لقد ذكرنا الأستاذ الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي في مقاله (الزعيم بورقيبة يزيل تمثال الكاردينال لافيجيري) بموقف بورقيبة من هذا التمثال ولما كان كل مقال قابلا ان يعلق وان يرد عليه المعلقون والرادون بمقال فانني اقول في هذا المجال انني لا اعتقد ان بورقيبة قد قام بازالة وتنحية ذلك التمثال بدافع ديني عقائدي كما يظن الظانون باي حال من الأحوال فمعروف عن بورقيبة لدى كل المؤرخين والأغلبية الغالبة من التونسيين انه رجل وزعيم سياسي ذكي يفعل كل ما يفعل من الافعال بدافع سياسي او نفسي بحت قبل كل شيء ولا اظن ان هذا امر يقبل النقاش اويقبل الجدال والدليل على ذلك ان بورقيبة لما قاوم حركة التجنيس ذكر بعظمة لسانه ان ذلك الأمرلم يكن دينيا وانما كان اولا وقبل كل شيء استغلال عامل الدين لتحقيق غرض سياسي عظيم وهومقاومة رغبة فرنسا في تجنيس التونسيين وشل حركة المقاومين والمناهضين لاستعمار واستيطان الفرنسيين ولم يجد في ذلك الا سلطة وفتوى علماء الدين التي تمكنه من بلوغ غايته في اسرع وقت وفي اقرب حين والدليل الثاني على ما نقول ان بورقيبة لوكان حقا يبحث عن تمكين وتقوية الحضور الاسلامي في نفوس وفي قلوب وفي عقول التونسيين لما الغى ونحى وازال التعليم الزيتوني المتين الذي عمر وعاش في بلادنا قبل بورقيبة القرون تلو القرون والسنين بعد السنين ولا شك ان هذا الالغاء هو الذي جلب اليه الى يومنا هذا غضب ونقمة وحقد اغلب التونسيين اما عن العامل النفسي الخفي الذي يمكن ذكره من وراء ازالة وتنحية بورقيبة لتمثال الكاردينال فهو ما عرف به بورقيبة لدى المحللين النفسانيين من ابتلاء بورقيبة بمرض خطيروهو حب التفرد بالمجد وبالشهرة وبالتفوق وبالقوة وبالنصر لدى التونسيين فبورقيبة سعى طوال حياته السياسية الى محو ذكر كل زعيم سياسي او ديني قبله قد اشتهر بين التونسيين منذ تاريخ تونس البعيد الغابر الى تاريخها الحاضر الناظر الم يقل بورقيبة يوما بلسانه انه قال للفرنسيين الذين شبهوه بيوغرطة الزعيم البربري المشهور انه فعلا يوغرطة ولكنه يوغرطة الناجح وليس يوغرطة المهزوم ؟ فاذا كان هذا هوموقف وراي وكلام بورقيبة عن زعيم تونسي عاش قبله في غابر السنين وقاوم ما استطاع الغزو والنفوذ الروماني في ارض ووطن التونسيين فكيف نتوقع منه الا يسعى بكل فطنة بكل ذكاء الى ازالة ذلك التمثال الفرنسي الذي كان يراه التونسيون كل صباح وكل مساء؟ فيكسب بذلك عطف وود التونسيين المسلمين الذين كانوا ينقمون على فرنسا سعيها الحثيث على نشر الديانة المسيحية تحت رعاية وحماية قوتها الاستعمارية واخر ما يمكن قوله في هذا المجال ان بورقيبة الذي ازال ونحى تمثال الكاردينال قد عوضه بتمثاله بل بتماثيله التي نصبها واقامها امام اعينهم والتي اغضبتهم و جعلتهم ينقمون عليه ويتخلون عن نصرته لما ازاحه ونحاه ابعده واقصاه ابن علي عن الحكم في يوم تاريخي مشهود بضربة مفاجئة غاشمة صادمة فبحيث وبخلاصة القول وعصارته ان بورقيبة قد عمل فعلا لتحقيق استقلال وحرية التونسيين ولكنه قد عمل ايضا على تصفية وتهميش وابادة ذكر وتاريخ كل من يراه سيشاركه وينافسه في الشهرة وفي بقاء الذكر في بلاد وارض التونسيين سواء اكانوا من جنس البربر او الروم او الترك او العرب او من بقية الأجناس اجمعين من اجل هذا سنظل نقول بالفم واللسان وسنظل ما حيينا شاهدين من شهود التاريخ الصادقين في كل مكان وفي كل زمان ان بورقيبة لم يعرف يوما لدى التونسيين انه من انصار ومن دعاة ومن الرجال الذين خدموا الدين كما يقول ذلك بعض الغافلين اوالمتغافلين بل هو سياسي ناجح من الطراز الرفيع محب بل عاشق للزعامة والتفرد بالسلطة في هذه البلاد وناقم وحاقد على ذكر من نجح واشتهر قبله او معه بين من عاشوا على ارضها من العباد واما من مازاوا في شك مما نكتب ومما نقول فاننا نتحداهم ان يذكروا لنا ولو خطابا او جملة واحدة مدح او شكر فيها بورقيبة احدا غيره من الزعماء التونسيين المصلحين والمجاهدين و الوطنيين التاريخيين الصادقين فمن تجرا و استطاع ان يتحدانا في ذلك فسنكون له شاكرين ذاكرين وبعلمه معترفين ولم يبق لنا في النهاية الحتمية المحتومة الا ان نذكر الغافلين بتلك الحكمة التاريخية المعروفة المعلومة(قال لابيه يا ابت متى سنصح شرفة فاجابه حتى يموت كبار الحومة) ونحن نزيد فنقول من باب التنبيه والتذكير انه مازال الكثير من كبار الحومة والحمد لله احياء يزرقون قادرين على الرد والتعليق والتوضيح والبيان وانهم سيظلون ما استطاعوا لبالمرصاد لمن يريدون ان يجدوا المدينة خالية فيقيمون فيها الاذان