تفاصيل الاحكام السجنية الصادرة في قضية "التسفير"    دعما للتلاميذ.. وزارة التربية تستعد لإطلاق مدارس افتراضية    ترامب يبحث ترحيل المهاجرين إلى ليبيا ورواندا    الدوريات الأوروبية.. نتائج مباريات اليوم    جلسة عمل بين وزير الرياضة ورئيسي النادي البنزرتي والنادي الإفريقي    نصف نهائي كأس تونس لكرة اليد .. قمة واعدة بين النجم والساقية    ملكة جمال تونس 2025 تشارك في مسابقة ملكة جمال العالم بالهند    مهرجان «كنوز بلادي» بالكريب في دورته 3 معارض ومحاضرات وحفلات فنية بحديقة «ميستي» الاثرية    تونس: مواطنة أوروبية تعلن إسلامها بمكتب سماحة مفتي الجمهورية    الاتحاد الجهوي للفلاحة يقتحم عالم الصالونات والمعارض...تنظيم أول دورة للفلاحة والمياه والتكنولوجيات الحديثة    تحسّن وضعية السدود    معدّل نسبة الفائدة في السوق النقدية    عاجل: بينهم علي العريض: أحكام سجنية بين 18 و36 سنة للمتهمين في قضية التسفير مع المراقبة الإدارية    القيروان: هلاك طفل ال 17 سنة في بحيرة جبلية!    اللجنة العليا لتسريع انجاز المشاريع العمومية تأذن بالانطلاق الفوري في تأهيل الخط الحديدي بين تونس والقصرين    تحيين مطالب الحصول على مقسم فردي معدّ للسكن    المانيا.. إصابة 8 أشخاص في عملية دهس    تونس تسجّل أعلى منسوب امتلاء للسدود منذ 6 سنوات    عاجل/ تحويل جزئي لحركة المرور بهذه الطريق    مأساة على الطريق الصحراوي: 9 قتلى في حادث انقلاب شاحنة جنوب الجزائر    عاجل: إدارة معرض الكتاب تصدر هذا البلاغ الموجه للناشرين غير التونسيين...التفاصيل    عاجل/ أمريكا تجدّد غاراتها على اليمن    تونس تستعدّ لاعتماد تقنية نووية جديدة لتشخيص وعلاج سرطان البروستات نهاية 2025    اتخاذ كافة الإجراءات والتدابير لتأمين صابة الحبوب لهذا الموسم - الرئيسة المديرة العامة لديوان الحبوب    النّفطي يؤكّد حرص تونس على تعزيز دور اتحاد اذاعات الدول العربية في الفضاء الاعلامي العربي    عاجل/ زلزال بقوة 7.4 ودولتان مهدّدتان بتسونامي    الشكندالي: "القطاع الخاص هو السبيل الوحيد لخلق الثروة في تونس"    الليلة: أمطار رعدية بهذه المناطق..    جريمة قتل شاب بأكودة: الإطاحة بالقاتل ومشاركه وحجز كمية من الكوكايين و645 قرصا مخدرا    مدنين: مهرجان فرحات يامون للمسرح ينطلق في دورته 31 الجديدة في عرس للفنون    عاجل/ تسجيل إصابات بالطاعون لدى الحيوانات..    غرفة القصّابين: أسعار الأضاحي لهذه السنة ''خيالية''    منوبة: احتراق حافلة نقل حضري بالكامل دون تسجيل أضرار بشرية    سليانة: تلقيح 23 ألف رأس من الأبقار ضد مرض الجلد العقدي    مختصون في الطب الفيزيائي يقترحون خلال مؤتمر علمي وطني إدخال تقنية العلاج بالتبريد إلى تونس    فترة ماي جوان جويلية 2025 ستشهد درجات حرارة اعلى من المعدلات الموسمية    الانطلاق في إعداد مشاريع أوامر لاستكمال تطبيق أحكام القانون عدد 1 لسنة 2025 المتعلق بتنقيح وإتمام مرسوم مؤسسة فداء    حزب "البديل من أجل ألمانيا" يرد على تصنيفه ك"يميني متطرف"    جندوبة: انطلاق فعاليات الملتقى الوطني للمسرح المدرسي    فيلم "ميما" للتونسية الشابة درة صفر ينافس على جوائز المهرجان الدولي لسينما الواقع بطنجة    كلية الطب بسوسة: تخرّج أول دفعة من طلبة الطب باللغة الإنجليزية    بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: النخبة التونسية تحرز ذهبيتين في مسابقة الاواسط والوسطيات    خطر صحي محتمل: لا ترتدوا ملابس ''الفريب'' قبل غسلها!    