بعد أن هدأت العاصفة إلى حدّ ما في الأراضي الشقيقة ليبيا استبشر الجميع خيرا وتمنى أن تهدأ العاصفة لدى أشقائنا بصفة نهائية بل و استبشر الكلّ أكثر حين حلّ الحوار الليبي / الليبي بديلا عن أصوات الموت وفخاخ الموت و قنابل الموت و أحزمة الموت بعد أن رجع الإخوة الأعداء إلى رشدهم و تعقلهم و التفكير السليم قصد انقاذ وطنهم و شعبهم وإعادة النهضة إلى هذا الوطن الشقيق ليعود إلى حضيرة العالم العربي فاعلا كما عهدناه . ولكن هذا الارتياح لم يعمّر طويلا بعد أن علا من جديد صوت السلاح و صوت التفجيرات في أطراف العاصمة طرابلس لتخلف عشرات القتلى و الأضرار المادية الكبيرة حيث شهدت عدّة مناطق وسط طرابلس سقوط صواريخ و قذائف عشوائية مما أدّى إلى سقوط في صفوف المدنيين( 47 قتيلا و أكثر من 160 جريحا إلى حدّ يوم أمس الاثنين من بينهم على ما يبدو اعتداء على سفير السودان) و أضرار ماديّة فادحة ، الأمر الذي تسبب في دوامة من الخوف و الفزع و الرعب لدى المواطنين الذين تقطعت بهم السبل. و من هنا بدا الخوف على مستقبل ليبيا و قد كان أوّل ارتداداته ان اهتز من جديد استقر البلاد بعد نقطة الضوء الوحيدة المتمثلة في حوار الاخوة الأعداء برعاية دولية ولكن و الأهم من هذا وأنّ مصير و مستقبل القطر الليبي هو بين أيادي أبناء ليبيا بمختلف ألوانهم و مشاربهم وعليهم تجاوز خلافاتهم الشخصية حول المناصب و الكراسي و المراكز و التنازل لبعضهم البعض بصفة توافقية من أجل انقاذ بلدهم من المزيد من الانشقاق و التقسيم و العمل على كلمة واحدة و موقف واحد شعاره وكلمة السرّ فيه هو انقاذ ليبيا أوّلا و أخيرا و إلاّ ستغرق السفينة بمن فيهم و يغرق الوطن و عندها لا ينفع النّدم و لا ينفع البكاء على الأطلال.خاصة في وجود أعداء متربصة بليبيا من أجل اقتسام الغنيمة.. و أيضا على الدول المغاربية - التي تربطها بليبيا المصير المشترك و الحدود المشتركة و المستقبل المشترك فضلا عن روابط الدين و اللغة و التصاهر – عليها التحرك قبل غيرها من الدول الأخرى و خاصة الغربية منها، التّي لا تبحث إلاّ على مصالحها من الغنيمة الليبية فقط، لأنّ استقرار ليبيا من استقرار هذه الدول الأربعة ( تونس و الجزائر و المغرب و موريطانيا ) استقراراأمنيا أوّلا – باعتبار ما يوجد في ليبيا الآن من تشكيلات ارهابية تهدد الجميع بدون استثناء ووسيلة في أيادي الشرّ تستعملها متى طاب لها تحقيقا لمصالخها و لو حساب استقرار دول و شعوب. و ثانيا استقرارا اقتصاديا بحكم ما تمثله ليبيا اقتصاديا أولا باعتبارها بلدا منتجا للنفط و ثانيا باعتبارها ستصبح حظيرة بناء كبيرة لإصلاح ما أفسدته الحرب بها. وثالثا استقرارا اجتماعيا بحكم امكانية استيعاب القطر الليبي لليد العاملة المغاربية في صورة استقرارها ممّا قد يخفف المشاكل الاجتماعية لبقة الأقطار المغاربية و على رأسها مشكلة البطالة التّي أرّقت و تؤرّق الحكومات المتعاقبة. و لكن هناك لاعب أساسي في عملية استقرار ليبيا و هي الدول الغربية و ما تمثله من شراهة الأطماع الخارجية في ليبيا و التّي لا تقف عند حدّ معيّن و ربما هذا السبب في حدّ ذلته أحد الأسباب الكبيرة الذي وراء تعطيل الحوار الليبي.بل و مواصلة صب الزيت على النيران المتأججة أصلا و من هذا المنطلق بالذات على الدول المغاربية العمل على التدخل و التوسط من أجل مصالحة الإخوة الأعداء بليبيا و أيضا من أجل ايقاف ارتداد عدم استقرا ليبيا على بقية الدول المغاربية و لكن يبدو و أن الأوضاع الخاصة لكل قطر مغاربي لا تمكنه من التوسط في هذه المصالحة في هذه المرحلة بالذات: فتونس تعاني من عدم استقرار سياسي و اقتصادي واجتماعي لا عهد للبلد به و الجزائر و ما تعانيه من تهديدات خارجية اتقويض استقرارها و ما الحرب الجرثومية ( الكوليرا ) إلا دليلا على جدّية هذا التهديد أمّا المغرب – رغم ما تشهده من نماء اقتصادي و لو محدود فإنها تشهد اضرابات اجتماعية و سياسية – و مورطانيا البلد الغني / الفقير مازال يعاني التهميش و لم يهتدي بعد إلى الانطلاقة الحقيقية له، فضلا عن الأطماع الخارجية في المقدرات الليبية و خاصة النفط منه.و يكفي للتدليل على ذلك الدور الذي تلعبه كل من فرنسا و ايطاليا و الولاياتالمتحدة في هذا الملف الليبي اضافة على ما يبدو دخول روسيا على الخط بعد أن اطمئنانها على الملف السوري. السؤال هل ستتجاوز ليبيا هذا المطب الجديد الذي تردّت فيه و هل سيعي أبناؤها بأنّ الحل بين أيديهم هم وحدهم، و لا و لن يأتيهم من الخارج، عبر الحوار و التوافق و التنازل لبعضهم البعض بعيدا عن العمالة و الخيانة و العمل لصالح الغير وبالتالي هي سنعيش قريبا هذا العرس و هذا اليوم السعيد برجوع ليبيا إلى عهدها و شموخها و قوّتها وازدهارها، فالكرة الآن بين أرجل أبناء ليبيا الصادقين و الوطنيين، فكونوا بالفعل أحفاد عمر المختار...؟