالية، وأن يتّبع أعضاء الهيئة المساواة بين جميع التّونسيّين من دون خلفيّة انتقامية لدفع البلاد نحو المصالحة، بعد كشف الحقائق.
هل تتجه تونس نحو الديمقراطّيّة؟
من خلال تجربتي السّياسيّة، أعتقد أنّنا في تونس قطعنا أشواطًا في الطريق إلى الدّيمقراطيّة. لكن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المترديّة تعطّل هذا المسار.
عمومًا نحن على أبواب انتخابات ستكون شفّافة ونزيهة، وستفرز قوى وتحالفات سياسيّة جديدة من شأنها ضمان استقرار البلاد، وستكون الخمس سنوات المقبلة فترة تأسيس الديمقراطيّة وتثبيت المؤسّسات، وبعد العام 2019 ستظهر في العالم تونس جديدة.
يتحدّث محلّلون عن استقطاب ثنائي حاد بين الإسلاميّين والتجمّعيّين، ما رأيكم؟
نتائج سبر الآراء تثبت أن النهضة ونداء تونس في صدارة نوايا التّصويت، وهذا لا يمنع القول إنّ هناك قوى سياسيّة أخرى بصدد البحث عن دور لها لتخفيف حدّة هذا الاستقطاب، وأتمنى أن تعدّل المشهد السّياسي.
لكن هذا الاستقطاب الثّنائي لا يشكّل خطرًا كما يصوّر البعض. فالخطابات الصّادرة عن الباجي قائد السّبسي وراشد الغنّوشي تتميّز بالاعتدال والتّوازن، بلغت حتى التأكيد بأنّه في حال اقتضت مصلحة البلاد تشكيل حكومة وحدة وطنيّة بعد الانتخابات فلا مانع لدى الطّرفين، وبهذا تتلاشى مخاطر الاستقطاب الثّنائي المعروفة.
قال راشد الغنّوشي إن النهضة قد تدعم السّبسي للوصول إلى الرّئاسة. ما رأيكم؟
طرحت النّهضة فكرة الشخصيّة التوافقيّة لمنصب الرّئاسة، والغنّوشي لم يعترض على أي شخصيّة بمن فيها السّبسي. وهذه فكرة تُلزم فقط حركة النّهضة، والباجي اليوم ليس في تحالف معها بل في تعايش وحوار وفق ما تمليه مصلحة البلاد العليا. وكل ما قيل عن صفقات بينهما غير موجود.
وبالنّسبة للفكرة في حدّ ذاتها، أي الرّئيس التّوافقي ؟
من حقّ أيّ حزب أن يقترح ما يريد، ونحن نتابع تفاعل السّاحة السياسيّة مع هذه الفكرة. لكن نحن في نداء تونس لنا مرشّح وحيد، هو الباجي قائد السّبسي.
ماهو دوركم بالضبط في حركة نداء تونس؟
أعتبر نفسي مناضلًا في نداء تونس، وأسعى من خلال ما اكتسبته من تجربة للمشاركة والإفادة وليس بغاية الوصول للسّلطة مجدّدًا.
وحزب نداء تونس يعبّر عن أفكاري التي أحاول تطويرها بعد التّجربة التي مكّنتني من معرفة الأخطاء والتّجاوزات، وأسعى لإرساء نظام يختلف عن النّظام السّابق.
ما حقيقة ما يُروى عن الصّراع بين الدّستوريّين والتجمّعيّين من جهة، واليساريّين من جهة أخرى؟
في كل حزب سياسي اختلافات، ونداء تونس من الأحزاب الكبيرة، بني من البداية على التّعدّد، لكنه موحّد حول شخصيّة سياسيّة هامّة، وحول جملة من المبادئ العامّة التي تتلخّص في المشروع الوطني الذي انطلق منذ الاستقلال، وكان ينقصه الجانب الدّيمقراطي.
نداء تونس يحاول استكمال هذا المشروع من خلال إضافة البعد الدّيمقراطي وتحديد الهويّة والعلاقة بالدّين. واختلاف المرجعيّات داخل النّداء يخلق نوعًا من الخلافات، لكن لا وجود لصراع يساري تجمّعي بمعنى الاصطفاف، وهذه الاختلافات لم تؤثّر على وحدة الحزب. وقد وضع السّبسي حدًّا لها خلال المؤتمر الأخير للحزب.
لكن القيادي رضا بلحاج قال إنّك تقود الهجمة ضدّهم داخل الحزب؟
العديد لا يعرفني جيّدًا، لكن أنا من النّاس الذين يحاولون إيجاد أرضيّة تعايش داخل الحزب، ولا أريد الرّد على بعض التّصريحات لوجود العديد من المغالطات في علاقتي بهذا الموضوع. وكل ما أستطيع تأكيده أن محمّد الغرياني مناضل سياسي يؤمن بالحوار، وليس من صفاته التّوظيف السّياسي، وأسعى للمحافظة على وحدة الحركة.