صيف 2025: بلدية قربص تفتح باب الترشح لخطة سباح منقذ    تطاوين: قافلة طبية متعددة الاختصاصات تزور معتمدية الذهيبة طيلة يومين    إيراني يقتل 6 من أفراد أسرته وينتحر    الرابطة المحترفة الثانية : تعيينات حكام مقابلات الجولة الثالثة والعشرين    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    الرابطة المحترفة الأولى (الجولة 28): العثرة ممنوعة لثلاثي المقدمة .. والنقاط باهظة في معركة البقاء    ريال بيتيس يتغلب على فيورنتينا 2-1 في ذهاب قبل نهائي دوري المؤتمر الاوروبي    أبرز ما جاء في زيارة رئيس الدولة لولاية الكاف..#خبر_عاجل    الصين تدرس عرضا أميركيا لمحادثات الرسوم وتحذر من "الابتزاز"    الجولة 28 في الرابطة الأولى: صافرات مغربية ومصرية تُدير أبرز مباريات    صفاقس ؛افتتاح متميز لمهرجان ربيع الاسرة بعد انطلاقة واعدة من معتمدية الصخيرة    "نحن نغرق".. نداء استغاثة من سفينة "أسطول الحرية" المتجهة لغزة بعد تعرضها لهجوم بمسيرة    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الديبلوماسية الدولية عليلة والعالم يفتقر للزعامة
نشر في الصباح يوم 30 - 12 - 2017

*تقلبات الديبلوماسية التونسية وأهمية الرهان على الحلم المغاربي
*العرب يمثلون 5% من سكان العالم لكنهم يشكلون أكثر من 50% من اللاجئين
بقلم:آسيا العتروس
تونس – الصباح:
سيتذكر العالم وهو يطوي آخر صفحات السنة الراهنة بكل عللها الديبلوماسية ما ظهر منها وما خفي تلك الصفعة التي وجهتها الطفلة عهد التميمي للجندي الاسرائيلي المدجج بالسلاح.. انها صفعة تختزل المشهد الديبلوماسي الدولي بكل مآسيه وإخفاقاته وفشله المتواتر منذ سنوات في إرساء العدالة الدولية الضائعة في مهب الازمات والصراعات الاقليمية والدولية...
صفعة عهد للجندي الاسرائيلي هي في الواقع صفعة كل اطفال العالم، بل وكل الاجيال المحكومة بالموت بالبطيء والمهددة بالضياع والتشرد والموت بسبب موت الضمير الانساني وهيمنة حسابات صناع القرار المحكومين بأرصدة تجار الموت وسماسرة عقود وصفقات السلاح وكل المرتزقة الذين يسبحون في فلكهم ويجعلون من مآسي البشر وتجار الدين والاوطان والمخدرات منبعا لا ينضب من الثروات...
إذا كان هناك من عنوان للديبلوماسية الدولية للسنة التي تطوي آخر صفحاتها فإنها بالتأكيد ستكون سنة الفقر والقحط للزعامة والديبلوماسية المقتدرة المنتصرة لمبدا وقيم السلم في العالم وهو المبدأ الذي يفترض أن يكون ميثاق الامم المتحدة قد حدده لتنظيم العلاقات الدولية والانتصار لمبدأ استقلال الامم والشعوب والعدالة والحق ضد الظلم..
ليس من المبالغة الإقرار بأن الفشل في وقف الصراعات والحروب الدموية يظل سيد المشهد طوال السنوات القليلة الماضية وما أفرزته من خراب ودمار وتشريد للأبرياء.. وعشية حلول السنة الجديدة تبقى الاصوات المطالبة بوقف الحروب مكتومة لا تكاد تبلغ الاسماع أو تثير الاهتمام وكأن ما يعيش على وقعه عالمنا لا سيما المنطقة العربية التي تعيش عملية تدمير ممنهج بأموال وتمويلات عربية استنزفت الابرياء...
