هو صوت الغضب الشعبي حالياً في تونس، صرخ بوجه التسلّط وغياب العدالة، لينتفض معه الشارع ، تحدى كل رموز النظام السابق وكسر جدار الصمت و ضرب بعرض الحائط كل الخطوط الحمراء التي رسمها النظام السابق . أطلق أغنية "راب" انتشرت بسرعة على النت: «تونس بلادنا بالسياسة ولاّ بالدم... تونس بلادنا واليوم لازم نلقاو الحلّ». ثم أعاد الكَرّة، بإصدار أغنية وصفت بالخطيرة على كل المستويات أطلق عليها إسم «رايس لبلاد» وكانت كلماتها كالعاصفة : «رايس البلاد ...هاني اليوم نحكي معاك... باسمي وباسم الشعب الكل... اللي عايش بالعام 2011 وما زال مجبور يموت من الجوع...حابب يخدم باش يعيش... لكن صوته مش مسموع...اهبط للشارع وشوف... العباد ولّت وحوش...». وليس من قبيل المصادفة أن يأتي التمرّد من هذا الشاب ليفكّ الحصار عن حريّة التعبير... إنّه أيضاً جيل الشهيد محمد بوعزيزي الذي أحرق نفسه احتجاجاً على البطالة في بلد فرحات حشّاد وأبي القاسم الشابي. احفظوا هذا الاسم جيّداً: حمادة بن عمر.. لقبه «الجنرال»... مغنّي راب من صفاقس في الثانية والعشرين.... جاءه زوّار الفجر قبل الثورة بيومين ... ثلاثون شرطيّاً ضد فنان كسر جدار الصمت ... واقتادوه إلى جهة مجهولة. في هذا الحوار المثير الذي خص به حمادة بن عمر «الصريح» تطرق من خلاله إلى الضغوطات التي تعرض لها قبل وبعد إطلاق سراحه ...ندعكم تكتشفونها. حذرت في أغنية "رايس البلاد"من إنهيار النظام السابق! سأقف بالمرصاد لكل من يعمد إلى إخماد شرارة الحرية! * الشباب اليوم يقف مبهورا بشجاعتك بعد ان أصدرت أغنية هزت صورة الرئيس المخلوع ويتساءل كيف استطعت ان تتحدى هذا الديكتاتور دون حماية من احد؟ الشعب هو مصدر حمايتي ...لقد تحدثت عن المقهورين والذين تم قمعهم ولا أعتقد ان هذا الشعب الذي قال كلمته لا يدرك ما يحصل في تلك الفترة ...تلك الفترة التي قمعت الأصوات الحرة وقضت على طموحنا في العيش الكريم ...تلك الفترة التي إنعدمت فيها الحرية ...حرية إبداء الرأي ...أن نقول كفى من الظلم ...كفوا عن إستبدادنا وقمعنا...كفوا عن استبلاهنا ...هذا الشعب اليوم قال كلمته فهل إعتقدتم يوما ما انه لن يقف مع المظلوم ؟. * هل لك أن تصف لنا كيف تم القبض عليك قبل يومين من انطلاق ثورة الأحرار؟ كنت على علم مسبق أني محل مراقبة من بعض رجال الشرطة ولم أتفاجأ في تلك الليلة التي قدم فيها إلى منزلنا 30 من أفراد الأمن حملوني عنوة من المنزل وأدركت حينها أن بعض الجهات بدأت تدرك مدى خطورتي وإتخذت قرارا تجاهي إعتقدت للوهلة الأولى ان حياتي هي المستهدفة لكن سرعان ما تبددت هذه الفكرة خصوصا بعد ان علمت أن اوامرهم تقتضي عدم لمسي... * وإلى أين حملوك؟ الوجهة كانت من الوهلة الأولى مجهولة لكن سرعان ما ادركت انها ستكون وزارة الداخلية بعد ان علمت من احدهم ان مهمة القبض على شخصي قد تمت وأعلموهم بوصولي حتى يتم إستقبالي...؟ * وكيف تعاملو ا معك...هل تعرضت للتعنيف أو شئ من هذا القبيل؟ ستفاجأ حينما أقول لك أنهم لم يلمسوا شعرة مني ...ويومها كان جميعهم مضطربين ولا يدركون ماذا يفعلون ...وحينما جلست أمام أحدهم لاحظت انه يريد بأسرع ما يمكن غلق ملفي...وذلك بعد رواج خبر إعتقالي وبداية حملة تندد بهذه التصرفات القمعية... * وماذا قال لك هذا الشخص؟ سألني عن ميولاتي الثقافية والسياسية وإستفسر عن السبب الذي يدعوني إلى الغناء ضد الرئيس المخلوع وهل هناك مجموعة أخرى من الأغاني التي تنتهج نفس هذا الأسلوب وبدا لي أنهم منزعجون خاصة من اغنية "رايس البلاد" وعن سبب صدورها وكان اغلب حديثهم في هذا المنحى. * وماذا طلبوا منك بعد هذا الإستجواب؟ طلبوا مني توقيع إلتزام أتعهد من خلاله بعدم خوض معترك الأغاني السياسية وأنه حينما أقبل بذلك سيقع إطلاق سراحي... * وهل قبلت هذا الاقتراح أم أرغموك على ذلك؟ حينما تكون في عرين الأسد ماذا يفعل المظلوم إذا قدمت له خيارات مقابل مغادرته هذا المكان ...من الطبيعي جدا ان يوافق على مقترحهم هذا ويغادر دون رجعة...وأريد أن أضيف أن معاملتي كانت جيدة من قبلهم ولم أتعرض إلى أي نوع من الترهيب. * هل انت مستعد لمقاضاة هؤلاء؟ في واقع الأمر ليست لدي نزعة إنتقامية...ولا أستغل الظروف للتشفي في هؤلاء رغم أن محاميا طلب مني عدم التنازل عن حقي وطلب مني بإلحاح شديد مقاضاتهم جميعا لكن هذا الظرف الذي تمر فيه بلادنا يستدعي من الجميع وضع خلافاتهم بعيدا وترجمة هذه الثورة على ارض الواقع من خلال العديد من الإصلاحات التي تضمن كرامة الفرد وحرية التعبير...وبلادنا الآن في حاجة إلى الإستقرار الذي يضمن ديمومتها وينقذها من دوامة الفوضى وعفى الله عما سلف. * هل هناك مجموعة من "الرابور" ساندوك في محنتك ؟ في واقع الأمر أنا مبهور من تلك الحملة التي شنها عدد من "الرابور" الذين قالوا أن حمادة بن عمر إن لم يعد إلى منزله سنشتعل الحرب ولن تهدأ السلطة بأي نعيم بعد يوم اعتقالي وهناك من ساندني بالعديد من الأغاني وهناك من سارع إلى تبرير موقفه تجاهي ونفى ان تكون له علاقة معي وهؤلاء لن أعيرهم أي اهتمام في المستقبل. * هل تفاجأت حينما بلغك خبر انهيار النظام السابق أمام الثورة؟ كل ملامح الانهيار كانت واردة من حين إلى آخر ويخطئ من يعتقد أن الأنظمة الاستبدادية تدوم طويلا ...وقد حذرت في أغنية "رايس البلاد" ما سيحصل إن واصل النظام السابق اعتماده لمنطق القمع والاستبداد وخروجي عن المألوف في كل الأغاني كان نابع من الشعور بالظلم وأن التمادي في قمع الأصوات المطالبة بحقها في التعبير وفي الشغل ستكون كارثية على بلادنا وعوض استخلاص الدروس نجد تحديا صارخا من قبل السلطة التى تفضل المواصلة في قمع الشعب ومماطلته بشعارات رنانة وزائفة... * ماهو رأيك في هذه الثورة؟ هي ثورة الشعب...ثورة المقهورين...ثورة المظلومين وأدعو كل تونسي للحفاظ على مكاسبها التي ستترجم قريبا على أرض الواقع وسيلاحظ كل التونسيين التقدم الذي ستشهده بلادنا قريبا وفي كل المجالات ولا ننسى دماء الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم في سبيل إعادة الكرامة إلى شعبنا الذي بقي طيلة عقود من الزمن يعاني من شرذمة أفسدت بلادنا وجعلتها تسير نحو الخراب... * هل ستصدر أغنية تمجد هذه الثورة؟ أصدرت واحدة منذ يومين وهناك المزيد وقد دعوت إلى عدم الخوف من المجهول فتونس الآن تسير نحو الإزدهار في مختلف المجالات...ولا خوف عليها طالما أن الشعب يقف معها اليد في اليد للخروج بها من مستنقع الخراب. * وهل ستواصل إصدار الأغاني السياسية؟ بالتأكيد ...وسنقف بالمرصاد لكل من يحاول إجهاض هذه الثورة ويخطئ من يعتقد أننا سنفسح المجال لكل من هب ودب للإخماد شرارة الحرية ... * هل تثق اليوم في الحكومة المؤقتة؟ علينا أن نثق بها حتى يعود الإستقرار لبلادنا والمطلوب حماية مكتسبات الثورة لنبني مستقبلا أفضل لتونس الغد ...الآن نحن نعيش مرحلة تاريخية هامة تتطلب منا تظافر الجهود لنصل إلى شاطئ الآمان ... وهذا هو التوقيت المناسب لنبدأ عملية الإصلاح ...عاشت تونس حرة مستقلة ...ولا عاش من خانها.