اشتهر عندنا وفي الآفاق بأنّه من أجلّ مهندسي الريّ بعدما قام بتقسيم مياه الواحات بالجنوب التونسي معتمدا قبل الأوان أهمّ القوانين الفيزيائية والهدروليكية المستعملة إلى حدّ الآن. ولكن الرجل هو من خانة الرجال الموسوعيين إذ أنّ هذا البعد العلمي أو بالأحرى التقني ما هو إلا واحد من أبعاد هذا الألمعي. هو محمد بن علي ابن الشباط التوزري ولد يوم 16 أكتوبر 1221 م /618 ه بمدينة قسنطينة وقد كان سافر إليها والده ثمّ انتقل وهو في سنّ الرابعة إلى موطن الجدود توزر. تتلمذ ابن الشبّاط إلى علماء توزر والتحق بجامع الزيتونة بتونس واستقرّ في محلّ بنهج القعّادين بالزنقة التي أصبحت تحمل اسمه، ثمّ رجع إلى توزر حيث ولّي القضاء ولكنّه كان أميل ما يكون إلى إشباع نهمه من النهل من الآداب والعلوم. ولقد كان والده كثيرا ما ينشده غُرَرَ الشعر ودُرَرَ الحِكَمِ. يقول في سيرته: كان الوالد ينشدني: إذا أضمأتك أكفّ اللئام كفتك القناعة شبعا وريّا فكن رجلا رجله في الثرى وقامة همّته في الثريّا كان له اهتمام شديد بأدباء الجريد وبالخصوص عبد الله الشقراطسي المتوفى سنة 1073 م وبقصيدته الشهيرة والمنعوتة بالشقراطسية والتي أنشدها أمام قبر النبي محمّد صلى الله عليه وسلّم ومفتتحها: الحمد لله منّا باعث الرسل هدى بأحمد منّا أحمد السبل خير البريّة من بدو ومن حضر وأكرم الخلق من حاف ومنتعل ولقد خصّها ابن الشبّاط بشرحين وبتخميس وللشقراطيسي قصيدة أخرى " المنفرجة " ومفتتحها: اشتدي أزمة تنفرج قد أبدل ضيقك بالفرج مهما اشتدّت بك نازلة فاصبر فعسى التفريج يجي والتي عارضها تلميذه أبو الفضل ابن النحوي (1042ه-1419 م) اشتدّي أزمة تنفرج قد آذن ليلك بالبلج ولابن الشبّاط مؤلفات أخرى ومنها كتاب " أنيس القرية وحلية أهل الجريد"، وكتاب " العقد الفريد في تاريخ علماء الجريد " و " الغرّة اللائحة والمسكة الفائحة" الذي يروى أنه ألّفه عندما تراءى له في المنام جدي أسود غرّته بيضاء وفيها يقرأ بالأسود اسم محمّد. وله أيضا مؤلّف طبقت شهرته الآفاق وهو في أربعة أجزاء: صلة السمط. ولقد استشهد كثيرون بما جاء في هذا الكتاب مثل الوزير السرّاج في كتاب الحلل السندسية في الأخبار التونسية في المجلّد الأوّل، وكذلك الهادي روجي إدريس في " الحياة الفكرية بإفريقية في أيّام بني زيري ". وكان له شغف بالتاريخ إذ أنه وصف العديد من المدن في شمال إفريقية بالاعتماد على الكمّ الهائل من المراجع التي كان قد جمعها من مختصر الطبري إلى تاريخ إفريقية للرقيق القيرواني مرورا ب " الاكتفاء في تاريخ الخلفاء "لابن كردوس التوزري. من ذلك أنّه وصف نفزاوة: " اعلم أنّ نفزاوة تشتمل على بلاد كثيرة أعظمها مدينتان إحداهما يقال لها بشرى والأخرى يقال لها طرّة، وكلتاهما فيهما العيون والمياه الجارية ويصنع بها أنواع من الملابس الحسنة ممّا يتنافس فيه." أمّا إنجازاته العلميّة فلقد كانت ماثلة للعيون إلى زمن غير بعيد. وتتكوّن منظومة الريّ التي تفتّق عليها فكر ابن الشباط من تلاقي عيون بالواحة في نهر "برقوقة " في توزر ثمّ يوجد مصرف Répartiteurوهو بدوره يتفرّع عن مصبّات Déversoirs عرض كلّ واحد يتجاوز المتر ب17 سنتمتر، وكلّ المصارف تصبّ في ساقية Canal ثمّ تتفرّع الساقية إلى فروع. أمّا الآن فقد زالت هاته المنظومة وعوّضت بالعيون الارتوازية تنبثق عنها قرابة المئتي منبع ومن بينها في توزر عين جنار الغار وعين الفوارة وعويشة المليكة. كان المشهد الذي رسمه ابن الشباط رائعا ممّا أوحى إلى بعض الشعراء قصيدة أوردها التيجاني في " رحلته " ومطلعها: زر توزر إن شئت رؤية جنّة تجري بها من تحتك الأنهار نهر على رمل يسيل كأنه رقة تماع على النظار ثمار أبّا وفاكهة حوت وحدائق غلبا تغرّد فوقها الأطيار جنّاتها مثل الجنان فأرضها مسك ونثر نسيمها معطار