صحيح أن أغلب الخبراء والمتتبعين للأحداث الدولية يصرون على وصف السنة الراهنة 2017 بأنها سنة الحرب المفتوحة على إرهاب "الدواعش" وبداية نهاية هذا التنظيم الارهابي في سوريا والعراق وسقوط معاقله في الموصل والرقة، وهي أمنية تتطلع لها كل الشعوب التي طالتها يد الارهاب من قريب أو بعيد.. ولكن الحقيقة أن العالم لا يزال ابعد ما يكون عن الاحتفال بزوال هذا التنظيم من الوجود.
صحيح أن التنظيم تلقى صفعات عديدة بعد الاستفاقة التي تحققت للجيش العراقي بعد هزيمة الموصل في جوان 2014 وانسحابه المهين من ثاني أكبر المدن العراقية لتسقط في ايدي التنظيم، وصحيح أن الارهابيين تلقوا صفعة حادة في الرقة، وصحيح أيضا أن شبكة "داعش" باتت محاصرة بعد تضييق الخناق من حولها وتجفيف منابع تمويلها بالمال والسلاح والبشر... ولكن الخطر لا يزال قائما، وقد سجلت الايام القليلة التي سبقت نهاية العام اكثر من هجوم دموي لتنظيم "داعش" من العاصمة الافغانية كابول التي يبدو انها ستكون المعقل الجديد للتنظيم، الى مصر التي تكررت الضربات الارهابية الموجعة التي تستهدف الكنائس والمسلمين على حد سواء، بما يعني ان التحديات لا تزال قائمة، وأن السنة القادمة 2018 قد لا تكون طاهرة من إرهاب "الدواعش"، وأن شبكات الارهاب لا تزال متعطشة للدماء، وأن ممولي الارهابيين ومستقطبيهم على الانترنت يواصلون عمليات التجنيد للمقاتلين ومشاريع تخريب العقول ونشر الظلامية والتخلف وإعلان العداء لإنسانية الانسان والحرية وثقافة التعددية والقيم الانسانية المشتركة...
قرار ترامب محرك الديبلوماسية العربية والدولية
طبعا الامر لا يتعلق باستعراض كرونولوجي لمختلف أحداث السنة، ولكن بالتوقف عند تلك الاحداث التي ظلت عالقة في الاذهان والتي ستظل تداعياتها قائمة ليس على مدى السنة القادمة، بل ربما على مدى السنوات والعقود المقبلة... ولاشك أن في قرار الرئيس الامريكي دونالد ترامب بنقل سفارة بلاده من تل ابيب الى القدس المحتلة ما شكل رجة للعالم الذي وقف على تداعيات استخفاف زعيم القوة الاولى في العالم بالقانون الدولي وذهابه بعيدا في تبني خيارات كيان الاحتلال الإسرائيلي، وهو الموقف الذي سيحرك سواكن العالم وينبه الى وجود بقية من ضمير انساني وإرادة شعبية تنتفض كلما تعلق الامر بشرعية وعدالة القضية الفلسطينية المغيبة في ميزان القوى الدولية والعدالة الدولية..
ولا شك أن الفيتو الامريكي في مجلس الامن الدولي لإسقاط الحق الفلسطيني في القدس المحتلة وما تلاه من انتصار ديبلوماسي في الجمعية العامة للأمم المتحدة قد أعاد للقضية موقعها اقليميا ودوليا ودفع بطريقة او بأخرى الى اعادة احياء الديبلوماسية العربية والاسلامية دفاعا عن الثوابت التي لا تقبل الابتزاز او المقايضة..
على ان المهم وبرغم هذا المكسب الديبلوماسي ان المعركة الحاسمة لم تبدأ بعد. ولا شك أن ما اقدمت عليه غواتيمالا بإعلانها نقل سفارتها الى القدس المحتلة بعد الاجماع الدولي في الامم المتحدة الرافض لهذه الخطوة ما يستوجب الاستنفار والاستعداد للقادم عندما تمتد العدوى الى دول اخرى قد تخشى تداعيات وقف المساعدات الامريكية لها، أو كذلك دول أخرى بدأت اسرائيل استهدافها عبر حملة دعائية منظمة لدفعها الى تغيير مواقفها وإغراءها بالمال والدعم والمساعدات لشراء أصواتها مستقبلا وضمان تصويتها ضد قرار الامم المتحدة، وهو ما يستوجب التحرك على كل الاصعدة لتوسيع دائرة الدول الداعمة للقضية الفلسطينية وضمان عدم تراجع دول اخرى نزولا عند التهديدات الامريكية بحرمانها من المساعدة...
