أجرت منذ أيام قليلة الجامعية نائلة السليتي المعروفة بصلابتها الكبيرة في معارضة تيار الإسلام السياسي ونقدها اللاذع لمنظومة الفقه الإسلامي وكذلك انتقادها المتواصل للكثير من الأحكام الدينية التي تضمنها النص المؤسس عند المسلمين القرآن الكريم ومن بعده الحديث النبوي ، أجرت حوارا مطولا نشر في جريدة الشارع المغاربي في عددها الصادر ليوم الثلاثاء 28 أوت الجاري تحدثت فيه عن موقفها من عمل لجنة الحريات الفردية والمساواة والمقترحات التي توصلت إليها بخصوص مطلب المساواة التامة بين الجنسين في الميراث ورأيها في مبادرة رئيس الجمهورية القائمة على فكرة التخيير في التشريع بين حق صاحب المال في العمل بالقواعد الشرعية في قسمة التركة وفي صورة غياب أي وصية صادرة عنه عندها يتدخل المشرع ويجبر الورثة قصرا على الاحتكام إلى قاعدة المساواة في قسمة مال مورثهم. ومما قالته في هذا الحوار أن ما صرح به رئيس الجمهورية في عيد المرأة بخصوص المقترحات الثلاث التي انتهت إليها لجنة الحريات الفردية والمساواة بخصوص مطلب المساواة في الميراث لتجاوز منظومة المواريث الشرعية وتبنيه لمقترح من بين مقترحاتها الثلاثة يقوم على فكرة التخيير في التشريع والذي فهم منه أنه يكرس الإزدواجية في التشريع ويسمح بتعايش تشريعين مختلفين الأول مدني والثاني شرعي ديني هو الحد الأدنى الذي يمكن أن نحصل عليه من كل الطموح الذي يعترينا في سبيل تأسيس المساواة التامة وهو أقصى ما يمكن أن يتحصل عليه اليوم كل مؤمن بأن المساواة هي مسألة جوهرية في الاجتماع الإنساني وأنه لا يمكن أن ننتظر أو أن نترقب الوصول إلى أكثر مما وصل إليه رئيس الجمهورية في مجتمع محكوم بالدين ومسيّج بالكثير من الأحكام الفقهية المكرسة جميعها لدونية المرأة فمهما أغلقنا من مجالات في هذا الفقه إلا وفتحت أمامنا مجالات أخرى تكرس دونية المرأة لذلك أقول بأن الطريق نحو المساواة بين الجنسين ما زالت طويلة وشاقة وإنني أدرك جيدا أن تغيير الأحوال مستحيل في يوم وليلة لصعوبة التغيير في مجتمع محاط بالكثير من الأحكام الفقهية الدينية ولكن ثقتي في أن التغيير آت لا محالة وبأن مطلب المساواة سيتحقق يوما فقط علينا أن نكون واقعيين ومعتدلين في طموحاتنا بما يعني أنه علينا أن ندرك أن ما تحقق إلى حد الآن في معركة المساواة مهم وعلينا أن نبني عليه ونواصل المسعى فيه مستلهمين منهجية الرئيس بورقيبة "خذ وطالب" من أجل التحسين في مجتمع لا يقبل أن يقترب أحد من قواعده الدينية مثل قواعد المواريث التي يعدها من صميم دينه لذلك فإن العمل الذي علينا أن نشتغل عليه مستقبلا هو الإعداد النفسي الجيد للمجتمع لتقبل مثل هذه القضايا حتى يكون على دراية بأهميتها في تحقيق التوازن داخل المجتمع بيت الرجل والمرأة. أما عن عمل اللجنة ومقترحاتها والحلول التي توصلت إليها قالت نائلة السليتي رغم أني مساندة لمطلب المساواة في الميراث ومتضامنة مع اللجنة وأعضائها واعتبر أن ما أقترحه رئيس الدولة هو الحد الأدنى المتاح اليوم فإني لو كنت من بين أعضاء اللجنة لكنت اقترحت شيئا آخر و لما ذهبت إلى ما ذهب إليه التقرير .. كنت بدل الحلول الثلاثة التي قدموها أن أنهي الموضوع ولا أتركه مذبذبا وحاملا لإمكانية عودة المنظومة الدينية التي نريد تغييرها من خلال مقترح