"شكرا سيدي الرئيس، باسم الله رحم الله من اجتمعنا بسببه ورحم قرينته التي غادرتنا منذ أيّام. عندما توفّي الأستاذ محمد مزالي كتبت في مجلة Jeune Afrique في عددها الصادر يوم 25 جويلية 2010 تحت عنوان: Mzali, le téméraire … Succédant à un homme de la trempe de Hédi Nouira, l'homme de lettres allait patauger dans les méandres des chiffres d'une économie en gestation. Probable président du comité olympique international en 1980, il aurait été mieux inspiré de lorgner du côté du lac léman au lieu de celui du golfe de Carthage. Mais que voulez-vous ! Ainsi font les téméraires. Sadikien et Sorbonnard : tel est le cursus de l'humoniste du XXème siècle à Tunis. Mohamed Mzali en fut un. J'ai assez cotoyé le personnage pour en juger. Nos chemins se sont croisés à plusieurs reprises. بالفعل تعرّفت على الأستاذ محمد مزالي أوّل مرّة عام 1968 عندما أدّى له المكتب التنفيذي لاتحاد الطلبة المنتخب –وكنت أحد أعضائه- إثر مؤتمر منزل تميم زيارة مجاملة بصفته وزيرا للدفاع التي شغلها من 12 أفريل 1968 إلى 7 نوفمبر 1969 تمّ توطدت علاقتي به عندما تولى رئاسة مجلس بلدية أريانة في شهر ماي من عام 1969 وكنت وقتئذ أحد أعضائه الثلاثة عشر. صار التواصل بيننا أمرا محتوما إثر انتخابي في مؤتمر المهدية في شهر أوت عام 1971 أمينا عامّا للاتحاد، وأصبح هو وزيرا للتربية بعد 4 أشهر، وللتذكير فإنّ سي محمّد تولى هاته الوزارة ثلاث مرات: المرّة الأولى من 27 ديسمبر 1969 إلى 12 جوان 1970 المرّة الثانية من 23 أكتوبر 1971 إلى 17 جوان 1976 المرّة الثالثة من 31 ماي 1977 إلى 25 أفريل 1980 وإني لأذكر له مواقف ثلاثة إزاء الاتحاد: الأوّل هو عندما قرّر المكتب التنفيذي في بادرة جريئة عقد اجتماع احتجاجي على زيارة وزير الخارجية الأمريكي المستر روجيرز لتونس يوم 9 فيفري 1970 فاتصلت بالسيد الباهي الأدغم الوزير الأوّل وقتئذ، فأبدى موافقته، ولقد تفاجأت بقوله: " أنا أيضا سوف أعبّر للوزير الأمريكي امتعاضنا من سياسة بلده في الشرق الأوسط". ثمّ اتصلت بالأستاذ محمد مزالي الذي يرجع له الفضل في تسخير مقر بورصة الشغل لفائدتنا، مع العلم أنّ ذلك الاجتماع قد آل إلى مسيرة في شارع بورقيبة حيث وقع ما وقع من اصطدام مع قوّات الأمن واعتقال لعدد من الطلبة المتظاهرين. أمّا الموقف الثاني فهو تمكيننا من طرف سي محمّد من محل في نهج ابن خلدون الحي اللاتيني آنذاك لتمكين الطلبة من فضاء أوقات للترفيه. ثمّ والأهم في هاته المواقف هو تجاوب الرجل مع الرغبة التي عبّرت كلّ الأجيال التي تداولت على مدارج الجامعة التونسية منذ 1971 في إنجاز المؤتمر 18 خارق للعادة باعتبار أنّ مؤتمر قربة المنعقد في تلك السنة لم ينه أشغاله، وهذا ما كنّا نردّده في نطاق اللجنة المنبثقة عن المؤتمر لإعلام الرأي العام الوطني والدولي والتي تشرّفت برئاستها. فلقد أشار لي عندما تحمّل مسؤولية الوزارة الأولى بالسعي لتحقيق تلك الرغبة وهو ما تمّ ولو بعد حين، إذ انعقد المؤتمر في رحاب كلية الحقوق بتونس في فترة عميدها الأستاذ لزهر بوعوني طيّب الله ثراه يوم 30 أفريل 1988 وانبثق عنه مكتب تنفيذي ضمّ أغلب الوجوه التي تتصدّر المشهد اليوم وكذلك شهيد الوطن شكري بلعيد. أمّا عن آثار الأستاذ محمد مزالي في مدينة أريانة التي تشرّف كلانا بترأّس بلديتها، فلقد آثر سي محمّد في أوّل اجتماع للمجلس عام 1969 بالإعلان عن رغبته في إنجاز ملعب رياضي بأريانة وهو الذي حقّق منذ سنين نجاحا باهرا في التئام دورة الألعاب المتوسطية في الحي الرياضي بالمنزه الذي أنشئ بفضل إرادته. ولكن هذا الملعب بقي دون إتمام وحتى إن تمّ فيما بعد فإنه لم يكن مطابقا لما ارتآه سي محمد. ومع ذلك فإنّ هذا الإنجاز الذي يتمتّع به أبناء المدينة يحسب للفقيد. هؤلاء