عدت الى ارض الوطن ، عدت لاطفاء نار الهجر ، عدت الى حضن امي ، عدت الى حارتي ، عدت الى ماضي البعيد، عدت اتمسح على اعتاب بيتنا العتيق ، لكن بعد اسبوع من عودتي ،عادت لي نار الماضي الحبيب،لتتاجج في كياني من جديد ،عاودني الحنين الجبار الى كيانك ، كنت انام في احضان ذكراكْ،واصحو على الذكريات الوردية التي نسجناها شعاعا شعاعا في سمائي وسماءكْ،جرني الحنين الى معاودة السعي للرحيل من جديد الى موطنك ، لكن مرض امي شدني للبقاء قربها وهي التي قاست كثيرا من جراء غربتي ،وآه .. لو تعلمي ما حل بي في غربتي ، لعذرتني ، لانني مريض باعسر امراض العصور الوسطى ، آه لو تسمحي لي بمنحي جواز سفري من جديد،لان شفائي في موطن غربتي ،آه لوتعلمي يا ساحرتي كيف احس بان جذوري متشبثة بأرض تونس الخضراء واغصاني ترفرف في سماء دمشق، كنت اتبلل من ندى سحابة عابرة على قريتك الهادئة ، كنت كلما دخلت سوقنا الاسبوعية أحس انني في اجواء سوق دمشق الفيحاء ، واحس ببائع " عرق سوس"وهو يمد لي فنجان "عرق الحب الدمشقي"، كنت احس بك معك واحس بشرعية كياني وانت تترشفين من اعيني كأس حبنا الازلي ، كنت احس بك معي وانت تدخنين معي نرجيلة التفاح الفواح في المقهى العتيق ، وتترنمين معي على انغام اغنية " يا حبايبي يا غايبين"،آه ما ايسر حياة العشاق،سحر وتعفف ومناجاة ،وتيه وعشق وسهاد مريح، وفراق وتلاقي،وهجر وعذاب ،وصمت وصخب ،واتعاب وغضب وعتاب ،وغرق في بحر السحر ومحاباة،،، بعد اسبوع من عودتي ، من بلاد الغربة، عادت لي بوادر الغربة من جديد ، اضناني بعادك،اضناني هجرك ، لم اعد أحس في بيتي العتيق بغير الضياع والتيه ،لقد ضعفت مداركي العقلية واصبحت على حافة الانهيار... انام واصحو ، في جنان حلب ، حتى شدني الشوق وكبلني الحزن والتعب ، وافتقدت همسك ولغوك وبريق عينيك الساحرتين ، فمن كثر التذكر تهرأت صور الذكريات وخلايا عقلي الكامن ، ولم اعد قادرا على التركيز وتحيين الصور القديمة التي رافقت مسيرة عشقنا الطويلة ، وحتى الاطباء نصحوني بالعودة الى الاصل ، اصل دائي العابر، لتجديد خلايا الشبكية والقرنية ، واكدوا عليّ بضرورة معاودة الغربة الجميلة لان الغربة تمحو الغربة، نصحوني برؤيتك من جديد عن قرب وزيارة الاماكن التي يهفوا اليها قلبك الولهان ،،، كل شيء يوحي بأنني عازم على الرحيل اليك، الايحاء عن بعد تهرأ.. والتذكر تصدع ، واصابه الصدأ.. وشريط الذكريات الجميلة من كثر التكرار والاسترسال المتواصل في البث الحي على شاشة ذاكرتي ،تمزقت صوره .... اصبح محيط ذاكرتي صحراء قاحلة ، هجرته عروسه، هاجرته طيور النوارس المؤنسة ، هاجرته الدلافين الذكية،ذابت على ضفافه الامواج اللطيفة، شحبت طحالبه الندية ولعبت بها الرياح العاتية ، وذبل المرجان وتناثر حبه