ولا شك ان أي قمة عربية طارئة تسعى الجامعة العربية لتنظيمها مطلع العام القادم بدعم أردني لن يكون لها وزن يذكر إذا لم يتم الاعداد الجيد لها لضمان نتائج عملية تدفع الدول الاوروبية المعارضة لقرار ترامب بإعلان دعمها قيام دولة فلسطينية... والارجح ان المعركة لن تكون هينة او محسومة في ظل الموقف العربي الهش وضعف التنسيق والتوافق المطلوب وتضارب المصالح التي بلغت درجة لم يسبق ان عرفت الدول العربية مثلها حتى في أحلك فتراتها.. ولو ان الامر ارتبط بالتعويل على عدالة القرارات الدولية لكان الامر ميسرا، ولكنه يقوم بالدرجة الاولى على اساس لعبة المصالح التي تعود فيها الغلبة لغير الاطراف العربية التي لا وزن لها في هذه المرحلة..
وبالاعتماد على تقرير حديث لمعهد كارنيغي للسلام الدولي، فإن مآسي الجسد العربي تجعله في وضع لا يحسد عليه... ويخلص التقرير في جزء منه الى ان العالم العربي الذي كان لفترة طويلة يعاني من أعلى معدل بطالة بين الشباب في العالم، فإن مستويات الاحباط تبقى عالية، ذلك أن هذه الفجوة بين الأجيال كانت لها تبعات اجتماعية وسياسية، مع تركز القوة السياسية والاقتصادية ضمن الجيل الأكبر سناً فيما متوسط الأعمار ببعض الدول العربية ما دون سن ال 21.
كما يشير المعهد في تقريره لحجم الكارثة في العالم العربي الى ان أكثر من 143 مليون عربي يعيشون في بلدان تعاني من حروب أو احتلال، وأن حوالي 17 مليوناً تم تشريدهم قسراً من منازلهم في عام 2015، ويشير إلى أن تعداد العرب يعادل 5% من سكان العالم فقط، لكنهم يشكلون أكثر من 50% من لاجئيها، مع أعداد كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين، أقدم لاجئين في العالم وأكثرهم عدداً، أي حوالي 5 ملايين نسمة، منذ النكبة عام 1948 وحرب 1967...
وبرغم كل التحذيرات وبرغم كل التقارير التي ما انفكت تدق ناقوس الخطر في المجتمعات العربية وما ينتظرها مستقبلا من استمرار لضياع الأجيال، لا يبدو ان تلك التحذيرات تجد لها صدى يذكر عند من يفترض أنهم صناع القرار لوقف الانهيار وتجنب مزيد الدمار وإنقاذ ما يمكن انقاذه من الاجيال التي لم تعرف غير الصراعات والحروب وثقافة العنف والجهل وكل ما يمكن ان يساعد على تجهيل الشعوب وتهميشها واغراقها في الطائفية..
وبعيدا عن الغرق في إعادة استعراض المشهد المألوف والعنوان المتداول، من العراق المحكوم بصراعاته، الى سوريا الغارقة في الدمار والخراب، الى اليمن الذي بات أطفاله على موعد يومي مع الموت جوعا او الموت بسبب الكوليرا او القصف العشوائي، إلى ليبيا الرهينة في قبضة شبكات الارهاب والسلاح، أو مصر المستهدفة من الجماعات الإرهابية، أو السعودية المنشغلة بحربها في اليمن المجاور وأزمتها المفتوحة مع ايران، الى دول المغرب العربي المحكومة بخلافاتها حول الصحراء الغربية التي وضعت حدا للحلم المغاربي، الى بقية الخارطة العربية المهددة في امنها الغذائي والمائي وفي استقرارها وسيادتها، يبقى السؤال المطروح: لماذا يتقدم العالم ويتأخر العرب والمسلمون، هو السؤال القديم الجديد الذي سيظل مطروحا طالما استمر إصرار العرب على اضاعة البوصلة وتوخي سياسة التدمير الذاتي التي تتضح اليوم نتائجها، ليتحدث العالم عن المستفيدين من الضعف الحاصل ومما تحقق ويتحقق للعدو الاسرائيلي من تقدم علمي وتنفذ وتمدد استيطاني في المنطقة وما يتحقق ايضا لإيران من مكاسب بفضل الحسابات الخاطئة للعرب وبسبب الغياب المستمر لجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الاسلامي والافتقار لديبلوماسية استباقية تبكر بمعالجة القضايا واستباق الازمات وتجنيب الشعوب المآسي التي لا آخر لها...
