تذكرت ذلك هذه الأيام التي ما زلت أقيم فيها بإقامة جنان الحمامات التي سبق أن كتبت عنها سابقا في هذا الموقع بالذات ووصفتها بأنها باتت اقامة جبرية للسكان لأنها افتقدت لكل المرافق الضرورية التي على أساسها باعها الباعث العقاري الذي كان تابعا للبنك التونسي الكويتي بأثمان حددها بنفسه وأدخل في الكلفة تلك المرافق ومنها النادي البحري الذي فوت فيه بعدها لأحد الخواص الذي حرم بسببه السكان من أهم فضاء يمكن لهم فيه الالتقاء وبات الكل بدونه يعيش توحدا وانكماشا إذا لم يُصادفهم الالتقاء بأحد على شاطئ البحر عند الظهر أو في المساء. لقد أردت بكتابتي تلك لفت نظر نقابة السكان التي باتت تجد في مضايقة الخاصين من السكان الذين تعودوا على دفع ما عليهم من منابهم في الخدمات التي لم يعد لها وجود أصلا الآن ولم تحسن الدفاع عن مصلحة المجموعة أو تسعى للتعويض لهم عما فات بإقامة مرفق اخر يمكن اللقاء فيه في الصباح أو في المساء، والاعتناء بالفضاء الرياضي الخاص بالأطفال. قلت وقتها لقد بات على المقيمين بذلك الفضاء بالبقاء في مساكنهم ومنهم أنا وقد يصادف في بعض الأعوام أن أمضي عطلتي الصيفية كلها بدون أن ألتقي بأحد من الجيران. ومن وقتها كان علينا التحول للفنادق وأكثرها يتعمد غلق أبوابه دوننا أو نذهب الى فضاء ياسمين الحمامات لأخذ قهوة أو أكلة خفيفة أو سحب نصيب من المال. وبهذه المناسبة أردت أن أروي لكم ما وقع لي في آخر زيارة لي لذلك الفضاء وكنت مسرورا وفرحا بعودة الحياة الطبيعية لذلك الفضاء السياحي الرائع وبعدما تأثر كثيرا في السنوات السابقة وأصبح خاليا من الزوار وبعض أصحاب الفنادق والمطاعم والتجار الى عجز تام عن تسديد القروض البنكية ومعلوم ايجار هم للمحلات أو تشغيلهم للشباب. زرته يوم الاثنين الماضي في أواخر أيام الشهر الفائت لسحب نصيب من المال احتجته لقضاء بعض الشؤون وقصدت مباشرة موزع الأوراق المالية الموضوع أمام البنك التونسي الذي اخترته منذ أكثر من ثلاثين عاما وفتحت به حسابا خاصا منذ حياة مديره العام أبو بكر المبروك رحمه الله. فوجدت الموزع معطلا يومها ولا يقبل البطاقة التي بها يمكن سحب المال. فدخلت لفرعه أين وجدت سيدة تعتني بحريف سابق فانتظرتها الى أن أنهت مهمتها وشرعت في تلبية ما طلبته منها أنا، فأشارت علي بتعمير صك من دفتر خاص بالحرفاء لأدوّن به المبلغ الذي احتاج وبعدما اطلعتها على بطاقة السحب ذات اللون الذهبي التي تعتبر تمييزا للحرفاء، وقدمت لها بطاقة التعريف الوطنية لتتأكد فقراتها وإعادتها لي في الحال. وبينما كنا هكذا رجع زميلها المؤتمن على الأموال فأحالت عليه الصك واشارت علي بالتحول اليه في الحال وكان يجلس قريبا منها في نفس المكان الذي يجمعهما. كنت أظن انه سيصرف لي المبلغ المدون بالصك الذي أمضيت عليه من الجهتين الا أنه طلب مني أن استظهر له ببطاقة تعريفي مرة ثانية وهو ما استفزني وقررت العدول وطلبت استرجاع الصك الممضى منى مسبقا فتردد ذلك العون ثم مزق الرقم الذي في أعلى الصك وعندها غادرت المكان متوجها الى بنك آخر وقضيت حاجتي مباشرة من الموزع الآلي الذي اكتفى بالرقم السري الذي نقرته في الحال. فصرفه لي في الحال وتقدم لي بشكره المسجل آليا داخله. فقلت في نفسي يا سبحان الله الصندوق الآلي أذكي من ذلك الانسان المهندم وبعنقه ربطة ليتأنق بها ولكنه مازال يتعامل مع الحرفاء بتلك الأسئلة البائخة وتحت تصرفه المفتاح السري الذي يخول له الدخول الى حسابي ليتأكد من وجود الرصيد المقابل. قلت في نفسي وأنا في حسرة على البلاد أبهذه العقلية مازلنا تتعامل مع الحرفاء وفيهم الكبير والصغير ومن يحتاج للإعانة ونشتكي من عدم إقبال السواح. وهنا تذكرت قصة ذلك الحاجب الذي بلغ سن التقاعد وبعدما كان يأمر وينهى أمام باب سيده القائد، إنه فتح له محلا خاصا ليجلس فيه مع بعض الأصدقاء، وأراد أن يتقرب الى الله بسقاية للمارة، لكنه تحيل بوضع آنيتين من الفخار(خابية) أمام الباب واحدة على يمين الداخل واُخرى على اليسار وربط بكل واحدة منهما مشربا من القصدير بسلسة وبقي يراقب العطشى ليأمر من يقصد الخابية اليمنى بالتحول لليسرى بالرغم أن الماء من مصدر واحد. وفِي النهاية كان يقصد التحكم لأنه لم يطق صبرا على فراقه للسلطة.