الدكتور ماهر السايحي ل«الشروق» هذه فحوى لقائنا برئيس الجمهورية    تونس تشرع في تنفيذ خطوات عمليّة من أجل الحصول على التصنيف الدولي للفِرق الطبية الطارئة    عشرات الشهداء في القطاع وحديث عن تأهب إسرائيلي لاحتلال مدينة غزة    مع الشروق : حلّ السلطة الفلسطينية بين الوهم والحقيقة    أخبار الاتحاد المنستيري: سلامة يحمل الآمال    أخبار مستقبل سليمان: سامي القفصي يخلف التلمساني    عثر عليه بقنال مجردة ..التحقيق في ملابسات وفاة الصحفي مروان الهدواجي    قصر النجمة الزهراء يحتضن الملتقى الدولي للفنون من 5 إلى 8 سبتمبر    أسرة الشاذلي القليبي تهب مكتبته لدار الكتب الوطنية    الوطن القبلي: انطلاق الدورة الثالثة للدراجات الجبلية    عاجل/ صدور الأمر المتعلق بادماج هؤلاء الأعوان..    هام/ فتح هذه الطريق بداية من الغد..    مجلس وزاري حول مشروع الميزان الاقتصادي لسنة 2026    عشرات المشاركين في قافلة الصمود البحرية المغاربية من تونس يتلقون التوجيهات الأخيرة ويستعدون للإبحار    ترامب: لم أفعل شيء ليومين فبدأ الجميع بالحديث عن موتي    عاجل/ العثور على جثة صحفي مفقود بقنال مجردة: النيابة تتدخّل..    وزارة الصناعة والمناجم والطاقة تحدد سعر شراء الكهرباء المنتحة من الغاز الحيوي    بطولة النخبة الوطنية لكرة اليد: برنامج مباريات الجولة الثالثة    رجة أرضية بمنطقة المعقولة التابعة لولاية باجة بقوة 2.4 درجة على سلم ريشتر شعر بها مواطنو الجهة    لجنة الطاقة الذرية تصادق على البرنامج الإطاري 2025-2029 للاستخدام الامن للتقنيات النووية    عاجل/ عملية طعن وإطلاق نار في مرسيليا    كوجينتك فيها حشرات؟ هاو 5 طرق طبيعية تخليك تنساهم بلاش مُبيدات    هام/ كميّات الأمطار المسجّلة بعدد من مناطق البلاد خلال الأربع وعشرين ساعة الماضية..    تصفيات المونديال: حكم موريسي يدير مواجهة غينيا الاستوائية والمنتخب الوطني    عاجل/ استئناف رحلات هذا القطار بعد توقفه 5 سنوات    سليانة: تقييم الموسم الفلاحي المنقضي والاستعداد للموسم القادم خلال جلسة عمل    تأجيل رحلات اللود بين صفاقس وقرقنة بسبب التقلبات الجوية    عاجل/ زلزال ثان يضرب أفغانستان خلال اقل من 24 ساعة    تنبيه: إمكانية حصول إضطراب على مواعيد سفرات "لود قرقنة"..    نقابة الصحفيين تنعى الصحفي مروان الهدواجي..    العالم يشهد خسوف كلي للقمر..وهذا موعده..#خبر_عاجل    الكاف: "الزقوقو" المادة التي ينهشها الاحتكار    90 بالمائة منها ليس لديها بديل: نقص حاد في هذه الأدوية..# خبر_عاجل    هام/ تعرف على عدد ساعات النوم التي تحتاج إليها وفقاً لعمرك..    وكالة النهوض بالاستثمارات الفلاحية: المصادقة على 1532 عملية اسثمار بقيمة 229،5 مليون دينار الى موفى جويلية 2025    خزندار: إيقاف منحرف خطير محل 14 منشور تفتيش    بطولة اسطنبول للتحدي - معز الشرقي يخرج من الدور الاول    يهم التوانسة: 90% من الأدوية المفقودة ما عندهاش بديل في السوق...شنيا صاير؟    الإفتاء المصرية تحسم الجدل: صيام يوم المولد يجوز شرعًا    محرز الغنوشي: ''امطار متفرقة ورعدية متوقعة اليوم بالشمال ومحليا الوسط''    غلق 7 محلات وحجز 15 طنا من المواد الغذائية غير الصالحة للاستهلاك    الروز.. تاكلو في النهار ولا الليل؟ الخبراء يوضحوا!    مانشستر سيتي يتعاقد مع مع حارس المرمى الإيطالي جيانلويجي دوناروما    انطلاق عملية بيع تذاكر "عرض السيرك الخيري"    مؤسسة "فداء" تعلن عن صرف المنح المدرسيّة والجامعيّة والتّكوينيّة لفائدة أبناء شهداء وجرحى الاعتداءات الإرهابيّة    عاجل/ نشرة متابعة للوضع الجوي..    السودان: أكثر من ألف قتيل في انزلاق أرضي بإقليم دارفور    عاجل: هذه الدولة تعتزم الاعتراف بدولة فلسطين وتفرض عقوبات ضدّ الإحتلال..    أولا وأخيرا: «أ في الله شك يزي فك»    طقس الليلة.. سحب كثيفة مع امطار بعدد من المناطق    مفتي الجمهورية: الأمة الإسلامية مُستهدفة.. #خبر_عاجل    نابل: حالتا وفاة غرقا بشواطئ سليمان    الكريديف يفتح باب الترشح لجائزة "زبيدة بشير للكتابات النسائية التونسية" لسنة 2025    محمد فضل شاكر يكسر الصمت: 13 عاماً من الانتظار.. ونصيحة والدي غيرت حياتي    Ooredoo Music Fest by OPPO 3.0 يحقق نجاحاً باهراً في صفاقس    الأسعار والبيع: كل ما يلزمك تعرفو على تذاكر ماتش تونس وليبيريا    صيف المبدعين ..الشّاعرة لطيفة الشامخي .. الكُتّاب ،سيدي المؤدّب وأوّل حِبْر عرفته    النور الأخضر في صنعاء... زلزال عقائدي وعسكري يهزم المجرم نتنياهو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نوفل سلامة يكتب لكم : الانتحارية منى بن قبلة..كيف يمكن للجماعات الإرهابية أن تفتك من الدولة أبناءها؟
نشر في الصريح يوم 31 - 10 - 2018

إن المفيد الذي نخرج به من العملية الارهابية الأخيرة التي نفذتها فتاة في عقدها الثالث متحصلة على الإجازة في اللغة الانقليزية والتي جدت بشارع الحبيب بورقيبة واستهدفت دورية أمنية هو معرفة الأسباب العميقة التي دفعت " منى بن قبلة " الفتاة الفقيرة والعاطلة عن العمل والفاقدة للأمل في الحياة والباحثة عن معنى لوجودها وعن مكانة محترمة في مجتمعها في ظل واقع يعمه التهميش ويكبله الحرمان ويسجيّه انسداد الأفق هو معرفة ما الذي دفع فتاة جامعية تجرؤ على القيام بفعل إجرامي تستهدف به قوات الأمن و تنهي به حياتها وتخلف من ورائه الأسى والحسرة في عائلتها وتعيدنا من جديد للحديث عن الظاهرة الإرهابية وعن أسبابها ودوافعها .
ما لحظناه في كل النقاشات التي دارت في وسائل إعلامنا بمناسبة هذا الحدث الارهابي الأخير هو أننا لم نطور معارفنا في التعاطي مع الظاهرة الإرهابية ولا نزال نستعمل نفس أدوات التحليل ونفس الأدبيات النظرية التي استهلكت وتعاد في كل مرة يجدّ فيها حدث إرهابي . لا نزال إلى اليوم نراوح مكاننا في تفسير الفعل الإرهابي ونردد التبريرات الكلاسيكية التي تحاول أن تجيب على سؤال ما الذي يجعل من الإنسان العادي يتحول إلى إرهابي ويختار القتل والموت ؟ لقد تم استجلاب كل تلك الوجوه التي تكرر نفسها بخطابها القديم عن الظاهرة الإرهابية في حين أن ما قامت به الفتاة منى بن قبلة مختلف عن كل العمليات الإرهابية السابقة وهو درس مهم علينا أن نستفيد منه لمزيد فهم كيف يشتغل العقل الإرهابي إن كنا فعلا عازمين على التخلص من السلوك الارهابي في مجتمعنا .