الديبلوماسية التونسية: بين المفاجآت والثوابت
من شأن تواتر الاحداث المتسارعة اقليميا ودوليا وما قد تحمله في طياتها من مفاجآت في أكثر من ملف، أن تجعل الديبلوماسية التونسية تحت المجهر. فتونس التي كانت مهد الثورات العربية قبل سبع سنوات تظل المخبر لتوجهات مختلف القوى الاقليمية والدولية في العالم، وتونس من موقعها عربيا ومغاربيا ومتوسطيا وافريقيا تؤثر وتتأثر بما يطرأ على العالم من أحداث...
وقد شهدت الاسابيع القليلة من المواعيد ما يجعل تونس وفي أحيان كثيرة المقياس لتوجهات الاحداث.. ولا شك أن للمبادرة التونسية المصرية الجزائرية لحل الازمة الليبية انطلاقا من مبادرة الصخيرات ما لا يمكن ان يجعل تونس في موقف محايد ازاء ما يحدث في هذا البلد الذي لا يمكن لتونس ان تعرف الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والامني طالما بقي المشهد فيه على ما هو من تناحر بين الاخوة الاعداء.
وقد كان ولا يزال الملف الليبي أحد أخطر واعقد الملفات للديبلوماسية التونسية التي يتعين عليها ان تكون متأهبة ازاء كل ما يمكن ان يفاقم الصراعات في هذا البلد او يعرقل الجهود لتأجيل الحل السياسي الذي بدونه لا يمكن لليبيا ان تعرف ومعها دول الجوار الستة الاستقرار.. وسيظل ملف سفيان الشورابي ونذير القطاري من الملفات السوداء المرتبطة بالأزمة الليبية في غياب الحقيقة بشأن الصحفيين اللذين لم يعرف مصيرهما بعد..
ليبيا ليست التحدي الوحيد امام الديبلوماسية الليبية وسيظل الملف السوري والمخاطر المرتبطة بملفات المقاتلين العائدين من هذا البلد في غياب القنوات الديبلوماسية المقطوعة منذ نحو ست سنوات، عبئا اضافيا مع تواتر التقارير عن توجه هؤلاء الى الجوار الليبي بحثا عن معقل جديد يجمعهم..
الاكيد ايضا ان العلاقات التونسية الاوروبية ومفاوضات الشراكة مع الاتحاد الاوروبي واتفاقيات أليكا التي لا تزال في إطار البحث تبقى عالقة بدورها وربما سيكون للخطأ الحاصل بعد التقصير الذي أدى الى تصنيف تونس في القائمة السوداء للملاذات الضريبية، ما يستوجب التعجيل بتصحيح ما حدث والافراج عن تونس من قبضة هذا التصنيف خلال المفاوضات التي ستسبق موعد 23 جانفي القادم...
طبعا، الحديث عن الديبلوماسية التونسية في هذه المرحلة لا يمكن ان يتجاهل الازمة الاخيرة التي رافقت اعلان دولة الامارات منع التونسيات من ركوب الطائرات الاماراتية أو حتى العبور اليها وهو ما اعتبر في نظر التونسيين إهانة لتونس ولشعبها.. وحتى الآن لا يبدو ان الازمة التي اثارت جدلا واسعا قريبة من نهايتها مع تأخر الاعتذار الذي ينتظره التونسيون من جانب الامارات بعد القرار المهين الذي تم تبريره بأسباب امنية وهي وان كانت قائمة فإنها لا تخفي وجود أسباب سياسية دفعت الى هذا القرار..