الأبناء – والبنات- الذين كان سي محمد يروم إهداءهم حيّا ثقافيا ورياضيا آخر وهو المقام الآن في المنزه السادس. فلقد خاطبني ذات يوم مدير الشباب القائد محمد رشاد الباجي –طيّب الله ثراه- قائلا: " لقد تحصّلنا إثر زيارة السيد الوزير الأوّل إلى الصين على قرض ميسّر بأربعة ملايين دينار لبناء مركّب للشباب فهل لدى مجلسكم أرضا لإقامة هذا المركّب"، فكان ردّي بالإيجاب. ومن بعد ذلك وفي يوم ما زلت أذكره وهو الرابع من جانفي سنة 1985 كنت صحبة والي أريانة الصديق كمال الحاج ساسي في استقبال السيد الوزير الأوّل في حدود المدينة حيث اصطحبته إلى منطقة المنزه السادس حيث استقرّ الرأي على أنّ المشروع التونسي-الصيني على ضفاف شارع عثمان بن عفان إلى جانب تسخير ساحة الفاطميين بالمنزه السادس التي تمسح حوالي هكتار وهي من أملاك البلدية. ولكن ما كلّ ما يتمناه المرء يدركه... فلقد استأثرت وزارة الشباب والرياضة بالمركز بعد إنجازه ولم تتحقق رغبة سي محمد في تمكين الجماعة المحليّة من هذا المعلم. وكذلك الشأن بالنسبة للمعهد الدولي لتعليم العلوم بالإنقليزية الذي بعثه سي محمد بأريانة ببرج البكوش، ولقد كنت أدعى لحضور الحفل السنوي الذي يقيمه تلاميذ المعهد ولم ينبس أحدهم بغير لغة شكسبير. وإنّه ليسعدني أن أدلي بشهادة في هذا المجال، فلقد استقبلت الوزير الأوّل وضيفه الرئيس الغابوني عمر بونڨو في أثناء زيارته للمعهد، واتّجه الضيف للمضيف: " كيف استطعت أن تحقّق هذا الأمر في غفلة من حماة الفرنسيّة ؟ فابتسم سي محمد وقال: إنّه نواة لسلسلة من المعاهد المماثلة. ولكن ما إن أدار الوزير ظهره حتى شرع أصدقاؤنا الفرنكفونيين بالكدّ لوأد هاته النواة. وفعلا فلقد اجتثّت الرخامة المثبّتة على واجهة المؤسسة، وعادت لغة موليار لمواقعها. بقي أن أشير إلى أمرين يتعلقان بصورة الرجل -في المعنى الحقيقي- وباسمه: أمّا عن الصورة فلقد وضعت قبل مغادرتي لرئاسة البلدية في شهر ماي سنة 1985 صور الرؤساء الذين تداولوا على الرئاسة منذ الاستقلال وعددهم ستّة في بهو قصر بن عيّاد. ولكن ما راع الجميع هو اختفاء صورة الرئيس الذي أشرف على حظوظ المدينة من 1969 إلى 1972 بحجّة أنّه " فرّ " من البلاد عام 1986. ثمّ عندما عاد سي محمد إلى البلاد أعيدت الصورة. فقلت لمن له آذان صاغية: كيف نتعامل مع التاريخ بهاته الطريقة العنجهية. وعلى كلّ فهاته الصور حجبت عن الزوّار بما أنها أصبحت تزيّن جدران قاعة تفتح تارة وتغلق طورا. أمّا عن الاسم فلقد عبّر لي سي محمد أيّاما قبل وفاته عن امتعاضه من عدم ذكره عند التئام اتحاد الكتّاب التونسيين الذي يعلم الجميع أنّه هو الذي أسّسه وترأسه سنة 1971. ولم يقع ذكر ذلك والثناء عليه إلا من طرف الأمين العام لاتحاد الكتاب العرب فاستحضرت ما كنت كتبته في " شذرات " تحت عنوان " رسالة النكران ": كثيرة هي الرسائل في المرجعية الفكرية والأدبية للعرب ... ... أمّا في الشرق فثمّة طبعا رسائل إخوان الصفاء وعددها 52 وثمّة بالخصوص الرسالة التي أضحت أثرا أدبيّا كونيّا –ناهيك أنّ الإيطالي دانتي نسج على منوالها والتي صاغها شاعر المعرّة أبو العلاء والموسومة بالغفران. فهل يجود زمننا بمن " يعرّي " أو حتّى يرفع الحجاب عن العيب الذي استفحل فينا حتّى كاد يصبح سمتنا الوراثية أو بلغة أهل الذكر أحد ملامح شفرتنا الجينية، فيحرّر لنا رسالة في النكران تكون لنا ولغيرنا شاهدا على فنّ حذقناه وصرنا من البارعين فيه. فهل نستعير من علي الدوعاجي عبارة " ناس الغلبة " وهو الذي نقش في ذاكرتنا ذلك البيت الخالد: " عاش يتمنى في عنبة كيف مات جابولو عنقود " أم هل نستنجد بأي القاسم الشابي عندما يضع أمامنا المرآة: " الناس لا ينصفون الحي بينهم حتى إذا ما توارى عنهم ندموا " هي المرآة نفسها التي يحيلنا أمامها الفنّان كمال التواتي في عمله الدرامي " أحنا هكّه " . والسؤال الحالي هو: متى نصبح " موش هكّه ".