اللجنة الثاني القائم على فكرة أن المواريث الشرعية هي القاعدة والمبدأ العام وأن الاستثناء هو تطبيق المساواة إذا أوصى صاحب المال بذلك قبل مماته .. كنت سأقترح حلا يقوم على فكرة أن الوصية هي القاعدة الأولى أي أن تلغي قواعد المواريث المطبقة الآن استنادا إلى آيات المواريث ونطبق بدلا عنها آية الوصية التي هي الأصل لقوله تعالى " كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين " البقرة / 180 وهذه قراءة حسب السليتي ممكنة دينيا والنص الديني يسمح بها وهي إمكانية تخوّل لصاحب المال بأن يوصي بماله كله أو جزء منه أو أن يقسمه على أي شخص كان يراه جديرا بهذا المال قريبا كان أو بعيدا من منطلق درايته بمن يستحق هذا المال أكثر من غيره حتى وإن كان غريبا عن ورثته وأقاربه وأبنائه وفي صورة إذا لم يترك الميت وصية لماله عندها نطبق قاعدة المساواة بين الورثة وبهذا الحل أكون قد اختزلت كل الحلول التي قدمت ومنها حلول اللجنة .. ما كنت سأقترحه لو كنت عضوا فيها هو أن تكون القاعدة في المواريث هي وصية صاحب المال لأن القرآن جعلها هي الأولى والأخيرة وأعتبر أن قاعدة للذكر مثل حظ الانثيين هى فروع متولدة عنها إذا انعدمت الوصية وفي غياب الوصية حينها نلجأ إلى مبدأ المساواة الذي يطبق بفعل القانون ويفرضه المشرع على الجميع. وننهي هذه الوقفة مع نائلة السليتي في حوارها حول المواريث بمسألة في غاية الغرابة وغير مقبولة من جامعية مثلها وتنم عن ذهنية حائرة وعقل متخبط وشخصية متأزمة تتعلق بجوابها على سؤال إصلاح الفكر الديني و ضرورة القيام بإصلاح ديني يواكب العصر ويدخل الإسلام في الحداثة ويقطع مع التمثلات الدينية التي تجعل المسلم مرتهنا في فكره لدى مقولات واجتهادات وضعها الفقهاء القدامى ويرددها اليوم دون مراعاة للثقافة والبيئة والعقل الذي أنتجها وهي ثقافة دينية على أهميتها لم تعد اليوم في جزء كبير منها صالحة أو ملزمة لنا لكونها إنتاجا بشريا لا يكتسي صبغة القداسة التي يكتسيها النص الديني المؤسس، قالت لا توجد شروط للإصلاح الديني وولا شروط لمستلزماته وإنما الحل الوحيد عندي مع هذا الفقه الملغم بالكثير من الأحكام التي تكرس الدونية للمرأة وهذا الفقه المدون في كتب لا تستند إلى الآيات القرآنية بقدر ما هي عالة على المروي هو " يلزمك تدخل وتكسر " بمعنى أنه علينا أن تدخل في المنظومة الفقهية ونفهمها من داخلها ثم نقوم بعملية هدم وتكسير لمقوماتها وبمعنى آخر فإن الحديث عن إصلاح للمدونة الفقهية والمدونة الفكرية للفكر الإسلامي ومنها كتب التفسير القرآن والحديث لا يصلح معها إصلاح فكري وإعادة نظر في مضمونها ومراجعة آلياتها المنهجية المفاهمية للوصل إلى فقه وفكر وتفسير إسلامي مستنير ومعاصر يواكب الحداثة وما وصل إليه العقل من منجزات علمية وإنما الذي يصلح مع موروثنا الديني هو القطع والبتر والإلغاء نحو التجاوز وطي صفة الماضي .. فهل بهذه العقلية نحقق نهضة وتقدمة ننتظرها لبلدنا ؟ وهل بهذه المنهجية العلمية نعيد تشكيل العقل المسلم لتحقيق مطلب المصالحة مع دينه وواقعه ؟ وهل بمثل نائلة السليتي وفكرها تتقدم البلاد ؟ .. يبدو أننا أمام نخبة فكرية مثقلة بكم كبير من العقد والهوس والحيرة والضياع .. منذ الآن سوف تصبح نائلة السليني صاحبة نظرية " أدخل وكسر "