يقول البعض إن قرار نداء تونس دخول الانتخابات بقائمات منفردة يؤكّد أن التجمّعيّين والدّستوريّين من المستحيل أن يتقاسموا السّلطة مع أي كان. ما رأيكم؟
أؤكّد أن الدستوريّين يمكن أن يتعايشوا مع الجميع، وعقليّة الإقصاء والحكم الفردي ماتت، والخوف من الآخر وتجريم المعارضة تلاشى من قاموسهم.
والفترة التي أعقبت الثّورة كانت كافية للدّستوريّين للمراجعة والوقوف على أخطاء الماضي والتّجاوزات والأسباب التي أدّت للانهيار.
أما قرار دخول الانتخابات بقوائم منفردة فليس مفاجئًا، وكانت هناك أطراف تسعى لدخول تحالف انتخابي مع النّداء الذي قيّم الطّرح. ورأت الأغلبيّة أن الدّخول في تحالف لا معنى له، خصوصًا أن النّداء يحمل مشروع الجميع، ويرى أن فرص الفوز أمامه كبيرة منفردًا.
هل تعتقد أن إصلاحًا من داخل المنظومة كان أنسب من الثّورة؟
كان الوضع في تونس يحتاج إلى إصلاح وليس إلى تفكيك، وهذا ما اكتشفناه بعد الثّورة، إذ استمرت الإدارة وتواصل العمل بالخيارات الاقتصادية والاجتماعية، وظهر أن العجز كان سياسيًّا لا غير. بالتالي، كان الأفضل الإصلاح مع المحافظة على الاستمرارية لأن التّفكيك وإعادة البناء يمكن أن يؤدّي إلى وضع أصعب.
وهذا ما توصّلت إليه القوى السياسيّة، فتراجعت عن قرارات اتخذت تحت ضغط الشّارع، وضغط أطراف تريد لتونس أن تعيش ثورة على طراز ثورات القرن 19.
لكن هناك من يرى حركة نداء تونس غطاءً سياسيًا لمن تضرّرت مصالحهم بسقوط بن علي؟
من يقول هذا الكلام يتحدّث بخلفيّة إقصائيّة. وهذا خطر.
لا يمكن أن نقيم ديمقراطيّة في بلد عاش أكثر من 50 سنة تحت التضييق على الحريات. يريدون إقصاء جزء هام من الساحة السياسيّة، لكن بغض النّظر عن مساوئ الماضي، ليس من حق أي كان منع أي طرف من المراجعة والنّقد الذّاتي وحق الاستمرار في العمل السياسي.
وبالتالي، القول إن نداء تونس رسكلة للتجمّعيّين مبني على عقليّة إقصائيّة، فالتجمّع وقع حلّه ولم يبق منه سوى مواطنين من حقّهم المشاركة في الحياة السياسيّة، والفيصل بينهم وبين بقيّة القوى السياسيّة هو الشّعب وصناديق الاقتراع.
هل تعتقدون أن حركة النّهضة لم تعد حركة الاتجاه الإسلامي التي اصطدم بها نظام بن علي؟
اليوم، حركة النّهضة حزب سياسي وطني تونسي يتبنّى الديمقراطيّة، ويساهم من منطلقه الفكري في البلاد نحو الأمام، بدليل أن الحركة صادقت على دستور يقرّ حريّة الضّمير وأصبحت تتمتّع بمواصفات الحزب السّياسي التّونسي، ومن حقّها أن تستند في مرجعيّتها الى الدّين. فحتّى في التجارب الديمقراطيّة، توجد أحزاب ذات مرجعيّة عقائديّة، وهذا لا يعني أن نداء تونس يعادي الدّين. الاختلاف يتلخّص في البرنامج الاقتصادي والاجتماعي وطريقة التّعامل مع الماضي.
التجمعيون مستمرون
ما منعكم من الدّفاع عن التجمّع وحلّه بتلك الطّريقة وانتم أمينه العام؟
استأنفنا الحكم الابتدائي بالحلّ، وحصل خطأ إجرائي يتحمّل مسؤوليّته المحامي. لكن حينها كان هناك قرار سياسي بحلّ التجمّع أكبر من سلطة القضاء، ووقع إيقافي بعد حلّه بيومين، وأتأسف لذلك. لكنّ التجمّعيّين سيواصلون مسيرتهم السّياسيّة، ومساهمتهم في تقدّم البلاد بكل الأشكال، ووفق القانون.
نلاحظ من محاكمات رموز النّظام السّابق أن بن علي تحمّل بمفرده وزر كل التّجاوزات وكان كبش الفداء. ما رأيكم؟
من الطبيعي أن يتحمّل هذه المسؤوليّة. فكل متّهم هارب ستكون الأحكام ضدّه قاسية خصوصًا أن بن علي كان رئيس الدّولة، فيما بقيّة المتّهمين كانوا حاضرين ودافعوا عن أنفسهم. تأخير سنّ قانون العدالة الانتقالية ترك المجال للعديد من الأخطاء، فكيف يحاسب وزير على تنفيذ التّعليمات من النّاحيّة القانونيّة، ولكن من النّاحيّة الثّوريّة يمكن اعتباره مخطئًا؟
هل تعتقدون أن بن علي يتحمّل المسؤوليّة بمفرده؟
كنّا في ظل نظام رئاسي، وبن علي لا يتحمّل وحده كل الأخطاء، انما له دور كبير، خصوصًا أن الدّستور يمنحه صلاحيّات كبيرة ومفرطة، فتحت الأبواب أمام الانحرافات. وتحوّل الحكم إلى نظام رئاسوي وبالتّالي بن علي كرئيس دولة يتحمل المسؤوليّة الأكبر في التجاوزات. ويعيب البعض عليّ عدم انسحابي إن لم أكن موافقًا على ما كان يحصل، لكن دخول الحمّام ليس كالخروج منه. فالانسحاب كان صعبًا، إلا أن هذا لا يمنع أنّ نتحمّل كقياديين جزءًا من المسؤوليّة السياسيّة، كل بحسب منصبه.
