وافانا الدكتور حمودة بن سلامة بمقال خطه بنفسه داعيا فيه لتجنب الدخول في معارك غير ذات جدوى وتجنب التهجم المجاني على الاعلاميين واتحاد الشغل وفيما يلي نصه : عندما قدمت ترشحي للانتخابات الرئاسية ليوم 23 نوفمبر ، شعرت براحة بال كبيرة وكأنني أعيش لأول مرة وأنا في خريف العمر لحظة ديمقراطية نادرة طالما حلم بها جيلي وقد عملنا من أجلها منذ ما لا يقل عن أربعين سنة ، وعايشنا عديد الأزمات التي أفشلت جل محاولات الإصلاح من أحداث 26 جانفي 1978 ، وانتخابات 1981 التي قربت البلاد إلى عصر الديمقراطية والتي تم تزوير نتائجها ، وأحداث الخبز في بداية 1984 فالأزمة الاقتصادية والأمنية الخانقة التي هددت كيان الدولة سنة 1986 وما تلاها بسبب منظومة 7 نوفمبر 1987 من تفشي الفساد والاستبداد رغم محاولات عديد الكفاءات الوطنية من داخل نظام الحكم وخارجه من إصلاح الأوضاع خلال السنوات الأولى من تلك الحقبة... وإذ طبع الفشل والخيبة البحث المضني عن الديمقراطية قبل الثورة ، ها نحن نعيش اليوم ، بوادر النجاح والتوفيق ، وقد تتجسم خلال الاستحقاقات الانتخابية الحالية ، فما أروع أن ينجح شبابنا اليوم في تحقيق ما فشلنا نحن في تجسيمه بالأمس ، وما أشد خوفنا على المسار الديمقراطي من النكسات والتجاذبات والصراعات التي قد تجعل البلاد تحيد مرة أخرى عن المسار الصحيح ... ذلك أن الخطاب السياسي بدأ يغلب عليه في بعض الأروقة تشنج وتأجيج غير مبررين ، إلا بدوافع وخلفيات انتخابية ضيقة لا تليق بأهمية الظرف ولم ترتق إلى تاريخية الحدث ودقته ... فلماذا التمادي لدى البعض في خطاب التقسيم والوعد والوعيد في حين أن عامة الناس تبحث عن من يوحدهم ويجمعهم ويصالحهم ويطمئنهم ويعيد لهم الثقة التي اهتزت حتى كدنا نفقدها ... لماذا التمادي في خطاب سياسي انعدامي ، إقصائي واستئصالي ، بالتباهي بالتقدمية والحداثة ونعت الآخر بالرجعية والظلامية ؟ !، ولماذا الاعتداء والتجني على سلك الإعلاميين بأكمله في حين أن حرية الصحافة ، والصحافيين عموما أهل لها رغم بعض الشطط والانحياز أحيانا لأجندات لا صلة لها بالإعلام الحر والنزيه ، هذه الحرية تبقى دون منازع ولا شك من أهم الإيجابيات والمكاسب التي تميز وترافق حقبة ما بعد الثورة . ولماذا تعمد البعض وهم في موقع من المسؤولية يملي عليهم الحياد والرصانة الإساءة المجانية والمرفوضة إلى الإتحاد العام التونسي للشغل هذه المؤسسة الوطنية العريقة التي لعبت وتلعب دورا كبيرا في حمل المشهد السياسي بكل أطيافه على التوافق وتجاوز الأزمات خدمة لمصالح البلاد العليا ... ألم يحن بعد زمن ترشيد الخطاب السياسي والنأي عن التصادم واحتداد المواقف ، زمن تغليب لغة العقل بدل فيض العواطف والأحاسيس ، وذلك أقرب لذكاء التونسي وللذود عن مصالحه وراحته ... فالدعوة ملحة للساسة ولمن دخل منهم غمار الاستحقاق الانتخابي وخاصة منهم المرشحين للرئاسية أن يرتقوا إلى حيث الشعب متواجد ، في اهتماماته ومشاغله وهمومه وآماله ... فلا تفسدوا عليه وعلينا عرس الديمقراطية ... -------------------------- حمودة بن سلامة تونس في 16 أكتوبر 2014