كان ذلك مساء السبت غرة سبتمبر الجاري وفِي مقام الولي الصالح سيدي عبد العزيز بن عياش وببهو اقامة طلبة العلم فيه والذي تحول الى فضاء لجمعيات المجتمع المدني بطبلبة بعدما تم ترميمه تأهيله والاعتناء به كما يلزم للغاية، وكان ذلك بسعي وتدبير من الأخوين عادل بالكحلة وعادل كريم، اما المناسبة فكانت دعوتي للحضور في حفل تكريم إقامته لي جمعية زهرة المدائن وراديو ولبة بطبلبة بمناسبة نشري لكتاب في صائفة سنة 2015 كنت اخترت له عنوانا رمزيا (ذكريات وال في الزمن البورقيبي) لخصت فيه مسيرة نصف قرن من حياتي قضيته في خدمة تونس الجديدة في الإدارة المحلية والجهوية والوطنية وفي التشريع والسياسة، كان أكثرها في زمن حكم الزعيم الحبيب بورقيبة زمن بناء للدولة الحديثة. لم أكن أتوقع تلك اللمة والحفاوة التي وجدتها فيمن تربيت معهم في صغري او ممن تفاعلت معهم في الكبر من الأجيال المتعاقبة خدمة لطبلبة الحبيبة. كانت لي مناسبة سعيدة رأيت فيها كيف تتجدد طبلبة في مظهرها واطاراتها بسلاسة كبيرة وتتفاعل مع الوضع الجديد الذي مرت به تونس من الحكم المسير الى الحكم التشاركي الدمقراطي. لقد رأيت ذلك يتجسم في انسجام وسلاسة بين ممثلي السلطة المحلية في شخص معتمد طبلبة ورئيس بلديها المنتخباخيرا ديمقراطيا وقد حضرا ذلك الحفل اللطيف وجلسا جنبا الى جنب في مقدمة الحاضرين من وجوه وقامات طبلبة مع شبابها الصاعد الذي بدأ يتناول المشعل عن اقتناع وجدارة. لمست ذلك من علامات النجاح التي كنت خائفا عليه بسبب الغموض الذي تركته فينا مجلة الحكم المحلي التي صدرت أخيرا لتنقل السلطة مباشرة الى الشعب بدون ان تحدد طبيعة العلاقة بين البلديات وبين السلطة المحلية ما زالت قائمة والتي تعودت على الانفراد بالسلطة والهيمنة عليها لأكثر من ستين عاما، وكنت شاهدا عليها وفاعلا فيها بصفتي معتمدا او واليا او وال للولاة بوزارة الداخلية او نائبا بمجلس الامة. لقد كان ذلك الحفل العائلي بالنسبة رائعا ولطيفا جدا رأيت فيه تونس كيف تتجدد في مظهرها وشبابها برعاية من الأجيال التي سبقتها وقدمت كل ما قدرت عليه في سنين العسر واليسر سواء كان ذلك في زمن الاستعمار او حكم الرئيس بورقيبة او المنقلبين عليه قبل قيام الثورة التي تحولت اخيرا الى حسرة وبات البعض من الغيظ يتمنى العودة الى الماضي ولكن ذلك لن يعود مثلما لن تفعله عقارب الساعة الحديثة. والمهم بالنسبة لي هو ما رجعت به من ذلك الحفل اذ رأيت اهتماما بالشباب وبتاريخ تونس وقراءة ما يكتب عنها ليتفاعل مع الفاعلين حبا وكرامة واحتراما للذين سبقوا خلافا لما يقع من حين الى حين من التطاول والإساءة لسمعة الأوائل تعسفا وظلما وحسابهم عن اخطاء الماضي التي وقعت إذ لم يكونوا عنها مسؤولين ولم يكن في وسعهم الاعتراض عليها لطبيعة الحكم الانفرادي الذي كان مسيطرا على الساحة. كان علي أن أذكر أسماء المشاركين والحاضرين في ذلك اللقاء من الرجال والنساء ولكنني خيرت الاكتفاء بجمعهم في كلمة واحدة مختصرة قصيرة وهي (تحيا طبلبة). نعم كانت بالنسبة لي مناسبة عزيره بددت في كل ما كان بنفسي من نسيان وتجاهل وقد تعودت عليه ولم أَعد اهتم به أصلا واعتبرت ذلك من طبيعة التونسيين، اما الذي كان يومها فانه استثناء وجدته في مسقط راسي طبلبة الحبيبة التي قضيت فيها اعز أيام شبابي وبقي لها حبي وغرامي الذي لم ولن ينقطع ابدا لتلك القرية البحرية الفلاحية الصغيرة والتي اصبحت الان مدينة معتبرة وقد اعتمدت في ذلك على حماس أبنائها ومتساكنيها وطورت نفسها ذاتيا وباتت الان قطبا في كل شيء وتفوقت خاصة في الفلاحة والصيد البحري وتربية الاسماك في أعالي البحار وإنشاء صناعات تحويلية في شكل مؤسسات متوسطة وصغرى للتشغيل والتنمية الذاتية وكل ذلك مع الاهتمام اكثر بالتربية والتعليم والثقافة والإحاطة بالشباب والرياضة والتفوق فيها بفوز فتياتها اخيرا في اغلب المباريات الرياضة والفوز فيها بالمرتبة الاولى وطنيا وعربيا وهو ما اثلج صدري وصدور المحبين لها من ابناء طبلبة العزيزة. واقول بالمناسبة للجميع وبدون استثناء او ذكر للأسماء حتى لا أتسبب في حرج لي ولهم جميعا. شكرًا جزيلا لكم عما فعلتموه وقد بت بفضلكم اشعر بقلة ما قدمته سابقا لطبلبة متمنيا من الجميع ان نتعاون معا لنتدارك ذلك التقصير الغير المتعمد وفِي مقدمتنا الشباب الذي يعتمد عليه أكثر.