تفاجأ الرأي العام وتفاجأت الساحة السياسية بقرار السيد سليم الرياحي إدماج حزبه الوطني الحر في حزب نداء تونس وهي عملية قال عنها رضا بلحاج القيادي بالنداء إن الإعداد والتخطيط لها قد تم منذ أسابيع في كنف السرية بغاية قطع الطريق أمام يوسف الشاهد حتى لا يستفرد بالحزب بعد تكوين الكتلة الوطنية المساندة له و هو السلوك الذي وصف بكونه انقلابا ناعما على حزب النداء وكذلك من أجل إعادة التوازن للمشهد السياسي و البرلماني الذي استفردت به حركة النهضة الحزب الأكثر انضباطا واستقرارا بعد أن اهتزت صورة حركة نداء تونس عند الناس وخسر من وراء ذلك الكثير من حضوره الشعبي بتواصل الاستقالات منه وانسحاب العديد من القيادات والمنتمين إليه . ما يمكن التساؤل عنه هو كيف يمكن أن نقبل أن حزبا من الأحزاب يتحصل على عدد من أصوات الناخبين فيخون هذا التوكيل وهذا التفويض الذي منح له ويحول وجهته نحو حزب آخر من دون استشارة قواعده ؟ وكيف نقبل أن جزءا من الشعب ينتخب حزبا سياسيا من أجل أفكاره ورؤاه ويمنحه أصواته فيكتشف بعد فترة أن الذي انتخبه قد حول وجهته نحو وجهة أخرى من دون الرجوع إلى من انتخبوه ويقرر الاندماج مع حزب آخر ويلغى إسم الحزب الذي دخل به الحملة الانتخابية. إن المشكل فيما نعيش فيه هو في ظاهرة السياحة الحزبية التي ابتليت بها ديمقراطيتنا والتي جعلت الخارطة السياسية تتغير بسرعة وفي ظاهرة الكتل البرلمانية المتحركة بكل سهولة وسرعة .. ففي ديمقراطيتنا قد تجد قياديا من القياديين اليوم في حزب ما وفي الغد تجده في حزب آخر ولعل صورة العضو ابتسام الجبايلي التي كانت في نداء تونس فانتقلت إلى الوطني الحر لتجد نفسها اليوم بعد الاندماج تعود من جديد إلى النداء في مشهد هزلي مضحك ومبك في الآن نفسه ونفس الشيء يقال في غيرها. إن المشكل في موضوع الاندماج الأخير بين الوطني الحر ونداء تونس هو في الانطباع الذي حصل عند الشارع التونسي من أن السياسة ملوثة وأن السياسيين لا يمكن تصديقهم وأن الديمقراطية التي حلمنا بها طريقها محفوف بكثير من الأشواك ومنعرجاتها كثيرة ومن هذه المنعرجات سياسة المزاد العلني والبيع و الشراء والمقايضة بالملفات .. فبالأمس القريب كان سليم الرياحي يقول نقلا عن الطيب البكوش إن نداء تونس حزب " لايت " ولا يمكن أن يصمد كثيرا ول يملك لا برنامجا ولا رؤية واليوم نجده ينضم إليه فما الذي تغير ؟ وما الذي حصل حتى يغير الرياحي موقفه وحكمه من حركة نداء تونس؟ يبدو أن الذي حصل من اندماج غريب وعجيب يعبر عن أزمة أخلاق تحكم أحزابنا وأزمة قيم ضائعة وغير محترمة وأزمة معايير مفقودة .. ويعبر عن حقيقة وحيدة وهي أن المصالح الشخصية هي التي تتحكم في تكوين الأحزاب وأن الولاءات اليوم أضحى المتحكم فيها من يمسك على غيره ملفات تدينه ومن هو قادر على منح الحماية أكثر وتوفير حصانة أمتن فالتقارب بين الأحزاب لم يعد على أرضية فكرية أو على برامج وسياسات ومنافع وطنية وإنما التقارب محدده الأول والأخير هو المصلحة الشخصية. فسليم الرياحي على ما يبدو لم يكن التحاقه بالنداء والانصهار فيه طمعا في منصب حزبي أو مركز سياسي وإنما كان من أجل توفير الحزام والدعم السياسي لملفات كان الشاهد يمسكها ضده ويقايضه بها فكتلة الوطني الحر تضم 14 نائبا في مجلس الشعب وهو عدد لا يستهان به من أجل ذلك فإن البيع والشراء له وزنه وإن المقايضة والتحصين حاسم ومحدد .. أسأل عن موقف محسن حسن وخالد شوكات اللذين كانا يوما في الوطني الحر وخرجا منه لخلافات حادة واليوم يجدان نفسيهما في الوطني الحر من جديد بعد انصهاره واندماجه في النداء وجها لوجه مع راعيه الأول سليم الرياحي فكيف نفهم هذه الوضعية التي تحتاج برنامج " عندي ما نقلك " لحلها بعد أن تحولت إلى مشكلة اجتماعية عويصة .