الديبلوماسية التونسية والقضية الفلسطينية وتلك تظل من الثوابت التي لا تقبل التشكيك ولا المساومة لسبب بسيط وهو ان تونس انما تنتصر للحق وللعدالة ولا تبحث من وراء ذلك عن اي مكاسب وهذا كان ولايزال موقف تونس منذ عقود. وقد اختارت تونس الاجماع العربي في التصويت بشان القدس في الامم المتحدة ولم ترضخ للابتزازات والمساومات والتهديدات الامريكية بقطع المساعدات وعملية شراء الاصوات رغم الصعوبات التي تمر بها تونس اقتصاديا وامنيا، وهو خيار اتضح منذ البداية مع دعوة الرئيس الباجي قائد السبسي للسفير الامريكي روبنشتاين لإبلاغه احتجاج تونس على قرار الرئيس الامريكي بشأن القدس، وفي ذلك ايضا تمسك بمواقف تونس كما يلخصها المؤرخ عثمان الكعاك بقوله ان "حجم تونس حجم الفولة ولكن صوتها صوت الغولة"، وهو فعلا ما نريده وما نتمناه لبلادنا كي تكون دوما صوت الحق الذي لا يقبل بالظلم، ولكن ايضا صوت الحكمة عندما يتعلق الامر بالخيارات الصعبة وضرورة المجاهرة اكثر فأكثر بالتعجيل بوقف الحرب المستمرة في اليمن وسوريا ومنح الاجيال الصاعدة فرصة الحياة وإعادة احياء الامل...
الواقع ايضا ان المعركة الاساسية التي يتعين على التونسي اليوم أن يكسبها هي معركة تحرير العقول من قيود التواكل والتخاذل وهي معركة لا يمكن تحقيقها بدون تخلي النخب السياسية الحاكمة عن الانانية المفرطة التي تعوقها عن النظر في المرآة والتطلع الى العيوب لدى صناع القرار في البلاد...
مع نهاية كل سنة وبداية أخرى يتجدد عند الامم والشعوب والافراد الامل بالتغيير في حياتهم والتطلع الى مستقبل يقطع مع كل أسباب الفشل والركود والقتامة والاحباط ويؤسس للارتقاء الى صفوف المجتمعات الراقية التي أدركت طريقها الى الحرية والكرامة وكل ما يضمن أسباب التطور العلمي والمعرفي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي... ولا شك أن كل تغيير في هذا الاتجاه لن يتحقق بالتمني ولا بالحنين والبكاء والتحسر على الماضي...
بل الاكيد أن التغيير الذي تتطلع اليه يستوجب وقفة تأمل جريئة وصادقة الى ما آل اليه الوضع في بلادنا وتقييما دقيقا للمشهد الراهن بكل ما تخلله من عثرات وإخلالات واستعدادا لمحاسبة النفس، بعيدا عن جلد الذات ولكن بروح المسؤولية وبحجم الامانة التي اشترك الجميع في تحملها..
أخيرا وليس آخرا، فالأكيد أن في غياب الاتحاد المغاربي وغياب سياسة خارجية ورؤية ديبلوماسية مشتركة ما يفاقم التحديات ويراكم الملفات.. قبل أيام كشف الامين العام لاتحاد المغرب العربي الطّيب البكّوش أن الصراعات والتجاذبات السياسية بين دول اتحاد المغرب العربي تعد سببا رئيسيا في ضعف حجم المبادلات التجارية بينها رغم توفر كل الإمكانيات الكفيلة بتعزيز فرص الاستثمار والرفع من حجم مبادلاتها التجارية التي لا تتجاوز 5% في حين أن حجم المبادلات التجارية بين دول المغرب العربي وبقية دول العالم يتعدى 90 %، وهو ما يتطلب تجاوز الخلافات السياسية الضيقة وتكثيف الجهود لتشخيص الواقع وإيجاد حلول جذرية لدعم العمل المشترك وتحقيق النمو المطلوب لإنقاذ شباب المنطقة وتوفير مئات الآلاف من مواطن الشغل للشباب وتخدم مصالح شعوب المنطقة...
حتى الان لا شيء باستثناء الحلم من شانه أن يعزز الارادة الشعبية المطلوبة ومواصلة المعركة الطويلة من اجل البقاء على أمل أن يكون مستقبل الاجيال القادمة أفضل...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.