لم تكن قريش تعلم أن الله أذِن لنبيه صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى المدينة، وبينما هم يحيكون مؤامرتهم، كان النبي صلى الله عليه وسلم قد غادَر بيته في ليلة السابع والعشرين من شهر صفر السنة الرابعة عشرة من النبوة، وأتى إلى دار أبي بكر رضي الله عنه في وقت الظهيرة متخفِّيًا على غير عادته؛ ليُخبره بأمر الخروج والهجرة، وخشِي أبو بكر أن يُحرَم شرفَ صحبة النبي صلى الله عليه وسلم، فاستأذن في صُحبته، فأذِن له، وكان قد جهَّز راحلتين استعدادًا للهجرة، واستأجر رجلًا مشركًا من بني الديل، يُقال له: عبدالله بن أُريقط خِرِّيتًا - (ماهرًا وعارًفا بالطريق) - ودفع إليه الراحلتين ليرعاهما، واتَّفقا على اللقاء في غار ثورٍ بعد ثلاث ليالٍ، في حين قامت عائشة وأختها أسماء رضي الله عنهما بتجهيز المتاع والمُؤَن، وشقَّت أسماء نطاقَها نصفين لوضع الطعام فيه، فسُمِّيت من يومها بذات النطاقين، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم عليَّ بن أبي طالب رضي الله عنه بأن يتخلَّف عن السفر؛ ليؤدي عنه ودائع الناس وأماناتهم، وأن يَلبَس بُردته، ويَبيت في فراشه تلك الليلة. ثم غادَر النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه من بابٍ خلفي؛ ليَخرجا من مكة قبل أن يطلُع الفجر، ولَمَّا كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أن الطريق الذي ستتَّجه إليه الأنظار هو طريق المدينة الرئيسي المتجه شمالاً، فقد سلك الطريق الذي يضاده، وهو الطريق الواقع جنوبمكة، والمتجه نحو اليمن، حتى بلغ إلى جبل يُعرَف بجبل ثور، وقام كل من عبدالله بن أبي بكر، وعامر بن فهيرة، وأسماء بنت أبي بكر بدوره