لواعتمدنا على الأرقام الرسمية فان البلاد تعيش أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة لكن لو تعاملنا مع الأمر بمنطق الواقع المشاهد فان ما نراه ونرصده خلاف هذا على الأقل ما يشمل نسبة من التونسيين بمعنى أن الحركة الاقتصادية موجودة والإنفاق موجود وهذا يمكن رصده كما قلنا في جانبين الأول أن نمط ومستوى الاستهلاك مرتفع والثاني أن المال" يدور" بالمصطلح الشعبي. إذن بماذا نفسر الأمر؟
الأمر يمكن تفسيره بأننا اليوم في تونس نعيش واقعين الأول واقع الناس العادية أي الموظفين والعملة وهؤلاء تأثروا كثيرا بالأزمة الاقتصادية. والثاني واقع آخر يمكن أن نصفه بكونه واقع خفي مرتبط بالتجارة والنشاط الموازي أي غير الرسمي وهو ما يمكن ان نطلق عليه الاقتصاد العميق او حتى الاقتصاد الأسود . هذا الاقتصاد خلق طبقة جديدة لا يمكن حصرها بأرقام المعهد الوطني للإحصاء او البنك المركزي لأنها طبقة خارجة عن كل التقييمات باعتبار أنها تنشط في الخفاء وبلا قيود أو وثائق ولا حسابات بنكية ولا شيكات بل أن تعاملاتها كلها تتم عبر السيولة والتفاهمان البينية بمعنى آخر هناك قوانين أخرى تسير هذه الأنشطة وتحكم هذا العالم. النتيجة الأخرى لهذا الاقتصاد العميق هو "خلق" أثرياء جدد يمكن تسميتهم بأثرياء ما بعد الثورة واغلبهم إما أنهم كانوا تجارا صغارا وفجأة صاروا كبارا بعد أن ضربت الثورة أباطرة التهريب والتجارة الموازية الذين كانوا مدعومين ومسنودين من السلطة ونقصد هنا الطرابلسية والمقربين منهم وعائلة الرئيس السابق أو أنهم أشخاص استفادوا من الأزمة الحاصلة في ليبيا وربطوا "خيوطا" كما يقال وتحولوا فجأة إلى أصحاب شركات أو مؤسسات للتصدير والتوريد ومعنى مؤسسة هنا يجب أن نأخذه على حقيقته أي أن هناك نشاطا كبيرا له أصحابه لكن من دون ان يكون هناك معرف قانوني أو اسم رسمي بل كل شيء متوفر إلا التصنيف القانوني والمعرف الجبائي فهناك عملة وموظفون ووسطاء وغير ذلك . بالتالي فان الحديث عن التجارة الموازية لا يجب أن يحصر في التهريب فقط بل وأيضا النشاط غير الرسمي ّ.