بقلم٬ فؤاد العجرودي بعد انقضاء نحو 14 شهرا على ولادة حكومة الصيد تبدو تونس متثاقلة لا تكاد تقوى على الوقوف نتيجة «الأيادي المرتعشة» التي وسمت تعاطي الحكومة مع جوهر الأزمة وهو المال. بمعنى آخر لقد توفقت حكومة الصيد في تحسين بعض الأوضاع مثل مستوى تضخم الأسعار وإخراج المشاريع الكبرى من الجمود دون أن تتوفّق في وضع البلاد على مسار «الإقلاع» الذي يحتاج بالضرورة إلى إطفاء بعض الحرائق الاجتماعية لتحصيل الاستقرار الذي يجعل الطريق سالكة نحو الإصلاح. الكأس والبحر ورغم الانفلاتات من حين لآخر فإنّ عمق «الهوّة» المعيشية التي تشكّلت بعيد جانفي 2011 يقتضي مقاربة أخرى في التعاطي مع شواغل الناس تمرّ وجوبا عبر إصلاح موازنات الدولة. ذاك الهدف لن يتحقّق ما لم تعلن الحكومة عن حرب حقيقية «الاقتصاد التحتي» لا تزال مؤجلة إلى حدّ الآن نتيجة مزيج من عدم فهم خصوصية المرحلة والخوف على الكراسي الذي دفعت به ثقافة المحاصصة. بل إنّ الأغرب من ذلك أنّ الحكومة تصر على إشعال فتيل التوتّر حولها على غرار ما حدث مؤخرا بين المرفق الجبائي وسلكي الأطبّاء والمحامين بما يزيد معطى الاستقرار اضطرابا فيما تغمّض عينيها عن الأهم وهو مئات الآلاف من الناس الذين يشتغلون اليوم في الأسود ولا تحصل منهم الدولة سوى النزر القليل. بمعنى آخر إنّ الحكومة تهدر الكثير من طاقتها لتحصيل كأس ماء فيما لا تتجرّأ على «بحر» من المال يرقد تحت أقدام أباطرة التهريب و«الأشباح الجبائيين» الذين يتاجرون في كلّ شيء دون أن يكون لهم حتّى معرّف جبائي. قيمة الأموال المهدورة في مسالك التهريب والتجارة الموازية تناهز 15 ألف مليار من المليمات وهو مبلغ كفيل بإعادة التوازن إلى ميزانية الدولة ومن ثمة إعطاءها القدرة على إطفاء حرائق هذه المرحلة من خلال خفض مستوى الضغط الجبائي الموظّف على المستهلك والمستثمر معا بما ينعش الدّورة الاقتصادية والاستثمار ومن ورائه التشغيل. والواضح أنّ الحكومة تحاول إخفاء خوفها من «عالم التحتي» من خلال التعامل معه إلى حدّ الآن من زاوية الرقابة وهو ما تسبّب في استنزاف دائم لأجهزة الرقابة فيما المشكل هيكلي بالأساس يقتضي محاصرة الثروات لإدماج الجميع تحت «مظلة الجباية» ثم إزالة العوائق الجمركية والإدارية المفروضة على القطاع المنظم وأساس التوريد. من يحكم وفضلا عن تداعياته على موازنات الدولة والأوضاع المعيشية فإنّ احتكار النشاط الأسود لنحو ٪50 من إجمالي النشاط التجاري هو معطى يحول دون عودة الثقة في مناخ الأعمال داخليا وخارجيا كما يجعل قدرة البلاد على ضرب الإرهاب وكذلك التعاطي الند للند مع «الأجنبي» مبتورة. بل إنّ عديد الشخصيات الأجنبية قد أبلغت الحبيب الصيد أنّ استفحال التهريب يخرج تونس من صورة البلد الفاقد لسلطة حكم واضحة يمكن أن تضطلع بالتزاماتها على الأمد المتوسط والبعيد. بالمحصلة إنّ حظوظ خروج تونس من عنق الزجاجة سيظلّ مرتبطا بمدى اكتساب الحكومة الشجاعة اللازمة لدحر الاقتصاد الأسود بكلّ ما يتفاعل تحته من أجندات سياسية واحتقان اجتماعي آخذ في التعمّق نتيجة استفحال «اللاعدالة اجتماعية» وكذلك إحباط جهود استعادة الأمن إذ أنّ رقم معاملات تهريب السجائر وحده يضاهي 1300 مليار في العام وهو ما يمنح «عالم التهريب» أسبقية هامة حتى على الأمن والجيش.