لو قرّرتم الخروج ماذا كان سيحصل لكم؟
المخاطر موجودة وكنت اعمل مع الرّئيس. وفي حال انسحابي كان سيعتبرها خيانة وتكون عقوبتها الموت، ونحن بشر والخوف موجود بداخلنا.
لكنّكم يوم 14 جانفي 2011 أعددتم قرابة 600 شخص لمهاجمة المتظاهرين بشارع الحبيب بورقيبة؟
الغاية لم تكن الهجوم، بل كنّا نعدّ لمسيرة تضمّ 20 ألف شخص. ونسّقنا حينها حتى مع أحزاب المعارضة، وبإرادة ذاتيّة مني قرّرت إيقافها بعد استفساري عن الأوضاع بشارع الحبيب بورقيبة، وتجنّبت الصّدام بعد إعلامي بوجود تجمهر آخر بالشّارع نفسه. اتصلت بكل الهياكل لإلغاء المسيرة، وأغلقت باب مقرّ التجمّع على من فيه لمنعهم من الخروج حقنًا لدماء التّونسيّين، ونجحت في ذلك. ولم يصدر منّي خلال فترة الثّورة أي خطاب تحريضي.
في النّظام السّابق، كان التّداخل بين الحزب والدّولة من مظاهر الدّكتاتوريّة وتكريس نظام الحزب الواحد. ما رأيكم؟
أوّلاً، نمط الحكم الذي كان قائمًا على علاقة بين الحزب والدّولة. فحزب التجمّع كان يوفّر كل الطّاقم السّياسي للدولة، ما أدّى إلى تداخل بين الحزب والدّولة. لكن خلال حكم بن علي كان هناك اعتراف بأحزاب معارضة، كانت تستفيد من منح الدّولة. لكن أزمة التمازج بين الحزب والدّولة كانت موجودة مع العلم أن الولاة والوزراء يعيّنون من طرف رئيس الدّولة.
لم نتداول في أي اجتماع داخل الحزب، على الأقل عندما توليّت الأمانة العامة، موضوع التعيينات. كنّا نساهم في الخيارات العامّة وفي توفير المناخ المناسب لنجاح الدّولة، كما كان هناك وزراء لا ينتمون للتّجمّع خلال حكم بن علي.
متى كان آخر اتصال مع بن علي، وما كان فحواه؟
كان ذلك في يوم 12 جانفي 2011. كنّا نحضّر لاجتماع اللّجنة المركزيّة وتعرّضنا للوضع العام.
وكان هناك لوم كبير من بن علي عليّ شخصيًا، إذ اعتبر أن الحزب لعب دورًا سلبيًا بعدم التأطير واحتواء الاحتجاجات، وترك الدّولة وحيدة في مواجهة الأحداث.
ألم تكن من المعنيّين بكلمة "غلّطوني" ؟
لا، والرّئيس كان يملك كلّ المعطيات والتّفاصيل. وربّما المغالطة كانت في تقدير الأوضاع ومدى خطورتها. عندما قالها كان يعلم من غالطه.
يتداول البعض أنباءً عن مساعٍ لإقناع بن علي بالعودة لتونس ووضعه تحت الإقامة الجبريّة. هل يرضى بذلك؟
لا علم لي بهذا. لا بد من إيجاد حلّ للموضوع. فمهما حصل، بن علي كان رئيسًا للدّولة ومواطنًا تونسيًا. وأعتقد أنّه في حال بلغت البلاد المصالحة في إطار العدالة الانتقالية لن يتمّ استثناء أي تونسي.
وشخص مثل بن علي يفضّل العيش في بلاده، خصوصًا أنّه مرتبط جدًّا بها بحكم تكوينه العسكري، بغض النّظر عن أخطائه.
عمليّات سبر آراء أكّدت أن شريحة كبيرة من التّونسيّين تتمنّى عودة بن علي، فما تعليقكم؟
التّونسيّون ثاروا للحصول على الحريّة التي يجب أن يكون لها ثمن، لكن طاقة صبر المواطن العادي ليست كتلك التي يملكها السّياسي. يرى المواطنون التونسيون في الثّورة فقرًا وإرهابًا، لكن مع الوقت سيفهمون أن بناء دولة ديمقراطيّة يتطلّب وقتًا(ايلاف)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.