ما حصل هذه المرة هو أن فتاة جامعية متحصلة على الإجازة في اللغة الانقليزية ومن المؤكد أنها درست مادة الحضارة تقدم على تفجير نفسها مستهدفة أمنيين بما يدحض التفسير القديم الذي كان يربط بين نوعية التعليم الجامعي وسهولة التأثير الإرهابي فقد كان التفسير القديم يذهب إلى أن الذي يدرس العلوم الصحيحة من رياضيات وهندسة وطب وغيرها يكون أكثر عرضة للتأثير الارهابي ويسهل استقطابهم على عكس من درس العلوم الإنسانية واللغات الحية فإنهم يكونون في مأمن من الاستقطاب السلفي فجاءت هذه الحادثة لتقول لأصحاب هذه النظرة بأن الذي قام بتفجير نفسه في عمل إرهابي فتاة قادمة من شعبة إنسانية ومتخصصة في اللغة الأنقليزية فكيف نفسر ذلك ؟ فهل أن نوعية تكوينها الجامعي قد سهل عليها انتماءها الإرهابي أم أن الحقيقة غير ذلك ؟
ما حصل هو أنه على خلاف كل العناصر الإرهابية التي تم القبض عليها أو تصفيتها بعد أن اتضح تورطها مع جماعة من الجماعات الإرهابية فإن " منى بن قبلة " لم يعرف عنها انتماء إلى جماعة سلفية متطرفة ولا كان لها اتصال بعناصر متشددة ولا عرف عليها تحول في سلوكها أو في طريقة تدينها وإنما الذي عرف عن هذه الفتاة هو أنها كانت فتاة عادية لا تخالط كثيرا ومنزوية على نفسها فكيف تم استقطابها والتأثير عليها ؟ وكيف تم اقناعها بالقيام بعمل خطير كالذي أقدمت عليه ؟ ربما التفسير لفهم ما حصل مع هذه الفتاة هو أن استقطابها قد تم عبر شبكة التواصل الاجتماعي ولكن هل يكفي هذا التفسير لفهم السبب العميق الكامن في الاستعدادات النفسية والذهنية والاجتماعية والتي دفعت هذه الفتاة الفقيرة والعاطلة عن العمل على تفجير نفسها ؟
ما هو غائب اليوم في فهم ما حدث مع هذه الفتاة وما غاب في فهم العملية الارهابية الأخيرة هو الحفر في حياة " منى بن قبلة " وهي نموذج ومثال لكثير من الشباب الفاقد لمعنى لحياته والفاقد للأمل في المستقبل والفاقد للثقة في دولته حتى تجد له الحلول لمشاكله .. منى بن قبلة هي مثال من أمثلة كثيرة للنتيجة التي نحصل عليها عندما تغيب الدولة ويغيب حضورها في حياة الكثير من الشباب العاطل عن العمل .. هي مثال للسياسات الفاشلة التي همشت الإنسان وضيعت الأحلام هي مثال لكل شاب ظل الطريق ولم يجد من ينقذه من حالة العجز التي تكبله .
منى بن قبلة هي واحدة من فتيات وفتيان كثر يبحثون عن معنى لحياتهم ويبحثون عن مخرج لغربتهم في وطنهم وعن حل لمشاكلهم الاجتماعية وعن وسائل يعالجون بها اكراهات الحياة واحراجاتها فحينما تفتقد الحلول وحينما تغيب الدولة وحينما يشعر المرء بالعجز لمعالجة مشاكله حينها تحصل المأساة ومن صور المأساة الانتحار والمخدرات والجريمة والحرقة ومن صور المأساة كذلك أن تفتك الجماعات الارهابية من الدولة أبناءها و تحل محل المجتمع في ايجاد الحلول و احتضان الشاردين والتائهين والفاقدين للأمل والحياة .. فما حصل في هذه الحادثة الارهابية هو أن الدولة بمؤسساتها وأجهزتها وأحزابها وجمعياتها قد انهزمت أمام هذه الجماعات الإرهابية التي استطاعت أن تأخذ منها أبناءها وأن تقنعهم بأن الحل لحياتهم يكون في الانتماء إلى الجماعات المتطرفة وأن حقيقة وجودهم في الانضمام إليها لقد استطاعت أن تمنحهم المعنى الذي يبحثون عنه و استطاعت أن تكون هي الحل الذي ينشدونه وأن تمنحهم حضورا يطوقون إليه .. لقد استطاعت ان تبيع لهم الحل والأمل والوهم ..
لا يمكن أن نبرر الإرهاب فهو مدان مهما كان مأتاه كما لا يمكن أن نفهم الفعل الاجرامي المتطرف ولا يمكن أن نجد مبررا مهما كان لما تقوم به الجماعات الارهابية .. ولكن لا يمكن كذلك أن نفهم كيف استطاعت هذه الجماعات الإرهابية أن تنتصر على الدولة وتفتك منها أبناءها و لا يمكن أن نستوعب أن تكون هذه الجماعات هي الحل عوضا عن الدولة .. إن منى بن قبلة هي ضحية غياب الدولة وعجزها عن انتشالها من الفقر والبطالة وهي ضحية التهميش الذي عليه الكثير من قرانا وريفنا ومناطقنا الداخلية إن هذه الفتاة هي مأساة وضحية لانتصار الجماعات الإرهابية على الدولة و في اقناع الكثير من الشباب الشارد والضائع والتائه والفاقد للمعنى والعاجز عن تغيير حياته نحو الافضل وحل مشاكله من خلال الحل الجماعي بأن الحل لكل همومه وغربته واغترابه يكون مع الجماعات الارهابية والانتماء إليها .. إن مأساتنا في قدرة هذه الجماعات الارهابية أن تفتك من الدولة أبناءها وفجيعتنا في بقاء المجتمع عاجزا عن فعل أي شيء ..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.